اطلس- كان أمس هو اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، وهو نفسه يوم ذكرى قرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1947 كخطوة نحو إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بإقامة دولتين مستقلتين عربية ويهودية تربط بينهما وحدة اقتصادية ، مع بقاء القدس والمنطقة المحيطة بها وبيت لحم وشريط أرضي يربط بينهما ، منطقة خاضعة للاشراف الدولي ، ونص القرار على موعد أقصى لاقامة الدولتين لا يتجاوز الأول من تشرين أول 1948.
وبدون الدخول في كثير من تفاصيل خريطة الدولتين إلا من الجدير بالقول أن القرار أعطى الدولة اليهودية ما نسبته 65% من مساحة فلسطين وأعطى الدولة العربية 43 % فقط.
وبموجب هذا القرار فإن الدولة الفلسطينية كانت ستضم منطقة الوسط بما في ذلك الضفة الغربية وجزء من الجليل الغربي مع مدينة عكا وجيب يضم مدينة يافا والمنطقة جنوب مدينة اسدود مع شريط أرضي يربطها بقطاع غزة. وأما الدولة اليهودية فقد أعطيت منطقة الجليل الشرقي الخصبة والغنية زراعيا ، والسهل الساحلي من حيفا إلى مدينة رحوفوت ومعظم منطقة النقب بما في ذلك الجزء الغربي من إم الرشراش المعروفة اليوم باسم إيلات وبذلك تنفرد عن الدولة العربية بأن لها منفذا إلى البحر الأحمر.
ولقد رحبت الوكالة اليهودية بقرار التقسيم وخرج اليهود يرقصون في الشوارع لأن هذا القرار شكل أول مرجعية دولية لاقامة الدولة اليهودية ، في حين رفضت الدول العربية قرار التقسيم بحجة أنه يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ حق الشعوب في تقرير المصير ، ورفضته الزعامة الفلسطينية آنذاك.
وللحق أقول بأن أحدا لا يملك الحق في لوم الزعامة الفلسطينية التي رفضت آنذاك قرار التقسيم أولا لأنه كان قرارا جائرا ومجحفا بحق الشعب الفلسطيني مقتطعا جزءا كبيرا من أرضه ووطنه لاعطائها للغرباء الذي لم يكن يقبل أن يتنازل عن حقه لهم ودفع ثمن جرائم النازية التي ارتكبت بحقهم ، ولأن أحدا لم يكن ينجم بالغيب ويعرف ماذا سيحدث في المستقبل. ولذا فلا يحق لأحد بأن يتهم الفلسطينيين بأنهم أضاعوا تلك الفرصة. ولا بد من الأشارة هنا إلى أن الحزب الشيوعي الفلسطيني آنذاك كان هو الوحيد الذي أعلن قبوله بقرار التقسيم ولكن لم يكن له أي تأثير في تغيير الموقف الشعبي أو القيادي الفلسطيني ولا موقف الأنظمة العربية في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك الحين والنكبات تتوالى على الشعب الفلسطيني والأنظمة العربية تفرض وصايتها عليه إلى أن وقعت حرب 1967 وأصبحت فلسطين ، كل فلسطين ، تحت سيطرة إسرائيل، وبدلا من مطالبة العرب بتحمل مسؤولياتهم والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية في النضال من أجل استرداد الحقوق الفلسطينية ، وقعت القيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية في خطأ استراتيجي حين انتزعت من مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974 قرارا باعتبار م. ت. ف. الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، وبذلك لم يعد بالامكان مطالبة مصر باسترجاع قطاع غزة لأنها هي التي اضاعته وأسقطته في يد الاحتلال الاسرائيلي ولم يعد بالامكان مطالبة الأردن بالعمل لاسترجاع الضفة الغربية والقدس لأنها هي التي تتحمل مسؤولية سقوطها في يد الاحتلال أيضا.
ولم يقتصر الأمر على أننا أعفينا الدول العربية من مسؤوليتها تجاه ضياع فلسطين بل تراجع البرنامج النضالي الوطني الفلسطيني وبدلا من أن كان يرفع شعار تحرير الأرض كل الأرض من النهر إلى البحر وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية في كل فلسطين ، أصبح يطالب بدولة في الضفة والقطاع والقدس التي كانت أصلا تحت السيطرة العربية حين أقيمت م.ت.ف. ، وها نحن نشهد اليوم تراجعا أخطر يتمثل في قبول التنازل عن أجزاء من الضفة واستعداد للتنازل عن أجزاء من القدس العربية تحت مقولة الأحياء العربية للعرب والأحياء اليهودية لليهود وها هي الأحياء اليهودية تقضم القدس العربية وتبتلعها قطعة إثر أخرى تحت غطاء تكثيف الاستيطان والاستيلاء على البيوت والأراضي العربية في مدينة القدس .
ويبقى السؤال في نهاية المطاف : أين نقف اليوم ؟
وقبل الاجابة على هذا السؤال لا بد من الاقرار بأن حل الدولتين الذي ما زال البعض على الجانب الفلسطيني يؤمن به ويتحدث عنه لم يعد ممكنا ، ليس فقط بسبب استمرار الاستيطان وتقويض الفرصة الاقليمية لايجاد المكان الذي يمكن أن تقام به هذه الدولة وإنما بسبب العوامل الداخلية التي تعتمل وتتعاظم داخل المجتمع الاسرائيلي ، وأولها هو تحول المجتمع الاسرائيلي إلى مجتمع يميني شوفيني عنصري ينكر وجود الفلسطينيين أصلا ويحاول تكريس الدولة اليهودية العنصرية من النهر إلى البحر سعيا إلى تحويل الشعب الفلسطيني إلى أقلية دونية لا تحظى بالمساواة ولا تتمتع بأية حقوق سياسية وتعامل تماما كما كان يعامل السود في جنوب أفريقيا ، وما القوانين العنصرية التي يتم تشريعها في إسرائيل هذه الأيام إلا لوضع التأسيس القانوني لمثل هذه الدولة القائمة الآن بحكم الأمر الواقع رغم كل الأوهام والألقاب السلطوية التي يتداولها الفلسطينيون ، وتماما كما قال وزير الدفاع الاسرائيلي الحالي قبل فترة وجيزة حين وصف الشكل الذي تريده إسرائيل منكرا حق الفلسطينيين في السيادة أو الدولة قائلا " وليسمي الفلسطينيون أنفسهم امبراطورية أو أي شيء يريدون ".
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني علينا أن نعترف بأننا فشلنا في المسار الثنائي الذي بدأناه مع الاسرائيليين بحثا عن الحل السياسي الموهوم وأن لن تكون هناك أية فرصة للحل مع إسرائيل وأن المعركة الحقيقية التي يجب أن تكون هي معركة المجتمع الدولي مع إسرائيل الدولة التي تشكل خطرا ليس على الفلسطينيين وحدهم بل على الأمن والاستقرار الدولي ، وعلى العالم أن يفهم بأن خطر التطور االيميني الديني المتطرف في إسرائيل هو أشد على العالم من خطر داعش أو حتى الأكثر تطرفا منها.