اطلس- قدر المحلل الاقتصادي معين رجب أن عدم صرف رواتب الموظفين بحكومة غزة السابقة يحرم السوق المحلي من نحو 30 مليون دولار شهريًا، محذرا من تداعيات استمرار ذلك على مستوى الاقتصاد الوطني لقطاع غزة.
ويبين رجب في حوار خاص مع "صفا" أن الأزمة الحالية لموظفي الحكومة أدت إلى هبوط في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 2% على الأقل خلال عام 2014، وستزيد النسبة خلال العام الحالي في حال عدم التوصل لحلّ لها.
ويوضح أن وقف صرف الرواتب يعني حرمان السوق المحلي في المقام الأول من الأموال التي ينفقها هؤلاء الموظفين في المعتاد، مضيفا "لو أخذنا في الحسبان أن الموظفين يدخرون فقط نحو 10% من كل راتب يحصلون عليه، فإن هناك 90% من رواتبهم تتجه مباشرة إلى السوق، مما يعني حدوث حراك ملموس في السوق".
وترفض حكومة الوفاق الفلسطينية الاعتراف بشرعية موظفي حكومة غزة السابقة، ولم تقم بصرف رواتبهم منذ تشكيلها في الثاني من يونيو 2014، فيما تقوم حركة حماس بصرف دفعات لهم مراعاة لظروفهم الصعبة، في الوقت الذي ما زالت تطالب فيه الحكومة بحل هذه الأزمة.
ولأن اقتصاد قطاع غزة جزء من الاقتصاد الفلسطيني، فمن الطبيعي أن يأثر على النمو الاقتصادي العام، مع ما يصاحب ذلك من سلبيات على مستوى الاستثمار والتشغيل والأجور، ومن ثم معدلات البطالة، ومؤشرات الفقر وغيرها.
ويشير رجب إلى أن سوق العمل الفلسطيني يواجه أوضاعًا غاية في الصعوبة، دون التوصل لحلول لها أو التخفيف من حدتها.
ويقدر عجز الميزانية بنحو 22.8% على مستوى أراضي السلطة الفلسطينية، وتتفاوت بشدة بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لتبلغ في المنطقتين 16%، 46.4% على التوالي، مما يعني وجود فجوة بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية.
وتطرق رجب إلى الباعة الذين يقسطون السلع على الموظفين، قائلاً إنهم أصبحوا عاجزين عن استرداد أموالهم ما أجبرهم على عدم بيعهم البضائع بالتقسيط.
ويقول رجب: "حينما نربط بين أزمة عدم صرف رواتب موظفي قطاع غزة، وبين المتوقفين عن العمل والذين يتقاضون رواتبهم تتلخص لنا المشكلة بصورة أكثر وضوحاً".
ويشرح أن الكادر الوظيفي الفلسطيني في قطاع غزة يعاني مشكلة مزدوجة تتمثل في ما يسمى " أزمة موظفين"، فتجد 50 ألفا منهم على رأس عملهم ولا يتقاضون رواتبهم، وفي المقابل هناك 70 ألفا آخرون يعملون في الكادر الحكومي قبل أحداث 2007، يتقاضون رواتبهم دون أن يزاولوا الأعمال الحكومية المنوطة بهم.
تداعيات وأزمات
وعن تداعيات الأزمة، يبين رجب أنها تسببت في عجز الموظفين عن الوفاء بالحدّ الأدنى من احتياجاتهم الضرورية كالغذاء والكساء والاستشفاء والدواء، وامتدت كذلك إلى الزوجة والأبناء والمقربين منهم .
ويشير إلى حال الموظفين الذين باتو عاجزين عن سداد التزاماتهم المقترنة بمواعيد معينة ملزمة، مع الاضطرار للاقتراض مجددًا من مصادر أخرى للوفاء بديون سابقة.
ويتابع "كما لجأ الموظفين للسحب من مدخراتهم في حالة وجودها أو بيع جزء من ممتلكاتهم وبخسارة كبيرة، مستدركًا قوله بمعرفته لبعض الموظفين اضطروا للبحث عن فرص عمل إضافية بعد دوامهم الرسمي في محاولة للوصول إلى أيّ مصدر الرزق، على الرغم من قلتها.
ويربط رجب انقطاع الراتب بالعديد من المشاكل الحياتية، ذكر منها عدم الشعور بالاستقرار الحياتي والأسري والوظيفي، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية وتزايد الحالات الانتحارية الناشئة عن اليأس والإحباط وتأخر الزواج.
ويحمّل جزءًا من الأزمة الحالية لحكومة التوافق التي باتت لا تكترث لما يصيب قطاع غزة، قائلاً: "لا يزال هناك ضبابية في الموازنة العامة المخصصة لقطاع غزة"، منوهًا إلى أنه في حال ثبات ذلك، فإنه سيسهم في انخفاض إنتاجية العاملين وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الحكومي؛ مما ينعكس سلبًا على نصيب الفرد من الناتج المحلي، والدخل القومي، ومعدل النمو الاقتصادي.
هدر وظيفي
وبالانتقال إلى موضوع الإضرابات الجزئية أو الكلية التي تقوم بها النقابات الوظيفية، يرى رجب أنها تمثل إهدارًا للطاقات البشرية الوظيفية، وتعطيلاً لمصالح المتعاملين مع الدوائر الحكومية، مبينًا أنها تسبب ارتباكا وظيفيا شديدا يضر بمصالح المواطنين وحرمانهم من الحصول على الخدمات التي يحتاجونها في الوقت المناسب.
ويقول رجب إن تلك الإضرابات تضر بشكل كبير بالاقتصاد الفلسطيني، موضحاً أن "الاقتصاد الغزي يخسر ما مقداره 1.360 مليون دولار في اليوم الاضراب الواحد".
ويتساءل عن الجدوى من الإضرابات التي تنظمها النقابة بين الفينة والأخرى، معقبًا "يجب النظر فيها بعمق؛ بحيث تكون أكثر فاعلية بالضغط على الحكومة وبأقل الخسائر الممكنة".
ويقترح رجب أن تكون الإضرابات جزئية ومحدودة بحيث لا تؤثر على عمل الوزارات، أي لساعات محدودة.
ويحذر من أن التأخير في معالجة المشكلة الراهنة يسهم في تصاعد حجم الأضرار الاقتصادية التي تنعكس على المجتمع، وتزيد من المخاطر الاجتماعية والسياسية والأمنية الناجمة عنها، وكذلك على حاضر ومستقبل حكومة الوفاق الوطني، حسب تعبيره.
ويشدد على أنه من الضروري إعطاء هذه الأزمة الأهمية البالغة والأولوية المطلقة، وتغليب مصلحة الموظف البسيط فوق كل المصالح؛ حتى نصل إلى الحلول المناسبة التي تجنب الوطن والمواطنين مزيدًا من الأضرار والأعباء"