اطلس- مع استمرار تجميد المستحقات الفلسطينية من قبل السلطات الإسرائيلية، وتواصل دوامة عدم القدرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام
والتزامات الحكومة المالية الأخرى، يعود بل ويحتدم الجدل حول آفاق او إمكانيات الاعتماد على الذات، سواء في الوقت الحاضر، او في المستقبل، في ظل دولة مستقلة، وبالإضافة الى الخنق المالي الذي مارسته وتمارسه الحكومة الإسرائيلية هذه الأيام، جاءت ازمة انقطاع الغاز لعدة ايام، لتؤدي الى حالة شاملة من الارباك والقلق والخوف والتساؤل، وحتى التذكير بهشاشة الاوضاع التي نحيا بها، وكيف ان مستلزمات حياة أساسية وغير أساسية مرتبطة بقرار او بموقف من الطرف الإسرائيلي، في ظل موقف دولي خجول، وفي بعض الأحيان موقف متفهم وداعم وحتى مكمل للموقف الإسرائيلي، والجميع يعلم ان لكل هذه الإجراءات أهداف سياسية، معلنة وغير معلنة؟
ونلاحظ من تصريحات وبيانات الأيام القليلة الماضية، وبالإضافة الى تجميد او سرقة الاموال الفلسطينية من قبل اسرائيل، والتي تقدر بحوالي 60% من العائدات الفلسطينية، الى القاء اللوم، في عدم ايفاء الحكومة بالتزاماتها، على عاتق الدول العربية، التي لم تقم بتسديد ما بات يعرف " بشبكة الامان" للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فأن مسؤولية عدم دفع الرواتب لقرابة حوالي 160 الف موظف يقع على كاهل اسرائيل والدول العربية، والمتتبع لقرارات العرب، وبالأخص الشق المالي منها، والصادرة سواء من اجتماعات القمم العربية او لجان المتابعة الأخرى المتنوعة، يلحظ وبوضوح عدم الالتزام بما تم التعهد به، وبالتالي كان من البديهي توقع الوضع الحالي بعدم الالتزام بما تم التعهد به، وبغض النظر عن الاسباب والظروف والاهداف من ذلك؟
وفي القطاع العام او الخاص او غيرهما، وفي دول العالم، من المفترض ان يحصل العاملون، وبغض النظر عن طبيعة العمل او نوعية المشغل، على اجورهم حسب اتفاق العمل، وفي العادة اما مع نهاية شهر العمل، او منتصف الشهر، وحتى هناك شركات ومؤسسات في دول عديدة تقوم بدفع الرواتب بشكل اسبوعي او نصف شهري، لكي تبقي على عجلة الاقتصاد دائرة، وبالطبع حين يتعلق الامر بالقطاع العام، اي الحكومة، من المفترض ان يكون هناك ميزانية، وخطط وبالطبع خطط بديلة، في حال تعثر الخطط الاصلية، وهذا ما حدث في بلادنا خلال الايام او الاسابيع القليلة الماضية، فغالبية الناس كانت تتوقع ان يكون هناك ردود فعل اسرائيلية، ردا على الخطوات السياسية الفلسطينية وبالطبع كان متوقع من ضمن هذه الردود، اجراءات اقتصادية مثل ما حدث، اي حجز الاموال الفلسطينية وبالتالي عدم امكانية دفع الرواتب والايفاء بالالتزامات الحكومية الاخرى.
