اطلس: درجت مقولة " ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله" في إشارة إلى العملية العسكرية التي قامت بها حركة حماس في مستوطنات الغلاف، وما تبعها من عدوان إسرائيلي
يصل إلى حد الإبادة الجماعية تجاه قطاع غزة بشكل رئيسي بهدف ما وصفته الحكومة الإسرائيلية القضاء على حركة حماس واحكام السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع وضمان وجود نظام حاكم مسالم لإسرائيل.
ويمكن الاتفاق مع هذه المقولة على قاعدة أن ما بعد السابع من أكتوبر يشبه إلى حد بعيد ما قبل 2007 وهو تاريخ حكم حماس لغزة بشكل تام بعد نجاحها في اقصاء السلطة الوطنية الفلسطينية ومن خلفها حركة فتح من هناك بقوة السلاح، في ضوء قراءة مجموعة من المقاربات التي أنهاها السابع من أكتوبر : المقاربة الأولى، التي جمعت حماس بإسرائيل منذ حكم غزة عام 2007 وعدة معارك أفرزت قواعد اشتباك تقوم على تعايش إسرائيل مع قوة حماس في غزة وتقليمها كلما اقتضى الأمر، ومنح غزة أطواق نجاة اقتصادية وإنسانية بالشراكة مع الوسيط القطري الذي لعب دورا محوريا في هذا الشأن، مقابل الحفاظ على التهدئة في الحدود الجنوبية وترسيخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بما يضعف وحدانية التمثيل الفلسطيني وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في مناسبات عديدة. وهذا يجعل هذه الجولة مختلفة عن سابقاتها حيث أن أوراق اللعب التي امتلكها الطرفان سابقا لن تنجح بمنع الكارثة بل جذبتها، ومن مجمل الوقائع التي ستنتج عن تهاوي هذه المقاربة هي عدم مقدرة حماس على العودة لحكم القطاع كما السابق، وتقليص مقدرة إسرائيل على إبقاء قطاع غزة معزولا عن الضفة وأي تسوية سياسية وأمنية مستقبلية.
المقاربة الثانية، مقاربة التطبيع دون دفع أثمان سياسية للفلسطينيين، عبر مسار اتفاقات التطبيع الثنائية التي قامت بها إسرائيل مع دول البحرين، والامارات، والمغرب، وكانت في طريقها نحو المملكة العربية السعودية فقد أدت معركة السابع من أكتوبر والحرب الدائرة حاليا إلى ربط مسار التطبيع العربي الإسرائيلي بمدى اعتراف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية وإيجاد حل عادل لهذه القضية على أساس حل الدولتين الذي تتهرب منه إسرائيل بكافة مشاربها منذ انتهاء اخر جولة مفاوضات سلمية فعلية ما بين الرئيس عباس وايهود أولمرت من خلال تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية واضعافها سياسيا عبر توسيع الاستيطان والتهويد وضم القدس واراضي ج، وماليا عبر التضييق والحصار المالي وسرقة المقاصة الفلسطينية، وأمنيا عبر الاجتياحات والقتل والتدمير اليومي في مدن الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية. سقوط هذه المقاربة أدى إلى إحياء الحديث عن حل الدولتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كركيزة رئيسية في أي مبادرات لليوم التالي للحرب في القطاع، ويعيد الى الواجهة مرة أخرى المبادرة العربية للسلام كأرضية لإنجاز أي اتفاق سياسي قادم مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد سنوات عجاف من تقويض ذراعها (السلطة الوطنية الفلسطينية) وتآكل شرعيتها وتعثرها في أداء الواجبات المناطة بها.
المقاربة الثالثة، كشف السابع من أكتوبر عبء ربط القضية الفلسطينية بفقه المحاور سواء تلك التي أطلقت على نفسها وصف محور المقاومة أو محور الاعتدال حيث أن لهذه المحاور معطياتهما الذاتية والموضوعية التي لم تستطع منع وقوع السابع من أكتوبر عبر فرض حل سياسي على إسرائيل يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، فيما اكتفى المحور الأخر باعتبار ما يجري في غزة حرب فلسطينية- إسرائيلية تستوجب الدعم المعنوي بحده الأقصى والميداني بحده الأدنى. إن انكشاف هذه المقاربة للشعب الفلسطيني سينتج عنها عاجلا أم آجلا اعترافا صريحا بأن القضية الفلسطينية يجب أن تبقى قضية الكل لكن بما يخدم مشروعها في انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
المقاربة الرابعة، إعاقة المخطط الإسرائيلي بالتهجير والوصاية عقب الموقفين المصري والأردني الحازمين والمواقف الدولية التي تبعتها حيث جعلت المخطط الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين قسريا من الضفة الغربية نحو الأردن ومن قطاع غزة نحو مصر صعبة المنال وتهدد اتفاقات السلم الاستراتيجية لإسرائيل، وإصرار هاتين الدولتين على عدم تولي أي مسؤوليات حكم في الضفة وغزة. هذه الإعاقة سينتج عنها مجموعة من النتائج المتعلقة بإعادة السلطة الوطنية الفلسطينية في مركز النقاش الدائر عن حكم قطاع غزة بعد الحرب.
إن هذه المقاربات الأربعة وغيرها من المقاربات التي لم تحسم بعد على الصعيدين الفلسطيني الداخلي، وكذلك الإسرائيلي بسبب المتغيرات المتدفقة لاسيما الميدانية تخلق مناخا شبيها بخروج الفلسطينيين من انتفاضة الأقصى التي استمرت حتى عام 2005، التي قتل فيها قرابة 1200 إسرائيلي واستشهد فيها 4600 فلسطيني، وأوقفت بتوافق وطني فلسطيني حتى يتسنى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لواجهة الحكم وصنع القرار، وإعادة إعمار ما دمرته ماكنة الحرب الإسرائيلية وخلق مسار سياسي جديد قائم على حل الدولتين، مع الأخذ بعين الاعتبار فوارق رئيسية ما بين الماضي والحاضر، الأولى: أن حماس كانت في العام 2006 في طريقها للاندماج في النظام السياسي الفلسطيني عبر الانتخابات وضمن بيئة أكثر تسامحا معها إقليميا ودوليا من الآن، والثانية، أن الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل كانتا أكثر جدية في معالجة القضية الفلسطينية والتوصل إلى حل سلمي مع السلطة المقامة على انقاض انتفاضة الأقصى.