اطلس- بعد بضعة اعوام من التأرجح ببن محاولات التوصل الی توافق وطني بشأن إعادة ترتيب البيت اليمني والحفاظ علی وحدة اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي والتأسيس لحكم ديمقراطي بعد سنوات طويلة من الحكم الفردي المتسلط من جهة ، ومحاولات التصعيد والاقتتال الداخلي
من جهة اخری ، رجحت كفة التصعيديين وامتد نفوذ الحوثيين ليسيطر علی العاصمة صنعاء ومن ثم يلاحق الرئيس الشرعي الذي فر من صنعاء ولجأ الی عدن في محاولة من الحوثيين للسيطرة علی عدن ايضا وبسط سيطرتهم الكاملة علی اليمن بشطريه.
ولا بد قبل الاسهاب في الشرح من القول بأن القوة الحقيقية التي ظلت تدفع بالامور نحو التصعيد هي الرئيس المعزول علي عبد الله صالح واتباعه والذي تحالف مع الحوثيين واتخذهم غطاء لحملته من اجل افشال الثورة والعودة الی الحكم بالرغم من فشله الذريع في الحفاظ علی وحدة شطري اليمن وفي بناء حكم رشيد يؤسس لحياة افضل. فقد عمل علي عبد الله صالح بعد الاطاحة به علی حشد الأعوان والمؤيدين بفضل انتمائه القبلي واستخدام بعض المال الذي جمعه بمليارات الدولارات اثناء وجوده في الحكم لشراء الذمم في مجتمع فقير شبه معدم.
ومع ان علي عبد الله صالح هو الرجل الذي يقف وراء الستار يحرك الدمی علی المسرح كما يشاء ، الا ان خطر امكانية انقلاب الحوثيين الشيعة عليه فيما بعد ، وانفرادهم في الحكم قد شكل كابوسا لدول الجوار وخاصة المملكة العرببة السعودية التي هي علی قناعة تامة بأن الحوثيين ليسوا سوی خط جبهة متقدم للجمهورية الإيرانية التي اثبتت منذ بداية القرن قدرتها علی المناورة والمراوغة وتطلعاتها نحو الهيمنة الاقليمية لإقامة الامبراطورية الفارسية ونجاحها في الإمساك بعدد من الاوراق الإقليمية للعب بها من اجل تعزيز دورها الإقليمي وجعلها معادلة صعبة في المنطقة وعنوانا تسعی اليه امريكا وبعض الدول الاوروببة للاستعانة به في قضاء مصالحها وإعادة ترتيب اوراقها في منطقة الشرق الاوسط الملتهبة. ومن ابرز هذه الاوراق سوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين باليمن وشيعة البحرين.
ولا بد من الإقرار بأن هناك اساسا لمخاوف دول الجوار من اتساع نفوذ ايران بالمنطقة والخطر الذي تمثله اطماعها التوسعية ليس فقط في الجغرافيا بعد احتلالها الجزر الثلاث في الخليج العربي الذي تصر علی تسميته بالخليج الفارسي ، وانما في محاولاتها التدخل في الشأن السياسي والدخول الی الجزيرة العربية عن طريق البحرين فيما مضی ومحاولة استكماله اليوم عن طريق اليمن لوضع الجزيرة العربية بين فكي كماشة : العراق من الشمال واليمن من الجنوب والبحرين في الخاصرة لتدخل الی الجزيرة وتطيح بعدوها " اللدود " المملكة العرببة السعودية حاضنة الكعبة وكونها الواجهة والعنوان للمسلمين السنة.
ولا شك بأن المبادرة التي تقودها المملكة العربية السعودية بشن حرب لضرب الحوثيين ومنعهم من السيطرة علی اليمن ليست من وجهة النظر السعودية سوی حرب دفاع عن النفس تماما كالحرب التي تشارك بها بعض دول الجوار لسوريا ضد الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام لاعتقادها بأنه اذا رسخت هذه الدولة اقدامها فإن " فتوحاتها " لن تقف عتد حد وستطال كل الانظمة المحيطة بها.
