اطلس- تمر الذكرى الستون لولادة جامعة الدول العربية وسط أجواء مأساوية قلّ أن شهدت المنطقة نظيراً لها في تاريخها الحديث . وحيث إن الجامعة هي مرآة لأحوال المنطقة، فإنه من المفروض أن تكون هي أيضاً تعاني حالاً مأساوياً
وحتى وقت قريب، كانت مناخات العمل المحيطة بالجامعة قاتمة إلى درجة أن أمينها العام، الدكتور نبيل العربي كان يفكر جدياً في الاستقالة من منصبه، كما يقول متابعون عن كثب لأوضاع الأمانة العامة . ولكن هذا المناخ تغير بصورة ملحوظة، بحيث إن الجامعة باتت تتهيأ لاستقبال عيد ميلادها الستين وسط أجواء التفاؤل والنشاط والآمال الواسعة .
يرجع الفضل في هذا الانقلاب إلى المشروع المصري حول تشكيل قوات عربية مشتركة . إن هذا المشروع قد يكون أفضل هدية يقدمها مسؤول عربي إلى الجامعة في ذكرى ميلادها . إنه ينقلها من حال "الموت السريري"، كما وصفه أحد المعلقين، إلى حال الفاعل الإقليمي القادر على المساهمة -ولو المتواضعة - في " . . . صيانة استقلال البلاد العربية وسيادتها من كل اعتداء"، كما حدد ميثاق الجامعة الأهداف المتوخاة من تأسيسها . ولكن هل ينجح المشروع؟ هل تتمكن مصر من إقناع الدول العربية الأخرى بتبنيه؟ إن نجاح المشروع مرهون بحجم وأهمية مسوغاته وفي مقدمتها ما يلي:
الأخطار التي يمثلها الإرهاب المنتشر في المنطقة العربية ومنها إلى مناطق أخرى في العالم . وما يميز هذه الأخطار أنها وحدت العالم وقواه الكبرى كلها ضد هدف واحد، هو الرغبة في التخلص منها . فلا ريب في أن دول الأطلسي ودول منظمة شنغهاي ودول مجموعة الستين، أي ما تبقى من حركة عدم الانحياز والدول النامية، كلها تجمع على مناهضة هذه الأخطار، وترغب في الخلاص منها، ولكنها لا تنخرط في تحالف واحد، ولا تتبنى استراتيجية واحدة للقضاء على هذه الأخطار . هذا الواقع يوفر خلفية دولية مناسبة لتحقيق المبادرة المصرية ولتقديم الدعم لها .
إن القوى الكبرى التي تتحمل مسؤولية الأمن العالمي، وترغب في التخلص من الإرهاب الدولي، تبدو عاجزة عن تعبئة الإمكانات الضرورية لتحقيق هذه الغاية . ويظهر هذا العجز بصورة خاصة في قصورها عن الزج بقوات برية كافية ضد المنظمات الإرهابية . وفيما تبتعد القوى عن هذا المسار خوفاً من مضاعفاته السياسية في الداخل، فإنها تحاول التعويض عن هذا النقص بتكثيف استخدامها لسلاح الطيران في محاربة المنظمات الإرهابية . وباستثناء الحرب في كوسوفو ولأسباب استثنائية، فإن القصف الجوي لم ينجح، كما جاء في صحيفة "الانديبندنت" البريطانية (3-3-2015)، في القضاء على قوى الإرهاب الدولي . وهكذا وخلافاً للنظريات النيو- ليبرالية التي كانت تقول "بترشيق" القوات المسلحة خاصة البرية، وتخفيض عديدها، وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة مع التقليل من الاعتماد على العنصر البشري في الحروب، فإن النظرة الغالبة اليوم، هي أن حجم القوات، خاصة البرية منها، هو عنصر مهم من عناصر الحرب ضد الإرهاب .
