اطلس: كتب راسم عبيدات: مع أن موعد إجراء الانتخابات لبلدية دولة الكيان في القدس متبقي لها أكثر من عام وثلاثة شهور، ولكن هناك "جلبة"
وإثارة لضرورة مشاركة المقدسيين في هذه الانتخابات، حيث تعقد لقاءات وتجرى نقاشات وتنظم حلقات نقاش، وتزداد كثافة التغطية في وسائل الإعلام فلسطينية و"إسرائيلية" لهذه القضية المثارة، بما يوحي بأن تلك " الجلبة" وحلقات النقاش والتغطية الإعلامية، ليست مسألة متعلقة بفرد او مجموعة نشطاء، بل هناك قود دفعة خفية تقف خلف ذلك، ولربما تكون جهات فلسطينية من الداخل الفلسطيني- 48- وبعض النافذين في السلطة الفلسطينية وأطراف وجهات عربية ودولية تقف خلف هذه القضية، تحت حجج وذريعة بأن مشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات ستمكنهم من تحقيق مكاسب وحقوق لهم ،فيما يتعلق بحقوقهم المدنية والمطلبية اقتصادية واجتماعية وخدماتية، مقابل ما يجبى منهم من ضرائب، يدفعون ما نسبته 28% من الضرائب التي تجبى من سكان المدينة بشطريها الغربي والشرقي، وبالمقابل لا يتقاضون سوى 6 -8 % من مجموع ما يدفعون، حيث تذهب باقي النسبة المجبية منهم ل"تسمين" المستوطنات" والبؤر الاستيطانية في القرى والبلدات المقدسية أو لشق طرق وشوارع وبناء جسور في الشطر الغربي من المدينة .
في المشاركة وعدمها في انتخابات بلدية "القدس" إنتخاباً وترشيحاً، علينا ان ننطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس، فهل وضع مدينة القدس وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي تعتبرها مدينة محتلة...يجيز لنا من ناحية مبدئية المشاركة في هذه الانتخابات؟ وهل المشاركة تحمل في ثناياها الاعتراف بشرعية الضم والتهويد للمدينة؟
وهل الحديث " المنمق" والتباكي على المطلبي، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعرب المقدسيين وانتزاعها من "أنياب" الغول الصهيوني يتقدم على الجانب الوطني السياسي؟ وهل المشاركة في هذه الانتخابات هي مجرد ديكور يجمل صورة دولة الكيان، كدولة ديمقراطية، ويظهر المدينة بأنها مدينة لكل مواطنيها؟، وما هو مدى وحدود التغيير في الواقعين الاقتصادي المعيشي الحياتي والاجتماعي للمواطنين العرب في المدينة، في حالة فوز مرشح عربي واحد أو قائمة كاملة عربية في تلك الانتخابات؟ ونماذج نتائج مشاركة العديد من الكتل والأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني- 48 – في انتخابات البرلمان" الكنيست" الصهيوني ماثلة أمامنا.
حتى القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس، التي اتكأت عليها ما عرف بحكومة التغيير من أجل منع سقوطها، حكومة بينت – لبيد، قبل أن تنهار، رغم كل التنازلات التي قدمتها من أجل أن تبقى ممثلة في الحكومة، وجدنا أنها هي والقائمة العربية المشتركة لم يكن لهما أي تأثير ملموس في القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، الأمن والاستيطان والسيطرة على الأرض والتعليم حتى أن القائمة العربية الموحدة ذهبت الى حد تأييد قرارات صهيونية تتعارض مع المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني مثل التصويت مع قانون خرق "المواطنة “،بند لم الشمل حيث رفضت شطب هذا البند والغائه، وكذلك رفضت وسم المستوطنين بالعنصرية وأيدت تشديد قرارات وزير أمن دولة الكيان الداخلي بتشديد إجراءات القمع بحق أسرانا الأبطال وتفاخر رئيس القائمة منصور عباس بأنه لم يصافح أسير فلسطيني، وأنه في سبيل السلطة مستعد للبقاء في الحكومة حتى لو شنت حرباً على شعبنا في قطاع غزة.
وبالعودة الى لماذا نرفض كمقدسيين المشاركة في هذه الانتخابات، نبدأ إجابتنا بسوق الحجج والذرائع المستندة للواقع والتي تجعلنا كقوى وفعاليات ومؤسسات وشخصيات مجتمعية ونخب فكرية وثقافية ودينية وغيرها نرفض المشاركة في تلك الانتخابات، انتخابا وترشيحاً منطلقين ومتسلحين برفض تلك المشاركة في هذه الانتخابات، بالموقف التاريخي الفلسطيني القطعي القاضي بعدم المشاركة "ترشيحاً" و"انتخاباً" في الانتخابات الإسرائيلية لبلدية "الكيان" المقدسية، استنادا والتزاماً بالموقف الوطني المحدد بالمبادئ التالية:
أولاً: القدس مدينة محتلة من قبل دولة الكيان المخالفة للقرارات والمبادئ والمفاهيم الدولية والإنسانية.
ثانياً: التأكيد على عدم الاعتراف بشرعية ضم القدس التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967.
