اطلس- من العيب أن نغمض أعيننا ونمسك ألسنتنا ونصم آذاننا فيما نحن نواجه عمليات اضافية من فقدان التوازن والذهاب في المجهول وتمرير الاكاذيب علينا ودفعنا الى المواقف التي تجلب علينا الخسران و التقهقر عن ركب الحياة
فإن ما عشناه في الايام التي تلت حادثة «شارلي ايبدو» يشير بوضوح الى اننا مكشوفو الظهر وأنه لا سقف لنا ولا مرجعية من ثقافة او سياسة او.. هكذا فجأة اكتشفنا اننا امة بلا راع، فكان لغياب المؤسسات الرسمية والمعنوية اثره الواضح في ارتجالية الأداء في معركة لا تحتمل الفوضى لانها تمس صميم الرسالة والفكرة كما ان لها علاقة طردية بمستقبلنا وواقعنا.
ان العوار الاول اتضح لدينا في غياب المنهجية في التعامل مع الاساءات المتكررة من قبل بعض اذرع الإعلام الاسرائيلية المتغلغلة في المؤسسات الغربية في فرنسا وأمريكا والدنمارك وسواها.. حيث استطاعت هذه الأذرع جرنا الى معركة بعيدة عن ساحة المعركة المباشرة لنغرق في معطيات جديدة ونستنزف في اشتباك لا نعرف من المتسبب فيه وكيف نتعامل معه لا سيما ونحن كما سبق ذكره امة بلا راع ولا مرجعية.. ومن جديد نكتشف اننا فقدنا القدرة على التمييز وترتيب الاولويات في خضم ما يثار حولنا من جنون التطاحن والتصادم.
وحتى لا يستفز احد من الطيبين نسارع الى القول ان ما ارتكبته مجموعة من الفرنسيين والدنماركيين او الالمان محاولين فيه الاساءة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم انما هو عمل يستوجب المعاقبة لأنه يمس عقيدة مئات ملايين البشر ويسيء لمئات ملايين البشر الآخرين الذين يوقرون النبي محمدا رغم عدم التزامهم بالاسلام.. نقدم هذه اللازمة من القول لكي ننطلق فيما بعد نناقش ردودنا التي انبعثت في اكثر من مكان بلا تريث .. ولأن العدو يدرك تماما كيفية أدائنا لأفعالنا وكيفية تشكل منظمات دفاعاتنا النفسية فهو يوجهنا الى خارج دوائر الصراع التي يكون ضربنا فيها على حلقات..
ملايين الناس التي خرجت في باكستان والهند وبلاد العرب والعجم منددة ومستنكرة وشاجبة وهاتفة ضد فرنسا والغرب بسبب الإساءات التي تناولتها صحيفة فرنسية انما يعبر في احد اوجهه عن تقديس لشخص نبي الاسلام واحترام له عليه السلام.. ولكن ينبغي التدبر اكثر والغوص في الظاهرة لتحليلها وعدم التوقف عند سطحها..
وننطلق من السؤال: وماذا بعد؟ لن نتطرق لمحاولات التضخيم والتكبير للمشهد لأن ذلك ليس هو الاصل في الموضوع.. ولن نستعرض كيف استفادت فرنسا وإسرائيل من الحدث او كيف تعامل الإعلام والقوى المتطرفة في الغرب مع الحدث فلذلك كله شأن آخر.. وهو يعبر في حقيقته عن طبيعة الخصم.
ولكن العودة الينا والى فعلنا وأفكارنا تكشف لنا اننا جسد بلا عقل وكيان بلا روح.. تنتفض أعصابه عند الاستثارة وتهتز أطرافه عند الوخز وقد تضرب ذات اليمن وذات الشمال ولكن ذلك كله دون الفعل المؤثر الايجابي الامر الذي يعني فقدان طاقة في غير محلها.. فماذا يعني ان تبح اصوات المسلمين في مشارق الارض ومغاربها بالهتاف نصرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة اساءة لحفنة من الإعلاميين الفرنسيين المغمورين..انها تعني تفريغ شحنات الغضب في الهواء لن تصل الى شيء بل تؤسس لسلوك فوضوي قد نرى اثره في النيجر وسواها من حرق للكنائس وإساءات للمسيح عليه السلام.. وكأن هذه المحاولة في الاساءة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الحلقة الخطيرة على الاسلام وأمته وبلاد المسلمين؟
لماذا لم تخرج هذه الملايين صاخبة ثائرة عندما تسمع عن إغلاق المسجد الاقصى في وجه المصلين المسلمين؟ لماذا لا تخرج هذه الملايين غاضبة ثائرة وهي ترى الارض التي بارك الله حولها تنتهب وتحول الى ملاهي واستيطان؟ لماذا لم تخرج هذه الملايين الصاخبة فيما العراق يحترق وسورية تدمر واليمن يمزق وليبيا تبعثر وفلسطين وقدسها تشتت من الخريطة؟ لماذا لم نرى هذه الملايين تنتفض من اجل ملايين السوريين والعراقيين والفلسطينيين الذين يغرقون في الدم والجوع ؟
ثم، اين هم المسلمون والعرب؟ اين هم المثقفون والدعاة والإعلاميون؟ هؤلاء جميعا قادرون ان يوجهوا فعلا حضاريا لتنبيه القاضي الفرنسي ورجل السياسة الفرنسي بحجم الخسارة التي تلحق بالدولة الفرنسية جراء تراخيها عن القيام بحماية حريات الناس في معتقداتهم .. كان على العمال العرب والمسلمين الامتناع عن تفريغ سفن فرنسا وطائراتها وأن يتوقف التجار عن الاستيراد من فرنسا في كل المجالات لمدة اسبوع فقط. عندها فقط ستدرك الحكومة الفرنسية خطأها الجسيم .
كان يمكن ان ينتهي الموضوع بسهولة وبرد حضاري محسوب ونوفر فيه طاقة حناجر المسلمين الى قضايا طويلة عريضة.. بيننا والغرب عشرات ملفات التصادم والاشتباك السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري وكل ملف يعتمد على الآخر وهو يحتاج منا مزيدا من الحشد والطاقة والصبر لأنها ملفات تحدد وجهة مستقبلنا وهذا هو المعنى الحقيقي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تتوقف عند استنكار محاولات الإساءة الى شخصه انما هي السعي الدائب والقائم والمستمر لاقتفاء خطواته عليه السلام والحفاظ على وحدة امته ونقاء رسالته والدفاع عن إرثه صلى الله عليه وآله سلم..
هم يحاولون الاساءة لنبينا ويشوهون معالم ثقافتنا ويسلبون ثرواتنا ولكننا في مقابل ذلك كله نؤمن بأن ذلك محرم علينا ذلك كله لأننا نحمل رسالة رحمة للعالمين ولن تستفزنا سياساتهم.. تولانا الله برحمته.