و إذا كنا لا نستطيع تحديد يوم بعينه او حدث بذاته ، تاريخا لبدء هذا التقهقر الانهياري ، فإننا نستطيع التركيم والتدميج والتصعيد إزاء حقبة معينة قد تمتد الى عقد من الزمان او حتى عقدين ، كما كل الاحداث الكبرى في العالم كانهيار الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال الذي لا يمكن حصره بآخر رئيس سوفياتي ميخائيل غورباتشوف وكتابه النوعي "البروسترويكا" ، او خراب منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيعها على اتفاقية أوسلو ، او فاشية إسرائيل بمجرد فوز بن غفير في انتخاباتها الأخيرة قبل ثلاثة أشهر .
قد يؤرخ البعض لبدء العد التنازلي لامبراطورية الشر الأخيرة في العالم ، للازمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا قبل 15 سنة وصدرتها الى أوروبا ، قد يقول آخر انها منذ ضم روسيا بوتين لجزيرة القرم قبل تسع سنوات اعقبها بغزو أوكرانيا قبل سنة ، و قد يقول ثالث انها بصمود سوريا ذلك الصمود شبه الأسطوري .
و لكن في تحصيل التركيم والتدميج والتصعيد ، فإن التصالح بين ايران والسعودية في بكين ، يجب وبالضرورة ان يقرأ من ضمن هذا التحصيل ، سبقه بالطبع القمم الثلاث التي عقدت في الرياض مطلع العام مع الرئيس الصيني ؛ سعودي خليجي عربي ، غابت عنها سوريا ، و لكنها كانت اهم الحاضرين ، إذ لم يكن هناك خلافات جوهرية بين أي نظام عربي و نظام عربي آخر ، سوى النزول عند املاءات أمريكا ضد الأنظمة التي تناهض التطبيع مع إسرائيل ، والتي وصلت ان تقوم أمريكا باحتلال العراق واعدام رئيسه صدام ، وأوروبا باحتلال ليبيا واعدام رئيسها القذافي ، و كاد الامر ينسحب على سوريا بشار الأسد . فهل تنطلي الخدعة الا على صغار العقول من ان الخلاف الإيراني السعودي كان خلافا دينيا شيعيا سنيا ، لقد أثبتت الأيام السوداء في تاريخ هذه الامة ان بالإمكان تجاوز الخلاف الديني بين المسلم واليهودي ، و عقدوا صفقة "ابراهام" مع أربعة دول عربية في غضون أيام على جثة "القدس" أولى قبلة لنبي الإسلام دون ان يرف لهم جفن .
انها صحوة سعودية واضحة و صريحة تدير فيها وجهها هذه المرة عن الغرب الأمريكي الى الشرق الصيني و عن الخلف الماضي الى الامام المستقبلي ، بجهود صادقة مخلصة ، هي جهود الصين التي لم تعترف بها السعودية رغم انها دولة عظمى بدعوى انها شيوعية (وايران بدعوى انها شيعية) الا في التسعينيات ، صاحب ذلك اكتشاف السعودية ان عدوها الحقيقي هي أمريكا ، التي تدعي انها صديقتها المخلصة ، فتكتشف انها صاحبة مصالحها أولا وثانيا وعاشرا ، و كل ما يهمها من امر السعودية نفطها ، ووصل الامر برئيسها الأسبق دونالد ترامب ان يأخذ نصف ترليون دولار نقدا ، لا نفطا ، في يوم واحد دون ان لا ينسى اهانتها واذلالها على الملأ : لولانا فإن المملكة تسقط خلال أيام ، و على الملك ان يدفع لنا ثمن حمايته .