اطلس- صدرت خلال الاسبوع الماضي تصريحات عدة عن قادة عرب ودبلوماسيين اجانب ذوي منزلة رفيعة , تؤكد كلها ان الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هي رؤية حل الدولتين , فقد أكد الرئيس محمود عباس لنظيره الروسي الرئيس فلاديمير بوتين , خلال اجتماعهما يوم الاثنين الماضي في العاصمة الروسية موسكو انه بحث مع بوتين سبل حل الصراع العربي – الاسرائيلي , والدور الروسي الداعم لآيجاد حل دائم وشامل لهذا الصراع وفق رؤية حل الدولتين : دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل .
اكد الرئيس عباس ان القضية الأكثر الحاحا اليوم بالنسبة لفلسطين هي : استمرار النشاط الاستيطاني الاسرائيلي , ومن ناحية فان الرئيس بوتين شدد على ان الوضع في المنطقة ازداد تعقيدا في الاونة الاخيرة , وقال انه ناقش مع الرئيس عباس اوضاع المنطقة بصورة عامة , والمسار الفلسطيني – الاسرائيلي بصورة خاصة .
ولا شك في ان زيارة الرئيس عباس لموسكو تكتسب اهمية خاصة , اذ ان روسيا عضو في اللجنة الرباعية المكلفة ببحث سبل تحقيق السلام في الشرق الاوسط وانهاء الصراع العربي – الاسرائيلي , كما انها احدى الدول الاعضاء الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن , ولها وزن كبير في الساحة الدولية , وقد عادت بقوة الى المسرح الدولي , من خلال القيادة القوية للرئيس بوتين , حيث استطاع خلال فترة وجيزة اعادة الدولة الروسية الى مسرح الاحداث العالمية , حيث اصبحت من اكبر الدول المؤثرة في الاحداث العالمية الى جانب الولايات المتحدة الاميركية , وقد تجلى وزن روسيا مؤخرا في الازمة السورية حيث استطاع الرئيس بوتين ثني الرئيس الاميركي باراك اوباما عن توجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس السوري بشار الاسد , في اللحظات الاخيرة , كما ان الدور الروسي الكبير تجلى في الازمة الاوكرانية , ومؤخرا ظهر هذا الدور في الازمة اليمنية , حيث تشدد روسيا في مجلس الامن على الدور السياسي في حل هذه الازمة , وتدعو الى الحوار بين الاطراف اليمنية , وتحذر من التصعيد العسكري الذي قد يجر منطقة الخليج باكملها ومن ثم الشرق الاوسط الى صراع كبير لا يعرف احد نتائجه الخطيرة.
ومعلوم ان روسيا صديقة قديمة للدول العربية ومؤيدة للقضايا العربية , وفي مقدمتها القضية الفلسطينية , وكانت موسكو في عهد الاتحاد السوفيتي فتحت ابوابها للرئيس الراحل ياسر عرفات , حيث اصطحبه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في زيارته الى العاصمة السوفيتية في عام 1968 , وكانت تلك الزيارة فاتحة عهد جديد وقوي في العلاقات السوفيتية – الفلسطينية ,حيث قدمت موسكو الدعم المادي والسياسي للقضية الفلسطينية , حيث اعترفت موسكو بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .
وعندما تولى الرئيس ابومازن رئاسة السلطة الفلسطينية في الحادي عشر من تشرين الثاني من عام 2004 عقب رحيل زميل نضاله الرئيس عرفات , فان العلاقات الفلسطينية والروسية ازدادت قوة ومتانة , حيث انه له علاقة وثيقة بالاتحاد السوفيتي , اذ انه نال في عام 1982 شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من " جامعة صداقة الشعوب السوفيتية في موسكو – معهد الدراسات الشرقية – الاستشراق . وكانت روسيا اعترفت بدولة فلسطين في عام 1989 , ومنذ ذلك العام فان سفارة فلسطين في موسكو تعامل كسفارة دولة , كبقية السفارات الاخرى في العاصمة الروسية . كما ان روسيا صوتت مؤخرا في مجلس الامن لصالح قرار يعترف بدولة فلسطين , وان كان ذلك القرار لم يتم تبنيه جراء الضغوط الاميركية القاسية .
