اطلس- ما حدث في المسجد الأقصى يوم الجمعة أول من أمس يثير الكثير من التساؤلات بشأن من يقف وراءه وما إذا كان من يقف وراءه يدرك معنى وأبعاد ومضاعفات ما حدث ، ولماذا وهل هناك أي سبب أو مبرر لأن يحدث.
وما حدث في المسجد الأقصى قبل يومين لم يكن الحدث الأول من نوعه فقد سبق أن تعرض لموقف مشابه قيادي فتحاوي عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح ، ووزير من الشخصيات السياسية البارزة في السلطة الفلسطينية. وهذا يعني أن هناك جماعة تتقصد القيام بما قامت به من حين إلى آخر ، وأن هذه الجماعة إما أن تكون منا ولكنها تعمل من خلال إحباط وانفعال يُضر ولا ينفع ، وإما أن تكون مدسوسة علينا ولا بد من كشفها وتعريتها وفضحها .
لقد قيل في وسائل التواصل الإجتماعي أن الذين قاموا بأعمال الشغب بالأقصى هم من نشيطي حزب التحرير الإسلامي ثم قيل بعد ذلك أن الحزب نفى علاقته بهم وقال بأنهم من المندسين الذين اندسوا بين المصلين وقاموا بما قاموا به.
وفي البداية أقول بأن المساجد لله ، وأن أحدا ً أيا كان ، لا يملك حق منع الناس من الوصول والدخول إلى المساجد ، وقد مارسنا هذا الإحتجاج ضد قوات الإحتلال ورجال أمنه الذين منعوا المصلين من الوصول للمسجد الأقصى وحاولوا فرض فئات عمرية للتحكم في عدد المصلين الذين يصلون للأقصى. وقد نجحوا ولفترة طويلة نسبيا في الحد من وصول الناس للصلاة في المسجد الأقصى ، وكان ذلك في سياق الخطط الرامية إلى تنفير المصلين وإرهابهم والعمل مع الوقت لتقليل وتقنين الدخول للأقصى تمهيدا لفرض واقع جديد تتبلور من خلاله حقائق جديدة أبرزها تطبيع دخول اليهود الى الأقصى وصلاتهم فيه.
ولا بد في هذا الصدد من التأكيد بأن الموقف الحازم للملك الأردني عبد الله الثاني إزاء هذا الموضوع والضغوطات الدولية التي مارس من خلالها الضغط على إسرائيل وبالتعاون مع الرئيس محمود عباس هو الذي حسم الأمر وفرض على السلطات الإسرائيلية التوقف عن تلك الممارسة وها نحن نشهد اليوم تدفق المصلين بكل فئاتهم العمرية للمسجد الأقصى الذي يتعرض لأبشع المؤامرات والذي هو بأمس الحاجة لتكثيف تواجد المسلمين فيه. فهل يُعقل أن يُكافأ الأردن ملكا وحكومة وشعبا ورموزه السياسية بمثل المعاملة التي وقعت أمس الأول !!؟
للمسجد الأقصى حرمته ، وللصلاة قدسيتها ولا يمكن لمسلم واع ومتفهم لدينه ومحترم لمقدساته أن يقبل ما حدث بالأمس الأول سواء التشويش وتهديد أمن وسلامة الزائر الضيف ، أو عرقلة ومنع الخطبة وإقامة الصلاة في المسجد .
وإذا كان حزب التحرير قد نفى أن يكون من قاموا بهذا العمل من أتباعه ، فإن الواجب يقتضي أن يتم الكشف عن حقيقة من قاموا بتلك الأعمال وبأسرع وقت ممكن منعا لاستمرار تكرار هذه الحوادث المشينة التي تعرض أمن وسلامة الأقصى للخطر وتعزز الأطماع اليهودية فيه لأنه إذا لم نكن نحن نحترمه ونقدسه فكيف يمكن أن نتوقع ذلك من الآخرين !.
