اطلس: كتب *وائل إبراهيم بعلوشة : وأخيراً.. صدر القرار الرئاسي القاضي بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة بالتتالي، وفق ما تم التوافق عليه من قبل القيادة السياسية، الأمرُ
الذي يعتبر واحداً من أهم أمنيات الشعب الفلسطيني. حبّذا لو تكون هذه الخطوة الأولى لتفكيك الأزمات التي تراكمت على مدار السنوات العجاف السابقة، وحبّذا أيضاً أن تصبح السبب في إعادة الاعتبار للمواطن، الذي ظن أن واقعه المنقسم قد تأبّد.
من المفترض أن يبذل الجميع ما بوسعه لتذليل العقبات، متوجهين نحو إجراء الانتخابات، لكن السؤال الكبير الذي يتبادر لأذهاننا حالياً، يتمثل في: من نختار؟ ومن هي الجهة التي ستضمن لنا كرامة العيش؟ وحياة جيدة؟ وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني؟ وتطبيقاً لمواثيق حقوق الانسان؟ وفساداً أقل؟
بطبيعة الحال، كل البرامج الانتخابية ستأتي على ذكر ما سبق أو أكثر، وباحترافية عالية؛ ولكن، ولأننا أصحاب تجربة سابقة، سنكون في حيرة من أمرنا. وأنا اقصد هنا الغالبية العظمى و"الصامتة" من المواطنين. فمن المؤكد أن هناك أشخاصاً وجماعات قد حسموا أمرهم تماماً لصالح جهات، يعتقدون أنها لبّت ولاتزال تلبّي حاجاتها، وهذا أمر مشروع.
الا أن هناك دور مهم، علينا تأديته كمواطنين، يتمثل في أن نكون على أهبة الاستعداد لكشف حساب عمره 14 عام، نحدد فيه المكاسب والخسائر التي تعرضنا لها كوطن وكمواطنين على مدار ما يزيد عن عقد من الزمان، وأن نقف أمامها طويلاً أملاً بالتغيير الذي نرنو له ونطمح إليه.
يجب أن نملأ جعبتنا بالأسئلة الحقيقية التي لطالما تبادرت لأذهاننا على الدوام، وأن نذهب للبرامج الانتخابية السابقة، للمقارنة بين ما طُرح وما سيُطرَح خلال الأيام المقبلة. يجب أن نسأل وبصدق، ما الذي تحقق مما سبق؟ وما الذي أخفقوا في تحقيقه؟ وما الجديد الذي سُيطرح على مسامعنا، وسيكون قابلاً للتحقيق في الوقت ذاته؟ والأهم من ذلك، هل يتقاطع الخطاب الجديد فعلاً مع تطلعاتنا؟ باختصار: أين سنضع أماناتنا؟، لابد أن تتوفر للمواطنين وللجماعات منصات ومنابر لصياغة مُرادهم. ماذا يريدون بالضبط؟ وماذا سيرفضون؟
لعلها فرصة نادرة الحدوث، فإما أن نغتنمها أو ستكون البدائل قاسية إلى الحد الذي سيجعلنا ندفع الثمن باهظاً هذه المرة. لابد من وضع شروط، وطلب ضمانات واقعية لتحقيقها.
في سياقنا الفلسطيني، قد يعلم الجميع بأن القوى السياسية الكبيرة لديها قدرة على العبور بفعل مناصريها الكُثر، لكن لا يجب أن يكون الأمر مدعاة للإحباط، لأن الغلبة للمواطن (الذي يمثل الأغلبية) والذي من شأنه أن يُرجح فئة على حساب أخرى، وقد يكون سبباً في ظهور قوى جديدة، أو ربما على أقل تقدير، يستطيع الحفاظ على حالة من التوازن بين الجميع.
إذن.. المسألة ليست حكراً على من ينوي الترشح للانتخابات، ليقوم بتحضير برنامجه الانتخابي، ويكثف من لقاءاته مع الحلفاء والمناصرين والناخبين. إنها الفرصة لأن يستعيد الناس، أفراداً وجماعات وأصحاب مصالح، وضع اشتراطاتهم، وأحلامهم، وطموحاتهم، وأن يكونوا جاهزين للقاء المرشحين كافة.
يتطلب السياق من المواطنين -أفراد وجماعات- الإسراع فوراً وأخذ زمام المبادرة. فوفق ما جاء به المرسوم الرئاسي، إن الانتخابات التشريعية ستعقد بتاريخ 22/5/2021، وحسب القانون، ستستمر الدعاية الانتخابية لمدة 21 يوم قبل الاقتراع، ما يعني أنها ستبدأ مطلع أيار/ مايو القادم، وعليه، بإمكاننا البدء فوراً في تقييم ما سبق، وبناءً عليه فقط، يتم تحديد المطلوب والإجهار به والتأكيد عليه، لعلها تكون فرصة لائقة- لمن لديه الرغبة في حمل عبء الأمانة لمدة أربعة أعوام- أن يلتقط، ويفسر ما الذي عليه فعله ليحظى بالإجماع ويمرّ بسلام.
يتطلب الأمر في مجمله فهماً شاملاً لفلسفة الانتخابات، فهي ليست مناسبة احتفالية فحسب، أو فترةٍ زمنيةٍ للتقارب المؤقت بين الحاكم والمحكوم. إنما هي إعادة ترميم للعقد الاجتماعي، وإعادة لتصويب الفهم بين المتعاقدين. هي مساحة جيدة لإخضاع تجربة استمرت لسنوات طويلة للتقييم والتقويم، مرحلة يخرج فيها الصامت عن صمته، ويخضع فيها المسؤول بقوة القانون للمساءلة والمحاسبة. نستطيع القول الآن أن الأمانات قد رُدّت إلى أهلها، ولأن المواطن يمثل الآن شريكاً حقيقياً في الحكم؛ يترتّب عليه أيضاً أن يتحمل نتائج القرارات التي سيتخذها. فالقرار الذي سيتخذه المواطن في أقل من 5 دقائق (وقت الوقوف في كابينة الاقتراع)، قد يجني ثماره، أو يدفع ثمنه لمدة قررها القانون بأربع سنوات، وفرضتها التجربة علينا بأربعة عشر عاماً!
* مدير المكتب الإقليمي لائتلاف أمان في قطاع غزة