من ذلك كله يتبين ان روسيا تستطيع لعب دور كبير في تحقيق السلام في الشرق الاوسط , من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية , وكذلك من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الامن , ومن خلال عودتها الى الساحة الدولية باعتبارها احدى القوتين العظيمتين في العالم مع الولايات المتحدة , ومن هنا جاءت زيارة الرئيس عباس الاسبوع الماضي لموسكو , كما ان روسيا تقدم مساعدات مادية للسلطة الفلسطينية , فالزيارة ستقدم مزيدا من الدعم للقضية الفلسطينية , ولا شك ان روسيا – بوتين ستحاول المساعدة في تحقيق رؤية حل الدولتين على ارض الواقع , باعتباره الحل المتفق عليه فلسطينيا وعربيا ودوليا .
اما التصريح الثاني حول رؤية الدولتين فقد صدر عن العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني , وذلك خلال لقائه يوم الاحد الماضي رئيس واعضاء كتلة المبادرة النيابية الاردنية , حيث تحدث في اللقاء عن عدة قضايا داخلية اردنية , وكذلك الاوضاع الصعبة التي تعيشها حاليا منطقة الشرق الاوسط , واكد جلالته في اللقاء , ان حل الدولتين هو الحل الوحيد للقضية الفلسطينية , وانه لا بديل عنه واعرب عن امله في ان يبادر المجتمع الدولي الى تحرك مكثف ؟ من اجل اعادة احياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي , خاصة في اعقاب الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية , وما افرزته تلك الانتخابات من نتائج .
ومعلوم ان للاردن دورا رئيسيا في عملية السلام في المنطقة , كما ان للعاهل الاردني وزنا كبيرا بين قادة العالم , وله كلمته المسموعة في دوائر القرار في الدول الكبرى وخاصة لدى الادارة الاميركية , التي هي الحليف الاستراتيجي الوحيد لاسرائيل في العالم .
ولأن الاردن تحده حدود طويلة مع الضفة الغربية , التي كانت قبل حرب الخامس من حزيران عام 1967 جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية , فهو من اكثر الدول حرصا على تحقيق السلام العربي – الاسرائيلي , كما ان هناك تنسيقا كاملا بين القيادتين الفلسطينية والاردنية , فالرئيس عباس يحرص باستمرار على لقاء العاهل الاردني ويضعه في اخر تطورات الاوضاع الفلسطينية , خاصة ما يتعلق بالقدس ومقدساتها , باعتبار العاهل الاردني الوصي على تلك المقدسات , من خلال الاتفاقية الموقعة بين القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية . والاردن هو الداعم الاول للقضية االفلسطينية , وهو الرئة التي يتنفس منها الشعب الفلسطيني , ذلك ان الشعبين الشقيقين هما توأمان تربطهما روابط وثيقة عميقة , خاصة روابط المصاهرة بين الكثير من العائلات الاردنية والفلسطينية.
والعاهل الاردني يحمل القضية الفلسطينية اينما ارتحل , وهو يناقشها دائما مع قادة الدول العربية والغربية الذين يلتقيهم باستمرار , ويعتبر هذه القضية قضيته الاولى باعتباره سليل الدوحة الهاشمية , التي تعتبر القدس ومقدساتها امانة في اعناقها يتناقلها الاحفاد عن الاجداد , ولا شك ان جلالته سيسعى لاعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية والاسرائيلية , ولكن وفق التصورات الفلسطينية , التي اعلنها الرئيس عباس مرارا , وهي ان يكون جدولا محددا ومرتبطة بسقف زمني , مع التأكيد على اهمية وقف الاستيطان , والا تكون مفاوضات عبثية يستغلها الجانب الاسرائيلي , كما فعل في الاعوام السابقة للاستمرار في سياسة فرض الامر الواقع وتوسيع الاستيطان .