لقد قيل بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين أن المخابرات الإسرائيلية " الشاباك " كانت ترسل عملاءها إلى مظاهرات اليمين المتطرف لتُلهب مشاعر المتظاهرين وتجرهم إلى ممارسة أعمال شغب متطرفة بحجة الكشف عن نشطائهم، وقد اشتهر أحد هؤلاء بعد أن اعتقلته الشرطة لعدم معرفتها بأنه تابع للشاباك واضطرت لإطلاق سراحه ، وقيل آنذاك أن هذا العميل الذي مارس التحريض السافر ضد رابين كان يعمل تحت اسم سري " شمبانيا " وهو الاسم الذي أطلقه عليه قادته في الشاباك. ونحن نعرف أيضا ومن خلال الاحداث المتتالية أن من وسائل المخابرات الإسرائيلية الأخرى إرسال أفراد متنكرين كعرب وهم من يُعرفون باسم " المستعربين " للمشاركة في الإحتجاجات العربية والوصول إلى أنشط عناصرها والانقضاض عليهم واعتقالهم في اللحظة المناسبة.
وخلاصة القول هي أنه طالما لا توجد جهة تتبنى الأفراد الذين يقومون بالتشويش على الشخصيات التي تصل للأقصى ، فإنه لا بد من تمحيص الأمر والتحقق من هوياتهم وانتماءاتهم وحقيقتهم.
لقد ظل الأردن يبسط حمايته على المسجد الأقصى منذ السنوات الأولى للإحتلال وما زال ، وأصر على وجود بند في اتفاقية السلام التي وقعها مع إسرائيل على أن تكون له الأولوية في الولاية والحماية للمسجد الأقصى. وليس سرا أن السلطة الفلسطينية ممنوعة حسب اتفاق أوسلو من ممارسة أي نشاط بالقدس ، وأنه وبعد أن تزايدت الأخطار المحيطة بالمسجد الأقصى في السنوات الأخيرة قام الرئيس عباس بإسناد هذه المهمة رسميا للعاهل الأردني ومن خلال اتفاق رسمي بين الجانبين.
إن عدم تواجد السلطة الفلسطينية في المسجد الأقصى بحكم قيود اتفاق أوسلو ، والتشويش على التواجد الأردني يعني أمرا واحدا وهو ترك فراغ كبير لا يملأه أحد سوى إسرائيل التي تملك قوة الإحتلال وأطماعه ، وعلى كل حريص على المسجد الأقصى أن يعي أهمية العمل تحت المظلة الأردنية وأن يعمل من خلالها لا أن يعمد إلى تخريب هذه المظلة وتقديم المسجد الأقصى لقمة سائغة للأطماع الإسرائيلية وخاصة في هذه الفترة حيث نرى مدّا وطوفانا ً يمينيا عنصريا متطرفا ً يكشف عن أنيابه ويهدد بتكريس الإحتلال والإستيطان والإستيلاء على المسجد الأقصى.
ما حدث قبل شهور مع وزير في السلطة الفلسطينية وقبل ذلك مع القيادي الفتحاوي وما حدث أمس الأول ، هو مؤشر خطير جدا لا بد من التصدي له وإيقافه عند حده.
صحيح أن هناك حالة من الإحباط والقلق بين الناس نتيجة سوء الأوضاع في القدس وشعور المقدسيين بأن الكل قد تخلوا عنهم وتركوهم كالأيتام على مأدبة اللئام ، ولكن هذا لا يعني أن نعكس إحباطاتنا على بعضنا بعضا وأن نعض اليد التي تمتد إلينا للمساعدة بما تقدر عليه.
معركة الأقصى والقدس هي معركة مقاومة ، وهي معركة دعم مادي يساعد الناس على الصمود والبقاء ضد محاولات اقتلاعهم وترحيلهم من المدينة ، وهي معركة دبلوماسية وسياسية يجب أن نحشد لها أكبر قدر ممكن من الدعم والإسناد السياسي الإسلامي والعربي والدولي ، وما حدث بالأمس الأول ينسف الجهود لحشد ذلك الدعم والإسناد ويُسقط القدس والأقصى فريسة للإحتلال.
إننا نرفض ما حدث بالأمس الأول ونحذر من تكراره ، والتعامل مع زوار الأقصى لا يجوز أن يكون على أساس شخصنة الأمور وإنما من خلال فهم أن الأقصى أسير ، وأننا نريد فك أسره وإخراجه من زنزانة عزله. وأن إطلاع المسلمين في شتى بقاع العالم على حقيقة ما يجري فيه هو أمر من الأهمية القصوى ، ولكن ما حدث أمس الأول هو عكس ذلك تماماً.