اطلس- رحل الملك السعودي عبدالله،وجرت التعيينات والمناقلات بسرعة قياسية،وطبعاً المناصب والمراكز القيادية،يبدو انه جرى التوافق عليها بين قيادات العائلة الحاكمة مسبق
فنحن في نظام توريثي، وهذا يعني بأن سياسة الخلف ستكون إستمراراً لسياسة السلف،وإن حدثت تغييرات فهي لن تمس مفاصل السياسة الخارجية السعودية،وحتى التغييرات أو البصمات الجديدة للحاكم الجديد في الإطار الداخلي،تبقى محدودة ومحكومة بفكر يسير عليه قادة المملكة،فمن غير المستبعد أن يجري تغيير على سبيل المثال فيما يتعلق بحقوق المرأة بالإنتخاب والتصويت والترشيح،او حتى حق المرأة بقيادة السيارة مثلاً.
السياسة الخارجية والمواقف السعودية من الملفات الدسمة والكبيرة،والتي لها صلة بموقع المملكة وامنها وإستقرارها ومصالحها ودورها ونفوذها في المنطقة،لن تطالها تغييرات جوهرية،فالذين ورثوا الحكم من الأباء او الأبناء او الأحفاد،لديهم محددات واضحة،هي بمثابة الدستور الذي يسير على هديه الجميع، ومن يخرج عن ذلك سيجد نفسه خارج الحكم،ولربما خارج المملكة كلياً، فأية خلافات او صراعات يمكن حلها في الإطار العائلي والعشائري حسب نظام التوريث للحكم، من خلال توزيع المناصب والوزارات الحكومية على مختلف الأقطاب،ولكن امريكا والغرب الإستعماري يهمهم الرؤوس المسيرة والمتحكمة في السياسة الخارجية للمملكة، ولذلك يشاركون في تحديدها،لكونها عوامل إستقرار المملكة،وتشكل الضمانة للحفاظ على مصالحهم ومصادر طاقتهم وقواعدهم العسكرية،في وقت باتت فيه المنطقة على حافة بركان ومرجلها يغلي على صفيح ساخن ، أمريكا والغرب يهمهم ثالوث معين ولي العهد ووزير الدفاع ووزير الداخلية مع الملك، حتى لا تكون هناك أية مفاجآت تشكل خطراً على مصالحهم ومصادر طاقتهم، وما دون ذلك الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات،هذه فقط شعارات ترفع للإستهلاك المحلي، ويقفون الى جانبها عندما تخدم اهدافهم ومصالحهم،أو يستخدمونها من أجل قلب انظمة حكم او التدخل في شؤون دول وشعوب تقف ضد مصالحهم واهدافهم،كما حصل ويحصل في العراق وسوريا وغيرها من البلدان العربية الأخرى.
السعودية الآن همومها ستتركز على ما يجري على حدودها الجنوبية،حيث اليمن التي كانت تحرص دائمأً على وجود حكومة موالية لها فيه،أصبح الوضع فيها غير مضمون،فالحالة متفجرة ومن هم يسيطرون على الحكم الآن او يشكلون القوة الرئيسية فيه،هم الحوثيون،وهؤلاء على نقيض مع المملكة وسياساتها،ليس بالمعنى الفكري والسياسي فقط،بل لجهة ما يطرحونه من ثورة إجتماعية وعدالة في التوزيع للثروات،وكذلك إرتباطاتهم وصلتهم بإيران،احد أبرز أعداء ومنافسي السعودية على الدور عربياً وإقليمياً،ناهيك عن الخلاف الفكري والمذهبي،والسعودية ترى بإيران المنافس لها،والمهدد لدورها ونفوذها في أكثر من ساحة عربية،وهي ترى بإيران "خطراً داهماً" على الأمة العربية .
والملف الآخر المهم في سياسة السعودية الخارجية،هو الملف المصري،فالسعودية معنية بإستقرار النظام هناك الذي يناصبه الإخوان المسلمون العداء،ويعملون على تقويضه ومنع إستقراره أمنياً وسياسياً،او تحقيق أي تقدم ونماء إقتصادي، فهل يستطيع النظام الجديد في السعودية ان يستمر في الدفاع عنه ومساندته كالسابق،في ظل التغيرات والتطورات الحاصلة في المنطقة،وخصوصاً بأن الأخطار تقترب من المملكة فإيران من خلال الحوثيين أضحت على حدودها الجنوبية.
القضية التي غابت عن المشهد والإهتمام السعودي،ولم ترد في خطاب العرش،هي القضية الفلسطينية،المغيبة بفعل صراعات ومناكفات وإنقسامات أصحابها،ولربما ترى السعودية بأنها بفعلهم أصبحت أقل حضوراً عربياً وإقليمياً ودولياً.
ما نحن متيقنين منه بأن مواقف وسياسات السعودية من القضايا الكبرى ستبقى على حالها،ولكن تبقى السياسة تحمل مفاجآت غير متوقعة، في زمن عادت فيه السياسة بلا اخلاق.