واما التصريح الثالث الخاص برواية حل الدولتين , فقد صدر عن رئيس الدبلوماسية الفرنسية , وزير الخارجية لوران فابيوس , يوم الاحد الماضي خلال مؤتمر صحفي في العاصمة السعودية الرياض مع نظيره السعودي الامير سعود الفيصل حيث قال في المؤتمر : ان حل الدولتين هو الحل الوحيد , الذي من شأنه تلبية تطلعات الجانبين : الفلسطيني والاسرائيلي , حيث اكد ان للفلسطينيين الحق في دولة ديمقراطية وقابلة للحياة وذات سيادة , تعيش بسلام الى جانب اسرائيل , ولكنه شدد على ان حل الدولتين مهدد حاليا جراء توسع الاستيطان الاسرائيلي , وانعدام الافق السياسي .
وكشف الامير سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي المشترك ان نظيره الفرنسي فابيوس طرح على المسؤولين السعوديين خلال زيارة الوزير الفرنسي للرياض افكارا لتحريك عملية السلام . واعرب الوزير السعودي عن امله في قيام دولة فلسطينية مستقلة , وفق مبادئ الشرعية الدولية , ولكنه لم يكشف عن طبيعة الافكار التي عرضها نظيرة الفرنسي لتحريك عملية السلام .
ولا شك ان لفرنسا دورا مهما في منطقة الشرق الاوسط , حيث تحتفظ , كما قال الوزير فابيوس , بعلاقات طيبة مع الجانبين العربي والاسرائيلي , كما انها عضو في اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بتحقيق السلام في الشرق الاوسط , اضافة الى عضويتها الدائمة في مجلس الامن الدولي , وهي اضافة الى كل ذلك عضو فاعل في الاتحاد الاوروبي , الذي يعتبر الداعم المالي الاكبر لميزانية السلطة الفلسطينية , كما انه يمثل المركز التجاري الاول في التعامل الاقتصادي مع الدولة العبرية .
واما التصريح الاخير فقد صدر عن السكرتير العام للامم المتحدة بان كي مون , حيث اعلن في مؤتمر صحفي مشترك , يوم الاحد الماضي , مع رئيس وزراء قطر الشيخ عبد الله بن ناصر أل ثاني , على هامش مؤتمر الامم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة , والذي انعقد الاسبوع الماضي في العاصمة القطرية الدوحة , اعلن بان كي مون انه ليس هناك من حل اخر للصراع العربي – الاسرائيلي سوى اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا وديمقراطيا , تعيش جنبا الى جنب في سلام وأمن مع اسرائيل , واعرب في المؤتمر الصحفي عن قلقه من عدم وجود افق سياسي , الى جانب الوضع الراهن , ما يدعو الى التشكيك في افاق استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي .
ولا جدال في ان تصريحات اكبر مسؤول دولي بان كي مون حول الحل الوحيد للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي , المتمثل بدولة فلسطينية ديمقراطية متواصلة جغرافيا قابلة للحياة , انما تعكس الاجماع الدولي على انه لا حل دون تطبيق رؤية حل الدولتين على ارض الواقع , وان شعوب هذه المنطقة لن تذوق طعم السلام والامن دون تطبيق هذه الرؤية .
ولكن الامر المؤسف ان الحكومة الاسرائيلية القادمة , ستكون اكثر الحكومات تشددا في تاريخ اسرائيل , خاصة وان سبب فوز الليكود ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في الانتخابات الاخيرة هو اعلانه قبيل الانتخابات تنصله من اعلانه سابقا قبول حل الدولتين .
ولكن رغم كل ذلك فان الفلسطينيين قيادة وشعبا سيظلون يسعون الى تحقيق استقلالهم واقامة دولتهم المستقلة متسلحين بالشرعية الدولية وبدعم الاشقاء العرب وبدعم دول العالم كافة , والله الموفق .