وبالتالي كان من المتوقع الا تفاجأ الحكومة والناس، بردة الفعل الاسرائيلية، وعلى العكس كان من المتوقع او المفترض وجود خطط بديلة، ولو على المدى القصير، اي لعدة اشهر للتعامل وبشكل ايجابي مع قضية الرواتب، ليس فقط لتغطية الجانب او الالتزام المادي، ولكن لتجنب الاثار النفسية على العاملين وعلى الناس بشكل عام، خاصة في ظل الحديث المتواصل عن التقدم باتجاه الاعتراف بالدولة، وما يعنيه ذلك من هيبة واحترام وبناء وتنمية وما الى ذلك؟
وهناك كذلك ارتباط النشاط الاقتصادي، وبشكل اساسي في بلادنا، برواتب موظفي الحكومة الذين يشكلون حوالي مائة وستون الفا، ومن ثم التأثير المباشر على حوالي ثلاثة ارباع مليون شخص، اذا افترضنا ان حجم العائلة الفلسطينية هو خمسة افراد، وبالتالي فان السؤال الذي يدور في ذهن الناس هو اين كانت الخطط البديلة عند الحكومة، التي يفترض انها تحوي المخططين، والكفاءة والجاهزية لانشاء وادارة الدولة ، فالمؤسسات الخاصة والشركات والبنوك، وحتى بعض الجامعات، وفي ظل توقع ظروف مثل ظروفنا، تعمل على بناء احتياط لتغطية ولو لفترة قصيرة ازمات مثل ازمة انقطاع الرواتب، وربما يكون من ضمن هذه الاجراءات هو اقتطاع او الابقاء على نسبة معينة من الراتب في الظروف العادية، من اجل ظروف الازمات، وبالطبع غير ذلك من الاجراءات التي يدرسها ويعرفها المختصون في مثل هكذا امور.
واذا كان الهدف من حجز الاموال الفلسطينية، هو هدف سياسي بالدرجة الاولى، فإن انعكاس ذلك على الالتزام بدفع الرواتب يعتبر قضية انسانية ومعيشية لمئات الالاف من الناس، حيث يجب التذكر ان الحديث هنا يدور عن الحياة اليومية للناس، من خبز وكهرباء واقساط والتزامات، ويجب التذكر تقرير صدر قبل فترة عن جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني الذي اشار الى ان معدلات الفقر في الاراضي الفلسطينية بلغت اكثر من 20%، ولا يعني هذا انه وبسبب هذه الظروف الاذعان للابتزاز السياسي الاسرائيلي، ولكن ومن خلال وجود الخطط البديلة، ترسيخ العوامل الاقتصادية وبالطبع الاجتماعية والاهم النفسية لمواكبة عملية بناء الدولة، ونحن ما زلنا نتذكر ما صرح به العديد من المسؤولين، وهو الطموح والعمل لتغطية كافة النفقات الجارية في ميزانية السلطة الفلسطينية، وبالطبع ومن ضمنها الرواتب من خلال الايرادات الذاتية، واذا حدث ذلك فيمكننا تصور ليس فقط الاثار الاقتصادية والاجتماعية لذلك ولكن الاثار النفسية وانعكاسات ذلك على الناس.
وفي خضم ازمات الرواتب والغاز وربما الكهرباء وما يتعلق بهما، ونحن نعرف ان وارداتنا من اسرائيل تزيد عن نسبة ال 65% من مجمل الواردات، فأن هذه الازمات، من المفترض ان تكون المحفز للبدء بمناقشة وبشكل جذري، الوسائل الكفيلة بزيادة الاعتماد على الموارد الذاتية، وبشكل مستدام، وبدون الخوض في التفصيل من الواضح ان هناك اجراءات فلسطينية داخلية محضة يمكن القيام بها وبدون مخاطرة لتحقيق هدف زيادة الموارد الذاتية، على الاقل لتغطية النفقات الجارية في الوقت الحاضر، وهذا بالطبع يشمل الحد من النفقات وزيادة الواردات، وهذا من المفترض ان يشمل القطاعات الاساسية التي تزيد الموارد والاهم بشكل مستدام مثل الزراعة وقطاعات الانتاج الصناعي والسياحة والتصدير وغيرهما، اي ان تكون الزيادة مستدامة وليست لمرة واحدة، وفي نفس الوقت تقليل النفقات الزائدة عن الحد وفي قطاعات عدة ، والبناء على ذلك وبشكل مستدام.