اطلس- القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين لإنهاء الإحتلال ألإسرائيلي وفي مواجهة للمبررات الامنية الاسرائيلية وليس مجرد صراع على مساحة أرض محدودة ، او صراع بين قوميتين متناقضتين لا تقبل إحداهما ألأخرى القومية العربية والصهيونية .
وليس مجرد صراع أيدولوجي او صراع ديني بحت، وليست القضية الفلسطينية محصورة في الفلسطينيين وإسرائيل فقط، بل هي صراع مركب معقد ممتد شامل للعديد من المكونات والفواعل من الدول وغير الدول، فهي قضية معقدة في مضمونها ، من أرض وحدود ولاجئين شردوا من أراضيهم وما زالوا يعيشون في المخيمات ، او القدس بكل ابعادها أو قضايا ذات بعد إقتصادي تتعلق بالموارد المائية والطبيعية والسيطرة عليها ، أو قضية دولة فلسطينية ما زالت تسعى لنيل مقعدها الكامل في الإمم المتحدة ، او قضية أمن قومي عربي وبالدولة العدو التي تهدد مصير 22 دولة عربية.أوتصوير القضية الفلسطينية أنها أم القضايا إقليميا ودوليا.وانها أساس عدم الإستقرار وعدم الأمن ، وانه لا سبيل لحل مشاكل المنطقة دون حل هذه القضية التي توظف توظيفا سياسيا ودينيا كما يرى كل طرف.
القضية الفلسطينية هي قضية أمن جميع الدول. ومنذ ان نشأت القضية الفلسطينية إرتبطت بمقاربتين أو رؤيتين متناقضتين غير متقابلتين. المقاربة الفلسطينية والتي تقوم على الحق الشرعي التاريخي ، وحق الفلسطينيين على أرضهم ، وأنهم شردوا منها بالقوة الصهيونية المدعومة دوليا، وتقوم على الحق الوجودي للشعب الفلسطيني ، وهذه الرؤية مستندة للمعطيات الدينية والجغرافية أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، وأن مصدر التهديد للأمن القومي العربي هي إسرائيل والحركة الصهيونية التي تتجاوز مطامعها أرض فلسطين لتشمل الدول العربية ، وأن إسرائيل هي صنيعة الإستعمار، الذي أراد أن يدق إسفينا في قلب الدول العربية ، ويحول دون وحدته.
وتذهب هذه المقاربة الفلسطينية أيضا إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية الدول الإسلامية لمكانة القدس الدينية ، والمسجد ألأقصى ، الذي يرتبط بإلإسراء والمعراج لرسولنا الكريم ( صلعم) وهو مكون أساسي من مكونات الإيمان لكل المسلمين، ولا تكتفي هذه المقاربة بهذه الحدود بل ان القضية الفلسطينية مسؤولية المجتمع الدولي ، ومسؤولية ألأمم المتحدة التي أنشأت إسرائيل كدولة ومنحتها العضوية الكاملة ، وعاجزة حتى الآن عن تنفيذ قراراتها التي أصدرتها بشأن دعم الحقوق الفلسطينية.
مقاربة تقوم على أنه صراع وجود ، وبقاء، واكثر من كونه صراع دولة. هذه المقاربة إعتراها كثير من التغيير اولا بقبول إسرائيل دولة والإعتراف بها ، وبالقبول بقيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967،اي اقل ما نسبته حوالي خمس وعشرين في المائة من قرار التقسيم.اي التخلي عن فكرة فلسطين التاريخية الكبرى ،وإن كانت حركة حماس ومعها بعض حركات المقاومة تتمسك بفلسطين التاريخية .
هذه المقاربة لم تعد تحمل نفس قوة منطوقها الفكري والسياسي ، لأن هناك الكثير من المدركات السياسية التي لحقها التغير وخصوصا في زمن التحولات العربية وتراجع القضية الفلسطينية كقضية أمن إقليمي ودولي ، ومع ذلك ما زالت هذه المقاربة تقوم على نفس هذه الثوابت والأصول.
وبالمقابل المقاربة الإسرائيلية تناهض وتلغي المقاربة الفلسطينية ، فهي إستنادا لروايتها وأساطيرها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهي «أرض شعب الله المختار» ، و«الأرض الدينية» ، وهي «الأرض الموعودة» ، وباختصار هذه المقاربة لا تعترف للفلسطينيين بأي حقوق تاريخية او قانونية على أرضهم ،وأن الفلسطينيين مجرد بشر أو مقيمين او ساكنين ، أنهم عابرون ، ومع ذلك أيضا هذه المقاربة إعتراها الكثير من التغيير، وخصوصا فشل إسرائيل في القفز عن أن الفلسطينيين كشعب له حقوقه التاريخية التي لا يمكن التنازل عنها، وفي هذا السياق باتت إسرائيل تتعامل معهم تدريجيا بمنحهم شكلا من الحكم الذاتي ، خوفا من دمجهم في كيانها ، وحرصا على نقاء شعبها وطابعهم اليهودي ، لكن نجاح المقاربة الفلسطينية أجبر إسرائيل التعامل معهم كحقيقة سياسية ، ومن هنا الدخول في عملية مفاوضات الهدف منها ليس التسوية بقدر تفريغ القضية الفلسطينية من مكوناتها ومضامينها الفلسطينية .
وتحاول إسرائيل ان تقزم القضية الفلسطينية وتختزلها في مجرد كينونة سياسية لإدارة ملايين من السكان الفلسطينيين ، تمنحهم قدرا من السلطات والصلاحيات المدنية . وفي سياق تفريغ القضية الفلسطينية تحاول إسرائيل ومعها الآلة الإعلامية الأمريكية ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية أمن قومي عربي ، بدليل علاقاتها بعدد من الدول العربية ، وأن الخطر الحقيقي هو خطر الإرهاب الإسلامي وليس خطرها ، وفصلها عن بعدها الدولي وهذه هي المعركة الحقيقية التي تحاول ان تمارسها إسرائيل ضد المحاولات الفلسطينية من تفعيل الشرعية الدولية ، ومحاولتها عدم الربط بين ما يدور من تطورات سياسية في الدول العربية كالقاعدة وتمدد داعش والإخوان والجماعات الإسلامية بان القضية الفلسطينية هي اساس لكل قضايا المنطقة ، وهذا ما صرح به الرئيس اوباما في خطابه ألأخير في ألأم المتحدة عندما أشار انه لا ربط بين القضية الفلسطينية ومشكلات المنطقة .
وتأكيدات إسرائيل أنه لا شريك فلسطيني لصنع السلام، والربط بين «حماس» وداعش، وأن قضية إسرائيل والعرب والعالم قضية واحدة هي قضية ألإرهاب.
هذه هي السياسة الخطيرة التي تنتهجها إسرائيل لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي .