اطلس: كتب المحامي علاء فخري فريحات: نظرا لما تشهده البلاد من ظروف طارئة -حرب- فرضت على الشعب الفلسطيني كحدث جسيم يرقى لمرتبة القوة القاهرة بسبب إعلان حالة الحرب على فلسطين من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي الشامل للأراضي الفلسطينية
في الضفة وغزة في ظل -طوفان الأقصى- وما نتج عنه من قيام الاحتلال بعزل المدن الفلسطينية في الضفة عن بعضها البعض وتغول الهجمات على قطاع غزة المكلوم مما أدى الى صعوبة التنقل بين المدن والقرى الفلسطينية الامر الذي أدى الى تعطيل عمل المحاكم في الضفة وغزة لا سيما في ظل اعلان نقابة المحامين الفلسطينيين تعليق العمل امام المحاكم الفلسطينية حفاظا على أرواح المتقاضين والمحامين والقضاة والنيابة العامة في ظل الحرب الاجرامية بحق الأرض والانسان الفلسطيني بصورة غير مسبوقة، ولما كان من المستقر قانونا ان القوة القاهرة تعد سببا حائلا للمتقاضين من اتخاذ إجراءات قيد الدعوى ومتابعتها والطعن على الاحكام الصادرة بها وحائلا لاتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية خلال المدد القانونية الواجب الالتزام بها والا ترتب عليه سقوط الحق.
بات لزاما على رئيس دولة فلسطين اعلان حالة الطوارئ في ظل الهجمة البربرية الشرسة على جميع الأراضي الفلسطينية من قطعان المستوطنين بمساندة جيش الاحتلال وتغول القصف على الأهالي العزل في غزة وهذا ما ينسجم واحكام المادة 110 من القانون الأساسي الفلسطيني التي نظمت اعلان حالة الطوارئ عندما نصت صراحتا على وجوب الإعلان عنها في حالة الحرب وفرضت الحرب على هذا الشعب من قبل الاحتلال بعد ان فاض بأبناء غزة الحال فبادروا للدفاع عن أنفسهم بعد طول حصار. ولا يخفى على العامة ان ما يحصل من فصل بين المدن الفلسطينية وقطع الطرق فيما بينها والسيطرة على الطرق الرئيسية من قبل جيش الاحتلال الذي أتخذ تعليماته بقتل كل ما هو فلسطيني دون أي رقيب او حسيب يحقق حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير بإعلان حالة الطوارئ وبما يتفق واحكام المادة 43 من القانون الأساسي لا سيما في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني.
وحيث ان المواد المشار اليها أعلاه أعطت لرئيس الدولة الصلاحية والسلطة بإعلان حالة الطوارئ لعدة أسباب منها وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب او غزو... وشهد التاريخ الفلسطيني سابقا اعلان حالة الطوارئ ثلاث مرات كانت الأولى في عام 2003 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 18 لسنة 2003 والذي شمل كامل الأراضي الفلسطينية اثر تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني آنذاك، والثانية كانت عام 2007 بسبب الانقسام البغيض بين شطري الوطن الذي نتمنى التئامه ووحدته في اقرب وقت، والاعلان الثالث كان عام 2020 بموجب القرار بقانون رقم 1 لسنة 2020 بسبب جائحة كرونا والذي صدر تبعا له القرار بقانون رقم 10 لسنة 2020 بشأن وقف سريان مدد التقادم والمواعيد والآجال القانونية خلال حالة الطوارئ، والقرار بقانون رقم 31 لسنة 2020 بشأن وقف سريان مدد التقادم والمواعيد والآجال القانونية المتعلقة بالاعتراض امام محاكم التسوية خلال فترات الاغلاق بحالة الطوارئ.
وفي ظل اعلان حالة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني بات لزاما على رئيس دولة فلسطين اعلان حالة الطوارئ في البلاد بسبب تقطيع المدن الفلسطينية وفصلها عن بعضها البعض واغلاق الطرق واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة من قبل المحتل وبهذا المفهوم اصبح لدى المستوطنين وجيش الاحتلال الذريعة المطلقة لقتل أي فلسطيني بدم بارد على الطرق الرئيسية الواصلة بين المدن والقرى؛ مما القى بالتهديد على حياة المواطنين ومنهم المتقاضين والعاملين في المجال القضائي والقانوني من محامين وقضا وأعضاء نيابة عامة في حال تنقلهم بين المدن وهو ذات التهديد لحياة جميع الفلسطينيين. واقل ما يمكن القيام به من قبل رئيس الدولة بما له من صلاحية هو اعلان حالة الطوارئ ووقف المدد والآجال القانونية كافة المتعلقة بإجراءات التقاضي امام القضاء النظامي؛ المدني والجزائي والإداري، والقضاء الشرعي والقضاء العسكري والقضاء الدستوري وامام دوائر التنفيذ وهيئات التحكيم بما في ذلك إجراءات التحقيق ومباشرة الدعوى الجزائية وكل ما يتعلق بالمدد والآجال القانونية لحين انتهاء الحرب حفاظا على حقوق المواطنين وحياتهم.
قد بادرت نقابة المحامين الفلسطينيين للمطالبة بهذا الأمر من خلال الطرق الرسمية وغير الرسمية لما له من ضرورة ملحة، لا سيما وان لكل انسان فلسطيني الحق بالاستعانة والاتصال بمحامية ومن حقه اللجوء للقضاء للمطالبة بحقوقه وعلى الدولة حمايتها وصيانتها وهذا أضعف الايمان.
وحيث ان فلسطين انضمت الى العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاقيات الأساسية لحقوق الانسان التي تضمنت التزامات بشأن اعلان حالة الطوارئ الموجبة لوقف المدد والآجال والعمل بها، وباستقراء القانون الأساسي الفلسطيني نجد ان المشرع لم يورد تعريف واضح لحالة الطوارئ إلا أننا نجد تعريف لها في قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم 3 لسنة 1998 حيث عرفتها على انها (حالة الخطر الداهم الذي يهدد او يعيق السير العادي للسلطات العامة) وفي الفقرة الأولى من المادة 110 من القانون الأساسي حدد المشرع ماهي الظروف التي تعتبر من قبيل التهديد للأمن القومي الفلسطيني ومنها حالة الحرب كظرف استثنائي يستدعي اعلان حالة الطوارئ ووقف المدد والآجال القانونية.
وعلى الرغم من اننا نرى ان اعلان حالة الطوارئ سيسري من الناحية الواقعية على الضفة الغربية فقط دون قطاع غزة الجريح بسبب عدم وحدة التشريعات النافذة على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وبسبب الانقسام التشريعي بين الضفة وغزة، إلا ان هذا الأمر وبرغم آلامه في ظل هذه الظروف الصعبة فإننا بحاجته لاستقرار المعاملات والقانونية والقضائية بين المواطنين واستقرار مراكزهم القانونية.
ويلقي هذا الامر أيضاً بمسؤولياته على رئيس مجلس القضاء الأعلى في هذه الظروف القيام بواجباته ومسؤولياته لتأمين الاستقرار القضائي وعليه ان ينتهج ما سارت عليه نقابة المحامين وما طالبت به بعيداً عن الخلافات والمناكفات البغيضة في هذه المرحلة وعلى الجميع ان يضع نصب اعينه مصلحة المواطن الفلسطيني ويحمي حقوقه القانونية والقضائية ويجنبه خطر التنقل بين مدن الضفة المحتلة لا سيما وأننا نشاهد يوميا الاعتداء على المواطنين اثناء تنقلهم على الطرقات العامة دون توفير أي حماية لهم من أي كان.
بعيدا عن الخوض في قانونية القرارات بقانون وما هيتها في هذا المقام الا اننا نرى بان الواقع الحالي بحاجة ماسة الى اعلان حالة الطوارئ بكل ما تشمله من معنى بالمفهوم الواسع دون تضييق في ظل الحرب الشرسة على هذا الشعب من اخر احتلال على وجه الكون وغطرسته، فلم تكن الظروف السائدة في جائحة كرونا استثنائية آن ذاك أكثر من الوضع الراهن اذ ينبغي على رئيس دولة فلسطين وذلك اضعف الايمان ان يعمل جاهدا على حماية أرواح المواطنين بتجنيبهم التنقل بين المدن والقرى فالسلطة ملزمة بضمان حقوق الانسان الفلسطيني وان توفر له سبل الانتصاف العادلة التي تمكنه من اللجوء للقضاء والمثول امامه ومتابعة قضاياهم وشكواهم باستقرار مراكزهم القانونية بعد الحرب ونرجوا الله ان تكون بالنصر المبين.
ونشير هنا الى ان التجني على نقابة المحامين والمحامين بانهم يعملوا على تعليق العمل امام المحاكم مما ينتج عنه مضيعه لحقوق المتقاضين هو امر مرفوض لا سيما واننا في ظروف استثنائية يعلمها الجميع وأن التنقل بين المدن اصبح من ضروب الانتحار بما ينطوي من مخاطر كبيرة على حياة المواطنين في ظل عدم الاستقرار وعدم توفر ادنى مستويات الامن والآمان وهما الحد الأدنى المطلوب توفيره ويصعب تحقيقه، وحيث ان القانون يوجب على المتهمين في القضايا الجزائية المثول امام القضاء حتى في ظل غياب المحامين فان حياة هؤلاء المواطنين ستبقى عرضه للخطر اثناء تنقلهم لحضور جلسات المحاكمة، فمن لا يرى حالة الخطر على الطرق الفلسطينية المهددة لوجود الانسان الفلسطيني وحياته وكينونته واثرها على الامن والنظام العام من المؤكد انه يعيش في كوكب آخر. فقد دأب المشرع الفلسطيني على نظم احكام القانون بما يكفل صون الحريات وبما يحفظ حق الانسان في الحياة وهو ما كان متفق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية ونذكر هنا جملة منها تتعلق بالأحكام المتعلقة في صكوك القانون الإنساني الدولي المتعلق بحماية النساء والأطفال في أيام الحرب والسلم ومنها ما جاء في القرار رقم 2444 المؤرخ في 9 كانون الأول 1968 والقرار رقم 2597 المؤرخ في 16 كانون الأول 1969 والقرار رقم 2674 والقرار رقم 2675 المؤرخين في 9 كانون الأول 1970 بشأن المبادئ الأساسية لحماية السكان المدنيين اثناء المنازعات المسلحة.
فإدراكاً للمسؤولية الواجبة على الحكومة إزاء مصير المواطن الفلسطيني وحقوقه عليها ان تضع في اعتبارها ضرورة اعلان حالة الطوارئ وان تصدر قرار بقانون بهذا الشأن يتضمن وقف المدد والآجال القانونية من تاريخ 7/10/2023 وان يشمل اعلان حالة الطوارئ كل ما من شأنه ان يقوي المواطن الفلسطيني ويعزز ثبوته في وجه المحتل.
ومن الجدير بالذكر ان حالة الطوارئ تقدر بقدرها من قبل المخول بإعلانها ففي دولة المجر تم اعلان حالة الطوارئ بسبب الحرب على أوكرانيا واتخذت المجر من ذلك كل ما يمكن لتمكين المواطن المجري وحمايته في الحرب القائمة بدول الجوار فكيف لنا ان نصمت في فلسطين والحال واحد في الضفة وغزة فعندما تُعنى الدولة بحقوق مواطنيها عليها ان تعمل على حمايتهم وان تعمل بما كفله القانون وما اتفق ونصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.
وفي النهاية نخلص الى ان حالة الحرب التي أعلنتها إسرائيل تعتبر سبب مادي وواقعي لقيام حالة القوة القاهرة التي من شانها الحيلولة دون اجراء أي عمل من اعمال القضاء وبما فيها المتابعة والتحقيق والمحاكمة بصورة مطلقة الأمر الذي معه يجب وقف سريان المدد القانونية ومراعاة ظروف المتقاضين في حال عدم تمكنهم من حضور الجلسات او التغيب عنها، طالما بقيت مستمرة حالة الحرب والعدوان الغاشم على مقدرات هذا الشعب وعلى الأرض والانسان. لا سيما وان المادة 40 من القانون الإسرائيلي لعام 2001 الخاص بإعلان الحرب التي استند اليها نتانياهو في اعلان حالة الحرب وبمصادقة الحكومة الإسرائيلية وفق احكام البند (أ) من هذه المادة وقد جاء في البند (ب) منها انه (ليس في أحكام هذا القسم ما يمنع من اتخاذ الأعمال العسكرية اللازمة للدفاع عن الدولة والأمن العام) وهذا النص ورد على عموميته دون أي قيد او ضابط على تصرفات الجيش الإسرائيلي او رقيب عليها من أي جهة فقد أطلق يدي الجيش للتنكيل بالشعب الفلسطيني بداعي الدفاع عن الدولة.