حين تم تفجير خط الغاز الروسي الذي يغذي أوروبا، قيل أن بوتين سيحرق الأرض والسماء، وحين قام باستعراض عينة من الترسانة النووية، اعتقد البعض أن ساعة الحسم اقتربت، وهناك من قرأ الضائقة الاقتصادية التي تعانيها أوروبا بأنها ستضاعف الضغط على أوروبا لتتخذ موقفا أكثر فعالية في الحرب وربما شاركت فيها على أرض المعركة بالفعل.
ولكن في اعتقادي، أن كل ذلك لن يؤدي إلى تغيير قوانين الحرب، ولن يدفع اي من الأطراف إلى التصعيد الذي يتوقعه الكثيرون، والذي قد يدفع الأطراف المتنافسة على قيادة العالم إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات للاتفاق على توزيع مناطق السيادة والنفوذ وطبيعة الدور الذي ستحظى به في العالم الجديد، وربما الاتفاق على الأقطاب الجديدة، لأن كل ما نراه الآن ما هو إلا محاور للتحالفات وليس أقطابا.
الأمور الآن تسير بوتيرة شبه ثابتة، ولن يسرّع في وتيرتها أي حدث قريب على الأرض الأوروبية (حيث تعتبر أوكرانيا.. أوروبية) وكل ما سيطرأ لاحقا ما هو إلا تطور دراماتيكي للأحداث، وربما متوقعا بشكل مسبق من الجميع، أما المفاجأة، أو الوقود الجديد للحرب بتصوري لن يكون من أوروبا، وإنما من الجهة الأخرى من العالم.
الند الاقتصادي الآسيوي سيكون له كلمة في كل ما يجري، الصين ستقول كلمتها في بحر الصين، وربما كان لكوريا كلمة هي الأخرى، الوقود القادم سيكون آسيويا.
وليس بالضرورة أن يكون التطور نوويا، لن يكون استخدام السلاح النووي خيارا، الأسلحة النووية الآن هي قوة للردع والتهديد، وإن استُخدم سيكون في أرض صاحبه، لن يخرج صاروخ نووي دون رصد ومتابعة فورية، ولن ينتظر الخصم وصوله، سيسقط في أرضه بمجرد إطلاقه، ولن تكون الحروب على أراض محايدة، التطور التكنولوجي الحالي في عالم السلاح جعل الفعل ورد الفعل على نفس المستوى من الأهمية والقوة، فلن يكون اللجوء للاستخدام الفعلي للسلاح النووي خيارا سهلا على الإطلاق.
ما تسعى الأطراف التي تطمح لأن تكون أحد الأقطاب في العالم هو الجلوس لطاولة المفاوضات، لم تقُدها الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن لتلك المرحلة، ولن تقودها حسب المعطيات الحالية على الأرض، هي بحاجة لدفعة جديدة، وبحر الصين سيكون طريقها لتلك الطاولة.
لن تكون الطاولة برعاية مجلس الأمن، ولن يكون هناك أي تغيير فيه، الدول الخمس دائمة العضوية لن يمسها شيء طالما أنها تملك حق النقض الفيتو، وإن كان البعض منها كفرنسا والمملكة المتحدة لم تعد كسابق عهدها في قوتها وتأثيرها العالمي، ولكن بقاءها بات أمرا شكليا ولن يؤثر رأيها إن دعمت الولايات المتحدة أو عارضت روسيا أو الصين، فالصين تملك الفيتو في وجه أي قرار يتعارض مع مصالحها، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا، وبالتالي للولايات المتحدة، وستبقى هذه الدول بمعزل عن أي عرقلة أو تصد وفق القانون الدولي لخططها وبرامجها في العالم.
ما يحدث في العالم بأسره كمن يحمل أحجار النرد في يده، يرجها فتضرب بعضها، في انتظار اللحظة التي سيلقي بها على رقعة الطاولة، لتتراقص قليلا قبل أن تثبت على وجه محدد، ولا أحد حقيقة يعلم ذلك الوجه، وإنما ستسلط الأنظار بتوتر وترقب شديدين، وكل يتمنى رقما هو رقم الحظ الخاص به، فأيُهم سيكسب وأيّهم سيصاب بالخيبة؟ من سيمسك بزمام الأمور بعد ثبات أحجار النرد ويبدأ بترتيب أحجار اللعبة؟ ويحسم الأمر.