من هذه الناحية فإن تكوين القوات العربية المشتركة واضطلاع الجيش المصري بدور رئيسي فيها يوفران الحجم الملائم للقوات التي تدخل الصراع ضد الإرهاب الدولي . فالجيش المصري هو الأكبر في المنطقة العربية وإفريقيا ومن أكبر الجيوش في العالم . إن عدد المجندين المصريين يصل إلى نصف مليون، إضافة إلى نصف مليون أيضاً من الاحتياط . وهو يملك ما لا يقل عن 5 آلاف دبابة و1100 طائرة حربية . وخاض الجيش المصري عدداً كبيراً من الحروب وتمرس في مهمات خارج الأراضي المصرية، ما يجعله مهيئاً للاضطلاع بدور رئيسي في تكوين القوات العربية المشتركة .
إن انتماء هذه القوات إلى الإقليم نفسه الذي تنتمي إليه الجماعات الإرهابية يلعب دوراً مهماً في الحرب ضد هذه الجماعات . فهذه القوات تبقى أكثر دراية ومعرفة بحال البلاد التي تتحرك فيها، وأقرب إلى شعوب المنطقة وأكثر قدرة على العمل بينها ومعها من الجيوش التي تأتي مما وراء البحار . وهكذا فإن الدول التي عولت على القوى الكبرى، أو على الولايات المتحدة، لتخليصها من الإرهاب الدولي أدركت بعد سنوات أنها اختارت الطريق الخاطئ من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة الكبرى، في حين أن بلداً مثل الجزائر سلك طريقاً مغايراً عندما حارب الإرهاب اعتماداً على إمكاناته الذاتية بالدرجة الأولى، تمكن من القضاء على المنظمات الإرهابية، وعلى إعادة الحياة السياسية إلى حلبة التنافس بين الأحزاب والجماعات غير المسلحة .
وفي السنوات الأخيرة، وإدراكاً لأهمية القوات الإقليمية في محاربة المنظمات الإرهابية والجماعات المنخرطة في الجريمة المنظمة، فلقد ازداد التعاون بين المنظمات الدولية وعلى وجه التحديد هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، خاصة في القارة الإفريقية، في هذا المضمار . ومن المؤكد أن تشكيل القوات العربية المشتركة سوف يساعد على إعادة الاستقرار إلى ليبيا وإلى غيرها من المناطق والدول التي تعاني الانهيار الأمني الخطر .
إن هذه المزايا لا تعني أن الطريق إلى تشكيل القوات العربية المشتركة سهل، فهناك الكثير من الصعوبات التي يمكن أن تعترض هذه المبادرة، والعديد من هذه الصعوبات سوف يأتي من الخارج ومن إسرائيل بصورة خاصة التي تخشى من إحياء فكرة التعاون العسكري العربي، ومن عودة مصر وبقوة إلى الساحة العربية . كما أن بعض الدول الكبرى لا ترحب بأن تحل الدول العربية مشكلات المنطقة اعتماداً على قدراتها الذاتية، لأن هذا النهج سوف يعزز استقلاليتها في العلاقات الدولية ويحررها من الضغوط الخارجية . فضلاً عن هذا وذاك، فإن هناك أيضاً بعض المشكلات التي يمكن أن تعترض مشروع القوات العربية المشتركة بسبب قضايا عالقة بين الدول العربية نفسها . لهذه الأسباب فإنه من الضروري أن تكثف الدول التي تؤيد المشروع، ومعها جامعة الدول العربية التي دعت إلى إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك الجهود المشتركة لإزالة العقبات من طريقه . كما أن تحقيق المشروع يحتاج إلى مساهمة ملموسة من الجماعات والمنظمات الأهلية العربية العابرة للأقطار التي تدرك أهمية العمل العربي المشترك، وتتطلع إلى عودة السلام والاستقرار إلى المنطقة ضناً بأرواح المواطنين العرب، وحرصاً على توفير فرص التنمية والتقدم في المنطقة . فهذه الجماعات قادرة على إضفاء مشروعية شعبية على هذا المشروع بعد شرح مزاياه وأهميته للرأي العام .