اطلس- لا يستطيع احد الا معاندا ان ينكر التوجه السلمي للقيادة الفلسطينية , وحرصها على تحقيق سلام عادل وشامل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المستمر منذ اكثر من ستة عقود.
ذ ان الرئيس محمود عباس منذ ان تولى رئاسة السلطة الفلسطينية في الخامس عشر من كانون الثاني عام 2005 اعلن انه رجل سلام وانه ينبذ العنف بكافة اشكاله وصوره , وانه سيسعى صادقا من اجل تحقيق سلام مع اسرائيل من خلال الوسائل والاساليب الشرعية المتوافقة مع القوانين الدولية وشرعة حقوق الانسان.
وشدد على ان العنف لن يجلب سلاما , وانما يزيد الامور تعقيدا , ويفاقم من المشاكل بدلا من ان يحلها .
ومن منطلق ايمانه بالاسلوب السلمي لحل الصراع مع الجانب الاسرائيلي , فانه دخل في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الجانب الاسرائيلي , دون تفريط بالثوابت الفلسطينية , التي عمادها : اقامة دولة فلسطينية متصلة الاطراف , لا تمزقها المستوطنات ولا الحواجز الاسرائيلية ولا الطرق الالتفافية , وان تكون هذه الدولة قابلة للحياة وذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 , وهذا يتفق مع قرارات مجلس الامن والامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان التي تنص على ان من حق اي شعب في هذا العالم ان يحكم نفسه بنفسه دون تدخل من اية قوة اجنبية اخرى .
وقد ارادت القيادة الفلسطينية ان تكون المفاوضات : المباشرة وغير المباشرة وسيلة لتحقيق السلام العادل والشامل , وان تكون ضمن اطار قرارات الشرعية الدولية , وان تكون محدودة بسقف زمني محدد . وقد تم التوصل الى العديد من التفاهمات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي خلال رئاسة ايهود اولمرت للحكومة الاسرائيلية السابقة , لكن مع سقوط حكومة اولمرت وتولي رئيس الوزراء الاسرائيلي رئاسة تلك الحكومة , انتكست عملية السلام , ذلك ان رئيس الوزراء نتنياهو يفضل التوسع والاستيطان على تحقيق السلام العادل والشامل مع الجانب الفلسطيني , ومن هذا المنطلق فانه رفض الاعتراف بكل التفاهمات التي توصل اليها الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي في عهد حكومة اولمرت التي سبقته , واصر على العودة الى المربع الاول والى نقطة الصفر .
وبدلا من ان يستجيب رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لليد الفلسطينية الممدودة الى السلام , فانه استجاب لضغوط اليمين الاسرائيلي في حكومته , الذي يرفض السلام , ويصر على التوسع والاستيطان . وهكذا فان نتنياهو اتخذ من المفاوضات ستارا للمضي قدما في سياساته التوسعية والاستيطانية , وسياسة فرض الامر الواقع وتغيير الواقع في الارض الفلسطينية , بمصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لاقامة مستوطنات جديدة , وتوسيع المستوطنات القائمة .
وعندما تدخل الرئيس الاميركي باراك اوباما ووزير خارجيته شخصيا من اجل احداث اختراق في الجمود الذي ران على عملية السلام , جراء الممارسات الاسرائيلية , وطلبا من الرئيس عباس الدخول في مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي محددة زمانيا بتسعة اشهر , فان الرئيس عباس استجاب لهذا المطلب الاميركي , لعله من خلال التدخل الشخصي لاوباما , ان يحدث نقلة نوعية في عملية السلام , ولكن نتنياهو استمر في سياسته القديمة , ولم يقدم شيئا خلال تلك المحادثات , بل وانه وقبل انتهاء مهلة الاشهر التسعة بخمسة ايام فقط اي في الرابع والعشرين من نيسان من عام 2014 اعلن وقف المفاوضات بذريعة ان حركتي فتح وحماس وقعتا اتفاق مصالحة , وذلك بادعاء ان حركة حماس منظمة ارهابية , وبزعم ان الرئيس عباس " بدلا من اختيار السلام , عقد اتفاقا مع منظمة ارهابية " وان من يختار حماس لا يريد السلام " !!
وقد اكد الرئيس عباس عند توقيع ذلك الاتفاق , ان الحكومة التي ستشكل على اساس الاتفاق , ستكون تحت سلطته , وانها ستنفذ سياساته , وبالتالي فان ما ادعاه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من ان الرئيس عباس فضل ما سماه ارهاب حماس , ليس له اي جانب من الحقيقة وانما كان ذريعة واهية اتخذها رئيس الوزراء نتنياهو للتهرب من التزامات اسرائيل تجاه عملية السلام .
وقد اعتبرت صحيفة "هآرتس " الاسرائيلية , في تعقيب لها على قرار وقف المفاوضات , اي في السادس والعشرين من نيسان عام 2014 , اعتبرت القرار الاسرائيلي خطأ استراتيجيا .
واكدت ان الاتفاق بين منظمة التحرير وحماس لتحقيق المصالحة شأن فلسطيني داخلي , واعتبرت ان الاتفاق اذا تحقق فانه سيعزز فرص تحقيق السلام مع اسرائيل , وحذرت من ان وقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني سيؤدي الى قيام دولة يهودية ثنائية القومية .