ومع وجاهة كل الحجج التي تؤيد او تعارض التدخل في اليمن الا ان السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو ماذا ستفعل ايران في مواجهة التدخل العسكري السعودي العربي لإفشال مخططها للسيطرة علی اليمن وهل ستدخل المنطقة في اتون حرب شاملة تؤجج لهيب الصراع الذي يجري علی طول العالم العربي وعرضه.
ولا شك بأن الايام القلية القادمة ستثبت عما اذا كانت التهديدات الايرانية بالتدخل ليست سوی ضريبة كلامية ام انها ستترجم الاقوال الی افعال لا سيما وأن ايران في موقف صعب جدا يحتم عليها ان تفعل اي شيء للحفاظ علی هيبتها الاقليمية وحماية انصارها وقلاعها المتقدمة وضمان عدم انهيار احلامها وتطلعاتها في المنطقة.
ويبقی السؤال الحائر من الذي يحرك الاحداث ويدفع بها في هذا الاتجاه ولمصلحة من؟
وقد يكون ابسط جواب علی هذا التساؤل هو الاخذ بنظرية المؤامرة والإدعاء بأن امريكا واسرائيل هي التي تمسك بكل الخيوط وهي التي تسعی الی تفتيت العالم العربي بشكل فسيفسائي لتعيد ترتيبه على هواها وبما يخدم مصالحها اي تنفيذ مخطط سايكس - ببكو جديد او بلقنة كما كان يردد ويحذر الرئيس الراحل ياسر عرفات وكأنه يعيش اليوم بيننا.
ومع ان هذا الادعاء لا يخلو من الوجاهة ، إلا ان الحقيقة تقول ايضا بأن هيمنة الانظمة الفاسدة علی شعوب الامة العرببة وانعدام الديمقراطية وبث روح الاستسلام والاحباط واليأس بين شعوبها قد خلق هوة عميقة بين الشعوب والحكام وجعل الشعوب ، كما شاهدنا في العراق ، تقف موقف المتفرج ازاء الاحداث التي تجري والتي ستحسم في نهاية الامر مصير تلك الشعوب ولأجيال قادمة ، مما جعل هذه الشعوب نهبا لحكامها من جهة ولكل الطامعين الخوارج من جهة اخری.
ومما يدعو للقلق هو ان حالة التشرذم والاقتتال الداخلي التي هي من ابرز معالم المرحلة تواكبها حالة من التكالب والغطرسة والتسلط من جهة اعداء الامة العربية وفي مقدمتهم إسرائيل التي قرأت الخارطة جيدا وأدركت بأن العرب سيبقون ولعشرات السنين القادمة يلعقون جراحهم ويدمرون قواهم وإمكانياتهم الذاتية بأيديهم ، وان هذا العهد هو الافضل علی الاطلاق لتحقيق الحلم الاسرائيلي بإقامة الدولة اليهودية من النيل الی الفرات وإعادة بناء الهيكل علی انقاض المسجد الاقصی.
ولعل هذه الحقيقة المرة هي التي تجعل البعض منا نحن الفلسطينيون ضحية الاحتلال والاستيطان يقفون موقف المنتقد الرافض للتدخل العسكري في سوريا واليمن والتساؤل لماذا لا يهب العرب لنجدة فلسطين وتحرير القدس والاقصی طالما ان عندهم مثل هذه القوة !
الامة العربية اليوم مثخنة بالجراح تتهافت عليها الأمم كما يتهافت الذباب علی قصعة الطعام ، وهي تقف علی مفترق طرق فإما ان تنهض من كبوتها وتنبعث كطائر الفينيق من تحت الرماد او ان تستسلم لجلاديها وتختار الاندثار والزوال.
ويبقی السؤال الحائر وهو ما اذا كانت هذه هي مشيئة الله في آخر الزمان كما تقول النبوءات وأنها بداية هدم كل معاقل الفساد وإعادة بناء جديدة ينبلج عنها فجر إنساني جديد.