اطلس- في أمثالنا العربية إن الجمل لا يرى اعوجاج عنقه، ويبدو أن هذا المثل ينطبق على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فالاثنان لا يريان ما تسببا به من أفعال وأقوال أدت إلى تعقيد الأزمة الأوكرانية .
كان الاتحاد الأوروبي جزءاً من اتفاق جنيف لحل الأزمة الأوكرانية، لكنه لم يلتزم بالاتفاق، بل انحاز إلى الطرف الأوكراني الذي تجاوز الشرعية وقاد انقلاباً من ساحتي "ميدان" و"الاستقلال" وسط كييف، بتأييد وتحريض مكشوف من الولايات المتحدة .
كانت الأزمة أوكرانية بامتياز، وبقدرة قادر حولها الغربيون إلى مشكلة روسية، بسبب الأداء المرتجل والمتعجل والانتهازي . وبدلاً من التصويب نحو أطراف الأزمة الداخلية، انصرف التوجه نحو موسكو باعتبارها الشرير الذي خلق المشكلة، وعلى ذلك وجهت إليها التهديدات والعقوبات والمدفعية الكلامية .
مجريات الأحداث في أوكرانيا تؤكد أن الأزمة وجدت لتكون مبرراً للتدخل السياسي والعسكري الأوروبي على مرمى حجر من الحدود الروسية وذلك لخلق واقع جديد، واستنزاف الدولة الكبرى وإهانتها وإنهاك اقتصادها النامي التدخل الأوروبي إذا كان مقصوداً، وبين عشية وضحاها جرت المقارنات الطفولية بين الرئيس فلاديمير بوتين والزعيم النازي أدولف هتلر، والزعيم السوفييتي الحديدي جوزيف ستالين، وتصاعدت الاتهامات ضد بوتين الذي يريد إعادة الاتحاد السوفييتي السابق، وإعادة رسم الخريطة الأوروبية، وتنفيذ مخطط استراتيجي للتدخل والهيمنة على الدول الصغيرة في أوروبا والقوقاز والبلقان .
لكن الدول الأوروبية والأعضاء في حلف شمال الأطلسي ليست على قلب رجل واحد حيال روسيا وفقاً للتوصيف الجديد . فعدا بريطانيا وفرنسا وبولندا وجمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا واستونيا ولاتفيا لا أحد يتبنى موقفاً متشدداً من موسكو، وحتى إن جاملوا وسايروا، فهم غير معنيين بذات الشوكة الأطلسية أو العقوبات .
الغلاة في حلف الناتو يتهمون روسيا بالسعي للهيمنة على أوروبا من البلطيق إلى البلقان، كمبرر لدعوة دول الحلف الباحث عن دور إلى زيادة موازناتها الدفاعية إلى 2% من ناتجها القومي الإجمالي، وتسليح الجيش الأوكراني بأسلحة مضادة للدبابات وطائرات للمراقبة والاستطلاع والتكنولوجيات الدقيقة التي تضع حداً للتفوق العسكري الروسي .
المحرك الأساسي للأزمة الأوكرانية هو الاندفاع الأوروبي غير العقلاني نحو الحدود الروسية، وتوسيع امبراطورية الاتحاد الأوروبي لتأكل من قلب الهوية القومية الروسية .
موسكو لم تقل في يوم إنها تريد التوسع في البلطيق والبلقان، لكن قادة أوروبيين مثل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أعلنوا في غير مناسبة ان الاتحاد الأوروبي يجب أن يمتد من الأطلسي إلى الأورال على تخوم روسيا.