اطلس- لولا مشروع القرار الفلسطيني-الأردني الجاري تداوله الآن في أروقة مجلس الأمن في الأمم المتحدة، للتعامل مع موعد نهائي للاحتلال الإسرائيلي، لما قاد الفرنسيون تحركا يقومون به حالياً، يشاركهم فيه البريطانيون والألمان، لبلورة مسوّدة قرار خاص بهم، بات يعرف اصطلاحاً باسم "المشروع الفرنسي". وبالتالي، فالقرار الفرنسي محاولة لاقتراح تصور مختلف عن المطلب الفلسطيني العربي.
في أحاديث، فردية وجماعية، مع أكثر من مسؤول فلسطيني يشتركون في المداولات، وجدتُ تبايناً في الموقف الفلسطيني بين شعور بالحنق والغضب على المحاولة الفرنسية، والحماس الحذر إزاءها.
ما يخشاه الفلسطينيون ومراقبون هو أن الخطة الفرنسية تمثل تأجيلا لكل شيء لصالح مفاوضات مدتها عامان، مع وعود بالاعتراف بعد ذلك بالدولة الفلسطينية إن فشلت المفاوضات. والاعتراف بحد ذاته لن يعني شيئاً ملموسا لحياة الفلسطينيين، وسيعني تقدماً محدوداً (سيؤجل أيضاً لنحو عامين، وبحسب مصادر لثمانية عشر شهرا). وما يريده الفلسطينيون فعليّا هو الاعتراف بدولتهم وحقها في الوجود، ووضع جدول زمني لتحويلها إلى واقع على الأرض؛ وأن تكون المفاوضات على ترتيبات الانسحاب الإسرائيلي. ورغم أنّ الإسرائيليين قادرون، كالعادة، حتى على تحويل مسألة ترتيبات الانسحاب إلى قضية تعيد كل شيء إلى الصفر، فإنّ المشروع الفرنسي يؤجل حتى القرار بهذا الشأن.
نقطة الإغراء في المشروع الفرنسي هي طرحه وقف الاستيطان كجزء من الصفقة. وقد تكون هناك نقاط أخرى تتعلق بالأسرى وسوى ذلك. وإذا كان مستبعداً موافقة الإسرائيليين على هذا النص أيضاً، فإنّ السؤال: هل تكفي هذه النقطة للتراجع الفلسطيني العربي؟
طرح الرئيس محمود عبّاس، في خطابه الأخير أمام جامعة الدول العربية، قضايا مثل إعادة إحياء حصانة المناطق "أ" الفلسطينية. وبالتالي، قد تشكل ترتيبات تشمل وقف الاستيطان ومناطق "أ"، والمعابر، وغزة، وأمورا أخرى، قاعدة تقنع الرئيس الفلسطيني بالعودة للمفاوضات وفق جدول زمني محدد، ووعود أوروبية ببعض الالتزامات.
بداية، من المشكوك فيه قبول الإسرائيليين بهذا الأمر (وقف المستوطنات والأسرى وترتيبات أمنية جديدة). ومن دون موافقة إسرائيلية صريحة، فلا معنى للقرار الفرنسي مهما تطور. لكن هذا لا يلغي أنّ هناك أمرين يستحقان المراقبة الآن. أولهما، هل سيمضي المشروع الفرنسي قُدماً؟ وأهمية هذا ليس فقط من زاوية القرار الفلسطيني فحسب، ولكن هل يصبح ذلك بداية تَدويل المُفاوَضات؛ أي هل سيتقبل العالم ولا يرفض الأميركيون، أن لا يعود أمر المفاوضات ضمن الصيغة الثلاثية التي هيمنت طويلا؛ مفاوضات ثنائية فلسطينية-إسرائيلية برعاية أميركية، وتصبح هناك صيغة جديدة؟ هذا بحد ذاته عامل إغراء للفلسطينيين والعرب. وقد يوافق الفلسطينيون على إعطاء المشروع الأوروبي فرصة مشروطة، بحيث يؤجل القرار الفلسطيني لمدة محددة، لرؤية ما إذا كان يمكن قبول القرار الأوروبي الذي يتضمن صيغة تفاوض جديدة، ويتضمن أيضاً قيام الإسرائيليين بتغيير أساسي على الأرض، يشمل وقف الاستيطان وترتيبات أمنية جديدة، مع الاتفاق مع الأوروبيين سلفاً على الخطوة التالية إذا رفض الإسرائيليون القرار.
الأمر الثاني الذي يستحق المراقبة، هو: هل سيقوم الفلسطينيون هذه المرة برفض ذريعة الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، ويسارعون إلى المضي في خططهم رافضين الإشارات الأميركية وغير الأميركية بضرورة التريث؟
لكن السؤال الأهم والأكثر إلحاحاً وتداولا (كما أزعم من ملاحظاتي) في الشارع الفلسطيني، على مستوى النخب غير الرسمية والشارع، يتمثل في: ما هو دور الشعب؟ أو كما قال باحث وسياسي فلسطيني مخضرم "لقد أصبحنا الشعب المُراقِب"؛ فكل الحراك الدبلوماسي الراهن يخص حلقة ضيقة من المسؤولين، هم من يتحركون ليس إلا، فيما كأنّ على الشارع أن يتفرج على شاشات التلفاز. ونتساءل إذا كان هناك تلويح بوقف التنسيق الأمني، وهناك حديث عن أنّ الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر (status quo no more)، فأين ما يدعم على الأرض التلويح بذلك؟ أين الاستعدادات بشأن تحويل مرتقب للأجهزة الأمنية الفلسطينية بذلك الاتجاه؟ وأين إعادة تأهيل صفوف الناشطين في الفصائل الفلسطينية لبدء لعب الدور المدني والشعبي الذي يحتاجه توقف السلطة الفلسطينية عن اللعب وفق القواعد الإسرائيلية؟ لو وجدت خطط من هذا النوع، وتدريبات واستعدادات "ومناورات ميدانية"، فإنّ "التهديد" من على منصة جامعة الدول العربية سيأخذ مصداقية أكبر، ويحقق قبولا شعبيّاً.