اطلس- التحذير الذي اطلقه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن برؤيته وحصافته من أن الحرب القادمة على غزة مسألة وقت، في محله وينبغي أن يؤخذ بجدية وإهتمام. والسؤال الذي يطرح هنا لماذا الحرب من جديد؟ وما هي إحتمالاتها؟ وهل من بديل لخيار الحرب؟ والأهم هل قدر غزة أن تعيش في حرب دائمة؟ وهل الحرب هي الخيار العقلاني؟
أبدا بالتاكيد على بعض الملاحظات المهمة ، وأول هذه الملاحظات المعادلة التالية: «حماس» والمقاومة وإسرائيل ، العلاقة بينهما خيار حرب على المدى القصير أو حتى المدى البعيد، وثانيا معادلة الأنقسام الفلسطيني ، إستمرار هذا الإنقسام يعني الخيار المسيطر والمهيمن او الخيار الأساس هو الحرب.
والملاحظة الثالثة فشل الأفق السياسي وإستمرار الإحتلال الإسرائيلي يعني إستمرار لهذا الخيار. والملاحظة الرابعة أن إستمرار حالة المواجهة بين الحركات الإسلامية في العراق وسوريا ومصر وغيرها من الدول قد يقوي أيضا خيار الحرب ، وفشل إعمار غزة استمرار لخيار الحرب. وبعيدا عن حسابات العلانية التي تغيب بالنسبة لخيار الحرب في حالة غزة التي قد أجهضت قدراتها البشرية والمادية بسبب ثلاثة حروب، ولم تعد قادرة على تحمل تكلفة حرب جديدة قد تكون أكثر عنفا ، وأكثر تدميراً ، لأن الحرب القادمة ستستهدف قدرات المقاومة بشكل مباشر، وقد تأخذ شكلا جديداً ، وتستخدم فيها أسلحة جديدة من الطرفين ، وقد تقترب من حرب البقاء للمقاومة ، وهو ما قد يجعلها أقرب إلى الحروب الإنتحارية. من المنظور العقلاني وحسابات المنطق يفترض أن تستبعد الحرب كخيار، لكن في الحالة التي تحكم العلاقات بين غزة وما تمثله من خيار المقاومة الأقرب إلى المقاومة الإسلامية وما لذلك من إرتباطات خارجية ، يبقى محدد العلاقة الذي يحكم غزة بإسرائيل هو الحرب، والبديل وهو الهدنة أو ألتهدئة تبقى محكومة بعامل الوقت النسبي ، ومحكومة بمحددات داخلية وخارجية وإقليمية.
فالبديل للحرب هو هدنة دائمة او إتفاق سلام أو تسوية شاملة على مستوى إنهاء الإحتلال، وقيام الدولة وهذا مستبعد ويجعل دائما خيار الحرب قائما وبنسبة مرتفعة.
وفي الحالة السائدة يفترض أن الحرب الأخيرة لم تنته بعد، لسبب منطقي وهو ان الحرب لم تحقق اهدافها من منظور حركة حماس والمقاومة ، فالحصار ما زال مستمرا ، واجراءات الإعمار تتم بوتيرة ضعيفة ، والمعابر مغلقة ، والمفاوضات توقفت ولا احد يعرف متى يمكن أن تستأنف، وحتى لو استؤنفت قد تكون الحرب قد فقدت زخمها السياسي ، وهو ما يعني عدم القدرة على تحقيق الأهداف التي من اجلها أتخذ قرار الحرب، وهو يدعم التنبؤ بالعودة للحرب من جديد لخلق واقع سياسي جديد قد يفرض نفسه على التحولات والقرارات السياسية الحاكمة في المنطقة.
وهذا العامل قد يكون أقوى العوامل التي قد تفسر لنا لماذا الحرب حتى لو كانت خيارا غير عقلاني ومدمر، فالهدف منها وهنا تكون الحسابات غير المنطقية والمتعجلة والتي قد تأتي بنتائج سلبية مرة أخرى لن يكون بهدف التحرير الكامل او قيام الدولة الفلسطينية ، او حتى تحرير بعض المناطق والسيطرة عليها فهذه أهداف تتجاوز اي حرب محدودة في غزة ، ومن ناحية أخرى أن أي حرب جديدة هذه المرة تأتي في سياقات بيئية داخلية وإقليمية ودولية غير مواتية ، وخصوصا بعد إنشاء المنطقة العازلة بين غزة ومصر على عمق يقارب الكيلومتر، وما يترتب على ذلك من غلق كامل للإنفاق التي تعتبر مورداً ومصدراً لتجدد قدرات المقاومة. وهذا سينعكس على صعوبة التعويض في أي حرب، ومن ثم قد يضعف الموقف السياسي لحركات المقاومة. رغم كل هذه الحسابات التي ترفض خيار الحرب، لكن يبقى الخيار قائما من زاوية ان أي حرب جديدة تعني عدم إمكانية القضاء التام على المقاومة، وهذا دافع قوي آخر للحرب.
وثانيا أن الحرب هذه المرة لن تطول، وستفرض على الدول العربية وحتى على المستوى الدولي التدخل السريع لإستيعاب تداعياتها بإستجابة هذه المرة للمطالب برفع الحصار الكامل وفتح المعابر، لكن هذه الحسابات تبقى غير يقينية، وقد لا تتحقق، وهو الأمر الذي قد تنعكس آثار اي حرب على مستقبل المقاومة.
وأعود للتساؤل إذا كانت أهداف اي حرب جديدة لا تخرج عن الأهداف السابقة فالأفضل العمل سياسيا، وبمراجعة لخيارات والأولويات والعلاقات الإقليمية والداخلية، من اجل تحقيق هذه الأهداف ولو في المدى المنظور، وفي هذا السياق تبدو عقلانية خيار المصالحة الفلسطينية والعمل من خلال الخيار الفلسطيني العام، وثانيا أهمية بل حتمية إعادة تقييم العلاقات مع مصر، والعمل على إرسائها على أسس صحيحة تأخذ في الإعتبار الأوضاع الأمنية في مصر، والتاكيد على أن غزة عامل امن وليس العكس. لكل هذه الإحتمالات تبقى الحرب قائمة ، وهو ما يستوجب تحركاً فلسطينياً وعربيا ودولياً لإنتزاع مبررات أي حرب، وايضا على مستوى المقاومة وغزة التي يجب تقديمها على أنها مصدر للأمن والإستقرار، وليست مصدرا للتهديد، والبعد بغزة عن أي إرتباطات خارجية، والبعد بها عن السيناريوهات القائمة في المنطقة، وخصوصا سيناريو المواجهة الشاملة بين التحالف الدولي الجديد وبين التصدي لتمدد الحركات الإسلامية المتشددة.
وتبقى غزة صاحبة قضية وطنية فقط أساسها إنهاء الإحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، بدون ذلك ستبقى الحرب مسألة وقت أكثر منها أي شيء آخر.