ومنذ اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني منذ اكثر من عام , ومع فشل مفاوضات الاشهر التسعة دخلت عملية السلام مرحلة من الجمود جراء التعنت الاسرائيلي . وزاد الطين بلة ان نتنياهو , وبعد ان فاز في انتخابات الكنيست الاسرائيلي بالاغلبية , من خلال اعلان تنصله قبيل تلك الانتخابات مما اعلن في خطابه في جامعة بار ايلان من قبوله بحل الدولتين , فانه بدأ بتشكيل حكومة ستكون الاكثر يمينية في تاريخ الحكومات الاسرائيلية , ويكفي دلالة على ذلك ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو اسند وزارة القضاء الى الوزيرة ايليت شاكير من حزب البيت اليهودي , التي سبق ان قالت : ان الفلسطينيين يجب ان يموتوا جميعا وعلينا ان نهدم بيوتهم , كما انها تعارض توقيع اي اتفاق سلام مع الشعب الفلسطيني .
ورغم هذه المواقف اليمينية للحكومة الاسرائيلية الجديدة , فان القيادة الفلسطينية , ما زالت متمسكة بالسلام كخيار استراتيجي , الذي هو ايضا خيار الدول العربية مجتمعة , والذي تجلى ذلك في طرح قمة بيروت العربية في عام 2002 مبادرة السلام العربية التي تنص على سلام شامل بين الدول العربية مجتمعة واسرائيل , مع قبول اسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة, ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 , ولا زالت الدول العربية رغم مرور ثلاثة عشر عاما على اصدار تلك المبادرة تقول انها ما زالت على الطاولة بانتظار قبول اسرائيل بها .
ان جمود عملية السلام المستمر منذ اكثر من عام ليس في مصلحة احد, لا في مصلحة اسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الاوروبي , وبنفس الاهمية ليست في مصلحة فلسطين ايضا , خاصة وان منطقة الشرق الاوسط تغلي وعلى صفيح ساخن , فالاوضاع غاية في الخطورة في سورية والعراق وليبيا , وزاد من خطورة الاحداث تفجر الاوضاع في اليمن , فالمنطقة ليست بحاجة الى اشتعال بؤرة جديدة في المنطقة , وهذا الهدوء الظاهري يجب الا يخدع احدا , وقد حذر قادة عسكريون اسرائيليون كبار من هذا الجمود , وحذروا كثيرا من تفجر الاوضاع في اية لحظة .
ويحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو التهرب من الضغوط الدولية والداخلية من خلال عزمه على طرح مبادرة سلام والمضي قدما في تنفيذ خطوات ايجابية , وهو يظن انه من خلال هذه المناورة التي يسميها " مبادرة السلام " يريد خلال فترة العام ونصف العام المتبقية لولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما , تجنب الضغوط الاميركية , معتقدا ان خليفة اوباما في البيت الابيض لن يكون معنيا بالقضية الفلسطينية , سواء كان من الحزب الديمقراطي او من الحزب الجمهوري .
والواقع ان كل محاولات رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو للتهرب من استحقاقات السلام انما تزيد الاوضاع تعقيدا , وتضيع فرصة تاريخية نادرة طالما حلمت بها اسرائيل منذ قيامها عام 1948 لتحقيق السلام مع الفلسطينيين ثم مع العرب . ومناورات رئيس الوزراء نتنياهو واضحة ولن تعطل تصميم القيادة الفلسطينية , ومن ورائها الشعب الفلسطيني عن سعيها الدؤوب والمستمر لتحقيق الاهداف المشروعة للشعب الفلسطيني , فما زال الرئيس عباس متمسكا بخيار السلام خيارا استراتيجيا , فقد اعلن مساء يوم الثلاثاء الماضي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في تونس مع نظيره الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي : ان هدفنا تحقيق السلام للجميع , حتى تنعم منطقتنا بالامن والامان والاستقرار , الذين لن يكون ممكنا الا باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة , وذلك من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية , ومبادرة السلام العربية .
وكان الرئيس عباس قال في تصريح مقتضب قبل هذا المؤتر الصحفي , للصحفيين في تونس : ان الفرنسيين يريدون ان يقدموا باسم فلسطين مشروع قرار الى مجلس الامن , دون ان يحدد الرئيس مضمون هذا القرار , واعرب عن ترحيبه بهذه الخطوة الفرنسية , وقال : ان هناك لجنة عربية من خمس دول هي المكلفة بمتابعة هذا الامر مع فرنسا وغيرها من الدول .
وموقف فرنسا موقف مشجع , ولكن لا بد من ان توافق الولايات المتحدة على مشروع القرار الفرنسي هذا والا تعمل على تعطيله , خاصة وانها صاحبة رؤية حل الدولتين . ان الرئيس اوباما يريد ان يسجل انجازا قبل تركه السلطة في البيت الابيض من خلال الملف النووي الايراني , فلما لا يسجل انجازا يدخل به التاريخ كله , من خلال الصراع العربي – الاسرائيلي , ويستطيع ذلك لو اراد , ولكن هل يريد !!!! والله الموفق .