اطلس- في الوقت الحالي، واكثر من اي وقت مضى، يتصاعد اهتمام الناس في العالم، في النظام البيئي، من ارض وحيز ومن هواء ومياه وغذاء ومن تنوع حيوي، والذي بدونه لا يمكنهم العيش والتطور والنمو، وفي ظل فورة التقدم الاقتصادي، وما تبعه من تقدم في مختلف مجالات الحياة،
تنبهت المجتمعات التي قطعت شوطا ملموسا ومتواصلا في التنمية، تنبهت الى البيئة التي فيها تحيا، بعد ان دمرت او لوثت ماكينة التقدم المتسارعة وبدون تخطيط النظام البيئي، والذي لم تأخذه بالحسبان حين وضعت الخطط الاقتصادية، وحين طمحت الى تحقيق، نسب في النمو الاقتصادي وصلت الى حوالي 10% في السنة، ولسنوات عديدة.
وباتت هذه الدول الان، تدفع الثمن باهظا، وبدأت ترصد مليارات الدولارات لمقاومة او للحد من الاثار السلبية التي احدثتها في البيئة، ومن هذه الدول الصين والهند والبرازيل، وتدريجيا الولايات المتحدة الامريكية، وكانت اوروبا وقبل سنوات عديدة، قد تنبهت الى اثار وتداعيات النمو والرخاء والرفاه، المدمرة على البيئة، وبالتالي سنت القوانين والتشريعات، وطبقت اجراءات صارمة للرقابة والتفتيش والمتابعة، وبثت حملات من الوعي البيئي، والتربية البيئية وبشكل مستدام، وفي مختلف المجالات وعند كافة الاجيال.
ورغم ذلك، فإن ما زالت تقوم به بعض الدول، وبالاخص الدول الكبيرة والصناعية، من بث الملايين من الاطنان، من الملوثات الى الجو كل عام، ادى ويؤدي الى اثار ليس فقط على هذه الدول، ولكن على كل العالم، حيث تتمثل الاثار الملموسة والتي نراها او نحس بأثارها هذه الايام، تتمثل في الاحتباس الحراري، وارتفاع حرارة الارض، والتقلبات الجوية العنيفة، والتصحر، والفيضانات، وتداعي انظمة التنوع الحيوي وما الى ذلك من امور بات الانسان مسؤولا عنها.
وفي بلادنا، او على صعيد بيئتنا الفلسطينية، ما زال الاحتلال، وبالاخص المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او بآخر في تلويث وتشويه هذه البيئة، حيث ما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياه العادمة سواء اكانت مكررة او غير مكررة، تصب في المناطق الفلسطينية، وما زال الاستيطان يعيق عمل مكبات النفايات، او حتى يحد او يقيد استعمال مكبات نفايات جديدة، ويشترط استخدامها لنفايات المستوطنات كذلك، وما زالت المصانع الاسرائيلية الكيميائية في منطقة طولكرم وغيرها تلوث البيئة، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى متواصلة على صحة الناس، وبالاضافة الى ذلك، شوهت المستوطنات المناظر والتواصل الطبيعي الذي يربط الاراضي الفلسطينية، وادى بناؤها وتوسعها الى الاخلال بالتنوع الحيوي في فلسطين، من نباتات وحيوانات برية وطيور.
والنظام البيئي في بلادنا، بمكوناته هو نظام محدود وهش، حيث المصادر الطبيعية، من مياه، والتي تشكل المياه الجوفية اكثر من 90% منها، ومن ارض، ومن تربة صالحة للزراعة، هي مصادر محدودة، والمساحة الجغرافية ضيقة، وكثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة، وربما تعتبر من اعلى النسب في العالم، وخاصة في قطاع غزة، التي تبلغ مساحتها تقريبا 365كيلومتر مربع، وتحوي اكثر من مليون ونصف المليون انسان.
وبالتالي فإن العمل من اجل حماية هذه البيئة، هذه الايام وللاجيال القادمة يعتبر اولوية وطنية، سواء اكان ذلك على الصعيد الرسمي اي على صعيد عمل الحكومة، او من خلال منظمات المجتمع المدني، او الجامعات والمدارس والبلديات، او بمعنى اخر من خلال المجتمع بشكل عام، والذي يشكل وعي واهتمام وتصرف المواطن، الاساس لتوفير الحماية لنظامنا البيئي، قبل فوات الاوان والندم على ذلك؟
وفي بلادنا، ما زال الناس لا يبالون او لا يعيرون الكثير من الاهتمام للنظام البيئي الذي يعيشون فيه، وما زلنا نرى النفايات في الشوارع وفي الاماكن العامة، سواء اكانت نفايات صلبة، او نفايات مجاري او بقاياها كما يحدث في مناطق قطاع غزة، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي احيان عديدة بشكل غير امن او غير سليم او غير مراقب، وما زالت مياه المجاري وليست فقط المياه العادمة المكررة، تصب في بحر غزة وفي بعض الشوارع والازقة، واصبحت مياه غزة الجوفية مالحة، وربما ملوثة وما زالت التقارير تشير الى ان اكثر من 95% من المياه في غزة هي مياه ملوثة، وغير صالحة للاستهلاك البشري؟
ولحماية البيئة الفلسطينية، فإننا نحتاج الى تطبيق حازم للقوانين المتعلقة بحماية البيئة، سواء اكان ذلك، قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، ونحتاج الى تبني استراتيجية وخطة عمل بيئية وطنية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني اجراء الفحوصات لعينات بيئية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للاثر البيئي لمشاريع او لاعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الاساس من اجل حماية البيئة التي يحيا فيها.
ولحماية البيئة الفلسطينية وبشكل مستدام، فإننا نحتاج الى ترسيخ ثقافة حماية البيئة، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس وفي الجامعات وفي المصانع وفي الحقول الزراعية وفي الشارع، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، والتعاون مع مراكز الابحاث البيئية في جامعاتنا من اجل ايجاد حلول لمشاكل البيئة المحلية، وكذلك الاستخدام الاكثر والادق للاعلام في مجال حماية البيئة، والاهم ترسيخ مفاهيم البيئة واهمية حمايتها والدفاع عنها، كأولوية وطنية، اسوة بالاولويات الوطنية الاخرى.