اطلس- واضح بأن الظروف الموضوعية ممثلة بكل إجراءات وممارسات الإحتلال القمعية والإذلالية بحق المقدسيين ناضجة لخلق واقع انتفاضي، وهذه الإجراءات والممارسات والقوانين والتشريعات والقرارات ذات البعد العنصري والممتهن لكرامة المقدسيين
والنافي والمقصي لحقوقهم، هي التي دفعت بالحالة المقدسية الى هبات جماهيرية متلاحقة تخبو حيناً وتعلو حيناً آخر ارتباطاً بحالة القمع الإسرائيلي، من خطف وتعذيب وحرق الشهيد الفتى ابو خضير حياً في 2/ تموز2014 وحتى اللحظة الراهنة، وهذه الهبات أتت وتأتي في إطار ردات فعل فردية وعفوية...مفتقرة للقيادة والتنظيم والمشاركة الجماهيرية الواسعة وتحديد الهدف...هبات تأتي في إطار الحماية والدفاع عن الذات...بالمقابل الظرف الذاتي الفلسطيني، بدلاً من أن يلعب دور تصعيد الفعل الشعبي والجماهيري وتأطيرة وتنظيمه للوصول به الى حالة انتفاضية شعبية عارمة،وجدنا أنه في معادلة غير مستقيمة، وحالة مشوهة في عرف وفكر وحركات التحرر الوطني، لعب ويلعب دور المفرمل والكابح لتطور الفعل الجماهيري الشعبي المقدسي والهبات الجماهيرية الى انتفاضة شعبية واسعة تمتد شرارتها ومفاعيلها الى كافة ارجاء الوطن، فالحالة الفلسطينية عدا عن كونها ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،وتمارس التحريض والطعن ببعضها البعض،فهي تستنفذ الكثير من طاقاتها وإمكانياتها في إطار مناكفاتها وصراعاتها الداخلية، مضيعة اتجاه البوصلة وحارفة لها عن اتجاهها الصحيح.
ولا يغيب عن بالنا عامل آخر في هذا الجانب على درجة عالية من الأهمية،بأن الأحزاب والفصائل والمفترض ان تشكل وتقود الإنتفاضة،اوضاعها محزنه، فهي تعيش ازمات عميقة بنيوية،واوضاعها الداخلية أقرب الى حالات هلامية منها تنظيمات صلبة ومتماسكة وموحدة الإرادة والفعل، وقيادتها مترددة وغير مبادرة، وهي أقرب الى التكلس والجمود والنمطية، وتعيش حالة من الإغتراب والإنعزال عن الجماهير في إطار الفعل والمبادرة والتصدي لجرائم ومشاريع الإحتلال.
رغم كل التموجات والغليان في المرجل المقدسي عبر حالة متقطعة من الهبات الجماهيرية،فنحن لسنا على أبواب انتفاضة شعبية عارمة،رغم وصول الوضع في القدس الى حالة التأزم وذروة الأزمة،إحتلال يشن حربا شاملة على المقدسيين في كل المجالات والميادين،حتى أنه يستهدفهم في تفاصيل ومناحي حياتهم اليومية،يتصدون ويقامون،يفشلون مخططاً او مشروعاً للإحتلال هنا او هناك،ولكن لا تصل الأمور الى مرحلة الإنتفاضة الشعبية العارمة، فالإنتفاضة ليست مسألة إرادوية أو إسقاطية، بالضرورة ان تتوفر لها أركان وعناصر،القيادة والتنظيم والهدف والمشاركة الشعبية الواسعة والكبيرة،كما حدث في إنتفاضة الحجر الأولى كانون اول/1987 ،مع التأكيد على أن إندلاع انتفاضة ثالثه لا يعني بأن تكون نسخة كربونية عن الإنتفاضتين الأولى والثانية،حيث تغيرت الظروف والأوضاع والتجارب والخبرات والحقائق،والمشهد الدولي والإقليمي والعربي، وكذلك الفلسطيني.
اذا كانت الأوضاع في القدس ناضجة لإنتفاضة شعبية،فهي على المستوى الفلسطيني العام غير ناضجة،حيث ان واحد من عوامل التحول في الوضع الفلسطيني في القدس والضفة الغربية نحو الإنتفاضة الشعبية ،هو إقدام السلطة الفلسطينية على تطبيق قرار المجلس المركزي في شباط الماضي بوقف التنسيق الأمني مع الإحتلال، هذا القرار الذي من الواضح انه لم يجر أية ترجمة عملية له، بل كل الدلائل تشير بأن السلطة الفلسطينية ما زالت ترى بالرهان على العمل السياسي والمفاوضات والجهد او العمل المقاوم السلمي ، خياراً لها في مواجهة "التغول" الإسرائيلي، وزيادة وتائر القمع والإعتداءات والإستيطان.
والعامل الفلسطيني،ليس وحده غير ناضج أو مالك لإرادة الشروع في إنتفاضة جماهيرية ناضجة ظروفها الموضوعية،بل الحاضنة العربية للفلسطينيين،هي الأخرى في أعلى درجة الأزمة والإنهيار
،حيث نرى بأن هناك حالة من التردي والإنهيار غير المسبوق،فلم تعد القضية الفلسطينية،هي قضية العرب والمسلمين الأولى.
إن المرجل المقدسي سيواصل الغليان صعوداً وهبوطاً، ولكن يبقى الحديث عن إنتفاضة شعبية الآن رهناً بالتطورات على الوضع الفلسطيني العام،وحالة الإشتباك والصراع مع المحتل ستبقى قائمة ومحتدمة،ما دام الإحتلال قائماً،ويخطط لطرد وتهجير المقدسيين، بسياساته العنصرية وقوانينه وتشريعاته وعقوباته الجائرة، والتي كان آخرها قرار المحكمة العليا الإسرائيلية تطبيق ما يسمى بقانون املاك الغائبين على أراضي وممتلكات المقدسيين المقيمين في الضفة الغربية، وحالة الإشتباك والفعل الإنتفاضي، قد تقلب الطاولة وتخلط الأوراق وتغير من المعادلات القائمة، في ظل حالة من التخبط والإرباك الإسرائيلي،لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه ومشروعه الوطني،إذا ما احسنا الإستثمار، ويمكن أن تقودنا حالة التخبط وفقدان السيطرة،وغياب التنظيم والفعل القيادي الموحد والهدف إلى حالة من الفوضى بما يحقق الأهداف الإسرائيليّة. فهل نجرؤ على الاختيار الصحيح أم يقضي علينا الانقسام والخشية من المجابهة المفروضة؟