حيث ترى القوى السياسية الفلسطينية بكل مكوناتها ومركباتها ومشاربها الفكرية والسياسية، ان المشاركة في تلك الانتخابات تعني اعترافاً سياسياً بضم شرق المدينة المرفوض فلسطينياً وعربياُ ودولياً، وبأن المشاركة في هذه الانتخابات تعني تساوقاً وتأييداً للقرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بضم شرق القدس ونقل السفارة الأمريكية اليها، وهذا القرار اللا قانوني واللا اشرعي مرفوض من قبل كافة المؤسسات الدولية.
وهذا الموقف الفصائلي والمؤسساتي المقدسي، كذلك هو تعبير عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية، التي أكدت على دعمها المطلق للموقف الثابت والصامد التاريخي لأبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته في القدس المحتلة بشأن عدم المشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال.
وكذلك الرفض للمشاركة نابع من عدم منح الشرعية ل"اسرائيل" باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال، وعدم منح الشراكة في فرض وتنفيذ سياسات الاحتلال الاستعمارية العنصرية على المدينة المقدسة. وأيضاً على ضوء الاعتراف الأمريكي الأحادي وغير القانوني بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" فإن المشاركة في الانتخابات ستساهم في مساعدة المؤسسة الإسرائيلية للترويج لمشروع ما يعرف بالقدس الكبرى.
التذرع من قبل البعض بخوض الانتخابات والمشاركة فيها انتخاباً وترشيحا تحت حجج وذرائع تحصيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية للمقدسيين الفلسطينيين المسطي عليها من قبل بلدية الاحتلال ،تعوزه المصداقية، فنحن ندرك تماما أنه بإمكاننا ان نخوض نضالاً مطلبياً ضد بلدية الاحتلال بأكثر من شكل وعبر أكثر من هيئة أو لجنة تشكل لهذا الغرض، دون أن ننجر أو نتساوق مع سياسات الاحتلال وخططه ومشاريعه، الرامية لدفعنا للمشاركة في هذه الانتخابات، وبما يقفز عن الجانب السياسي، الذي يشرعن ضم المدينة والاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال، في وقت تشكل فيه بلدية الاحتلال، أحد أهم أذرع هذه الدولة، في تنفيذ سياسات القمع والتنكيل والتطهير العرقي، بحق السكان العرب المقدسيين عبر سياسات الاستيطان ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم، ولنا في تجربة اخوتنا الداخل الفلسطيني -48- عبرة ومثال، فهم ممن تفرض عليهم الجنسية الإسرائيلية قصراً، ويشارك جزء منهم لا بأس به في الإنتخابات ليس للبلديات والسلطات المحلية، بل للبرلمان " الكنيست الإسرائيلي"، ولكن لا يستطيعون التأثير في القرارات الحكومية الإسرائيلية، ذات البعد الاستراتيجي، قضايا الأمن والاستيطان وهدم المنازل وملكية الأراضي وغيرها.
المؤسسة الصهيونية الحاكمة مشروعها قائم على الاحتلال والإحلال والتهجير القسري لسكان الأرض الأصليين، حيث جرى سن وتشريع قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيوني المستهدف للشعب الفلسطيني بالإقصاء والطرد والتهجير والتغييب، ولذلك نحن في القدس والتي تعتبر مدينة محتلة وفق القانون الدولي، لا يحوز لنا ان نغلب المطلبي على الوطني السياسي، ونختلق الحجج والذرائع لخرق الموقف الوطني والتساوق مع سياسات ومشاريع الإحتلال، ورغم الضجة الإعلامية التي يثيرها البعض فلسطينياً ووسائل اعلام الإحتلال عن استعداد العرب المقدسيين للمشاركة في هذه الإنتخابات، وبان هناك تطور وتغير في موقف المقدسيين منها، فنحن نرى بأن ذلك يندرج في إطار التضخيم والترويج لمواقف الإحتلال، فعلى مدار سنوات الإحتلال الثلاثة وخمسين الماضية وضمه قسراً للمدينة ، لم تزد نسبة مشاركة العرب المقدسيين، في تلك الإنتخابات عن 2 %،وبالنسبة لمن يقومون بترشيح أنفسهم لإنتخابات بلدية الإحتلال من المقدسيين، فهناك جزء منهم جرى اختطاف وعيهم وتصليلهم، ويقع علينا مسؤولية العمل على جعلهم يستعيدون وعيهم ومنطلقاتهم الفكرية والثقافية، وجزء آخر لهم مصالح اقتصادية ومادية ومنافع من المشاركة في هذه الانتخابات، ولكن في كل الحالات على المقدسيين والجهات التمثيلية لهم، العمل على تحصينهم ضد تسلل الأوهام الى عقولهم، بأن المشاركة في تلك الانتخابات، قد تقلب واقعهم الاقتصادي والإجتماعي رأساً على عقب، ففي ظل دولة تسطو على كامل حقوق شعبنا وأرضه، وفي ظل سنها أيضاً لقوانين وتشريعات عنصرية مثل ما يسمى بقانون أساس القومية، وتجريم رفع العلم الفلسطيني، بالتالي يصبح من يشارك او يروج للمشاركة في تلك الانتخابات شريكاً في تشرع ضم وتهويد المدينة وتكريس سيادة المحتل عليها.