اطلس- تبقى المفاوضات خيارا قائما ، ولا يمكن الإستغناء عنه، لأنه خيار دولي،وفي صراع مثل الصراع العربي الإسرائيلي تبقى المفاوضات احد أهم الخيارات المتاحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين،وهذا على الرغم من أن المفاوضات قد وصلت الى طريق مسدود، ولم تحقق الهدف منها بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية .
وعند الحديث عن ان المفاوضات خيار إستراتيجي فلسطيني ليس معنى ذلك تجاهل اهمية وفعالية الخيارات الأخرى ، وخصوصا خيار الشرعية الدولية الذي يدعمه خيار المقاومة الشرعية.وبعد سنوات طويلة من المفاوضات التي لم تفض لنتيجة يمكن البناء عليها ، يعود الحديث مجددا عن ضرورة العودة للمفاوضات ،على الرغم من عدم بروز معطيات تفاوضية جديدة تشجع على إستئناف المفاوضات بإستثناء التحرك الأوروبي المتواضع الذي تقوده فرنسا، بزيارة وزير خارجيتها للمنطقة ، ومحاولة خلق مجموعة أوروبية عربية داعمة للمفاوضات. لا إعتراض على المفاوضات كخيار إستراتيجي ،ولكن الإعتراض هو على جدوى المفاوضات من جديد ومع نفس الحكومة الإسرائيلية التي يرفض رئيسها حتى اللحظة التقيد بقيام دولة فلسطينية واضحة الحدود والسلطات، وبدون وجود مرجعية دولية فاعلة وملزمة.
وحتى التحرك الفرنسي لن يكون بعيدا عن الدور الأمريكي الذي يرفض حتى الآن ان يتخلى عن دور الوصاية الكاملة لأي مفاوضات حماية لإسرائيل. لكن الذي قد يدفع في إتجاه هذه التحركات التحولات الإقليمية والدولية ،التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية وبروز دور لقوى إقليمية جديدة ، وتراجع لأدوار دول مركزية وخصوصا الدور العربي الذي يتعرض لعملية إستهداف داخلية وخارجية غير مسبوقة تنال من مستقبل الدول القائمة ، يبدو ان هذا التحرك يقف ورائه قناعة دولية ان التحولات التي تشهدها المنطقة لن يكتب لها الإكتمال والتبلور دون حل القضية الفلسطينية التي تعتبر مدخلا لنظام إقليمي جديد يقوم على توازنات قوى جديدة لا بد أن إسرائيل من بينها. وهذا التحرك لا ينبغي ان نذهب بعيدا في تفسيره والتفاؤل بشأنه، فهو على أهميته من منظور ان إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن بحل الصراع وقيام الدولة الفلسطينية في إطار زمني محدد قد يكون هو الإنجاز الوحيد الذي يمكن ان نبني عليه جزءا من التفاؤل الفلسطيني والعربي. لكن في الوقت ذاته اي مشروع قرار أممي في مجلس الأمن على غرار القرار رقم 242 والذي ما زال يشكل أساسا لأي تحرك دولي سيتجاوز حدود قيام الدولة الفلسطينية ، وسيأخذ في إعتباره الحاجات الأمنية لإسرائيل، وايضا وضع تصور عام لما يمكن ان تكون عليه صورة المنطقة ، ومع ذلك ترفض إسرائيل هذا التحرك وإن حقق لها ما تريد، لأن ذلك سيشكل منهاجا مغايرا لما تقوم عليه إستراتيجيتها التفاوضية ، فهي لا تؤمن إطلاقا بأي دور للشرعية الدولية من منظور فلسطيني ، فإعطاء هذا الدور سيقلص الدور الأمريكي اولا ، وثانيا سيمنح الفلسطينيين مرجعية دولية ملزمة قد تتطور في المستقبل وتصبح قيدا على إسرائيل، وقد تفرض عليها مزيدا من الضغوطات والتي قد تنتهي بقرار دولي ملزم لإنهاء الإحتلال.
هذا ما تخشاه إسرائيل التي تصر على بقاء المفاوضات في إطار ثنائي محدد لا يلزمها باي شروط، وبرعاية أمريكية تحميها من اي نقد دولي . في هذا السياق ينبغي ان ياتي تقييم مرحلة العودة للمفاوضات اولا تقييم لكل المفاوضات السابقة ، وثانيا التركز على ما تم التوصل إليه من تفاهمات تفاوضية يمكن البناء عليها وثالثا بوجود مرجعية تفاوضية عربية ودولية ، ولها دور مباشر في اي مفاوضات قادمة.
والأهم من ذلك رابعا رؤية تفاوضية فلسطينية واضحة ومحددة في أهداف وآليات متفق عليها فلسطينيا، وبعدم التراجع عن الخيارات الفلسطينية الأخرى التي تشكل قوة دفع لأى مفاوضات, فالطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وصلا لمرحلة من المفاوضات يعرف كل منهما ماذا يريد، فالمطلوب الآن ليس مفاوضات إستكشافية ، بل المطلوب مفاوضات إنجاز او مفاوضات إتمام ـ اي ان المفاوضات القادمة هي مفاوضات بلورة برامج عمل وقرارات مصيرية على مستوى الطرفين ، قرارات تتعلق بالقناعات النهائية التي يؤمن بها كل طرف، وهنا قد تكمن معضلة المفاوضات القادمة ، وإذا ما تم حل هذه العقدة يمكن الشروع في مفاوضات مجدية .
وتبقى أخيرا حقيقة تفاوضية اخيرة ان الطرفين قد يكون من الصعب عليهما إتخاذ مثل هذه قرارات في ظل بنية وعقيدة سياسية تحكم كل طرف او ما يعرف بالتصلب الأيدولوجي الذي يعتبر اهم معيقات أي تسوية تفاوضية ، من هنا تنبع اهمية الدور العربي والدولي الضاغط في إتجاه مفاوضات متوازنة تحقق الحد الأدنى من المطالب لكل طرف، واخيرا فان اي تسوية تفاوضية ستدفع نتائجها وتداعياتها او ثمنها الأطراف الأخرى فهل الدول العربية والدولية مستعدة لمثل هكذا دور قبل التفكير في صياغة مشروع قرار في مجلس الأمن؟!