اطلس- لأن الأحداث متسارعة وقد يصعب اللحاق بها، فإن ما يستغرقنا هو الظاهر منها، أو ما يسمى الجزء الناتئ من جبل الجليد في المحيط .
وأحياناً يتردد بعض المحللين في الذهاب إلى العمق وباتجاه جذور الظواهر، لأن هذا يبدو أقرب إلى الرفاهية التي لا وقت لها، وقد يراه آخرون مجرد لعبة شطرنج .
لكن التاريخ في مجراه وما يحكمه من قوانين لا يعبأ بالنوايا، وكما أن القانون لا يحمي المغفلين، فإن التاريخ أيضاً لا يحمي من لم يقرأوه .
وما نعنيه بأعوام الحسم أو الأعوام الفاصلة هو الفترات الحرجة التي تمر بالأمم، بحيث تشطر تاريخها إلى ما قبل حدث وما بعده . وقد صُنّفت أحداث الحادي عشر من أيلول في هذه الخانة ليس فقط بما جرى خلال بضع ساعات فقط، بل بما أفرزه ذلك الحدث من ردود أفعال وتشريع قوانين وإعادة نظر في قضايا كانت مُصنَّفة كثوابت وبديهيات .
وعلى سبيل المثال يرى مؤرخو القرن العشرين أن العام 1979 من الأعوام الفاصلة، بسبب الأحداث المتزامنة التي وقعت في ذلك العام، ومنها الثورة الإيرانية، ومعاهدة كامب ديفيد، وبداية تعبيد الطريق الوعرة بين واشنطن وبكين، وتسلم صدام حسين السلطة في العراق، ومقدمات الحرب العراقية الإيرانية، وهو أيضاً العام الذي شهد تقارير بول فولفويتز الشهيرة عن إسقاط نظم وإيقاظ إثنيات هاجعة يكون صراعها بمثابة حرب عالمية ثالثة، لكنها موضعية وليست كونية شاملة .
وقد يكون العام 2014 الذي نودعه حاسماً، لكن بمقياس آخر، وأول من أطلق على هذا العام صفة الحاسم هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، لأنه حصاد أولي أو قطفة أولى لحراكات عربية بدأت عام 2011 .
مقابل الأعوام الفاصلة في التاريخ، هناك أعوام أو عقود خاملة، يسود فيها الاستنقاع سياسياً وثقافياً، وترتخي فيها الأوتار كلها، بحيث يبدو العزف عليها مثيراً للإشفاق والسخرية، لأن ما يحكمها ويُسيّرها هو الأمر الواقع الذي أدى إليه التكرار . وبعبارة أخرى، فإن ما يُسيّرها بالفعل هو قوة الماضي .
وقد عاش العالم ومنه الوطن العربي أعواماً خاملة خلال خريف الحرب الباردة الذي شهد احتضارها، بعد أن حُذف القطب الآخر من الصراع وهو الاتحاد السوفييتي الذي تفكك من داخله أولاً، ثم جرى استثمار هذا التفكيك أمريكياً من خارجه .
في الأعوام الفاصلة تتغير مفاهيم وتُثار شكوك حول المسلمات والبديهيات، أو ما كان الناس يتصورونه كذلك .
لهذا قد يكون الربع الأول من هذا القرن تمهيداً لتاريخ آخر .