اطلس- لقد طال أمد الإحتلال الإسرائيلي ولا تبدو في الأفق أية علامات لانتهاء هذا الصراع ذلك لأن السياسة الإسرائيلية
تعمدت خلال سني هذا الإحتلال إفشال أية فرصة للحل السياسي وتبنت سياسة تجاهل التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني وآثرت أن تمضي قُدما في برامجها الإستيطانية دون رؤية واضحة لمستقبل هذه الأرض التي يعيش عليها العرب واليهود في تكاثر مضطرد يجعل إمكانية اضمحلال أو اختفاء أي منهما على المدى المرئي للعين أمراً مستحيلا . علما بأن ما يحلم به غلاة المتطرفين اليهود هو أن يجعلوا حياة الفلسطينيين جحيما لا يُطاق ويضطرونهم للرحيل أو أن يُقدموا لبعضهم الإغراءات التي تجعلهم يؤثرون الرحيل طوعا.
وفي غياب أو تلاشي أية فرصة للحل السياسي، فإن ما يبدو للعيان هو أن هذا الوضع القائم سيستمر إلى سنوات طويلة قادمة ، وأن ملامح التطرف والعداء بين الطرفين ستظل في ازدياد مضطرد مهما حاول البعض التقليل من المخاوف وخاصة على الجانب الفلسطيني الذي ما زالت قيادته تتحدث عن الحل السياسي.
وإذا كان المنطق يقول بأنه طالما لا يوجد حل سياسي لهذا الصراع فإن على العقلاء أن يحاولوا خلق الأجواء التي تتيح التعايش مع الوضع القائم إلى أن تتغير الأحوال والأمزجة وتتوفر الفرصة للحل فإن الواقع على الأرض يؤكد بأن الحال غير ذلك وأن الهوة بين الطرفين تتسع باستمرار وأنها قد تصبح أكثر دموية وعنفا لا سيما بأن المتطرفين الإسرائيليين يحظون بدعم وحماية تكفلها لهم حكومتهم .
لقد شهدت الأسابيع الأخيرة موجة من الهجمات الدموية ضد الإسرائيليين تمثلت بحادثين استخدمت فيهما السيارات وثالث استخدم فيه السلاح الأبيض والناري من قبل فلسطينيين ضد يهود وشهدت أيضا قتل فلسطينيين من قبل يهود مسلحين في ظروف كان من الممكن جدا اعتقالهم وتقديمهم للقضاء. والملفت للنظر أن السلطات الإسرائيلية التي تدعي الديمقراطية وحكم القانون تمر مر الكرام بمثل هذه الأعمال بل إن وزير الشرطة الإسرائيلي قد أدلى بتصريح مؤخرا قال فيه أن منفذي الإعتداءات ضد الإسرائيليين يجب أن لا يخرجوا أحياء ، وهو ما يفهم منه أنه يجب قتلهم في المكان حتى لو كان بالإمكان اعتقالهم ، وأعلن في وقت لاحق عن تسهيلات للمدنيين الإسرائيليين في حمل السلاح .
وإذا أخذنا في الإعتبار حالة الهوس التي تعم المجتمع الإسرائيلي ، وأن السلطات الإسرائيلية لم تتردد في الماضي في الإشادة بمن قتلوا عربا في حالات هجوم أو وقوع عمليات ، أو منحتهم الأوسمة ، وأن بعض الإسرائيليين يحلم بأن يكون بطلا قوميا ويقتل فلسطينيا لينال ذلك المديح أو الوسام ، فإن علينا أن ندرك خطورة الوضع الذي يتجه الطرفان نحوه ذلك لأن العنف من طرف سيولّد عنفا من قبل الطرف الآخر.
وعلى أية حال ، فإن حمى قتل الفلسطينيين ليست بالجديدة في إسرائيل فقد حدثت في الماضي ولكنها كانت تحدث في الغالب من قبل أفراد في حرس الحدود أو الشرطة وكانت في معظم الحالات لا تحظى بالتحقيق الجدي أو تنتهى بعقوبات شكلية ، وهناك اليوم ، على سبيل المثال ، جندي يحاكم بقتل شابين عربيين بالقرب من معتقل بيتونيا ( عوفر ) بعد شهور من المماطلة التي لم تستطع أن تصمد أمام الحقيقة وأمام أشرطة الفيديو التي أثبتت أن الشابين أصيبا بالرصاص من الخلف وهما يسيران مبتعدين عن الجنود وليس هناك ما يبرر الإعتقاد بأن القانون سيطبق وأن عقوبة القتل ستوقع بهذا الجندي. فالتمييز بالعقوبة ضد العرب هو من السمات البارزة في إسرائيل سواء ما يتعلق بالسجن أو هدم المنازل . فنحن لم نسمع في أي يوم عن هدم منزل يهودي قتل عربيا ، في حين أن هدم منزل العربي يتم حتى قبل إدانته في المحكمة.
والجديد الخطير هذه الأيام هو توسيع دائرة التسامح مع قتل العرب وإعطاء المدنيين الإسرائيليين الحق في أن يأخذوا القانون بأيديهم وأن يضغطوا بسهولة على الزناد.
لقد أتاحت كل القوانين والشرائع حق الدفاع عن النفس ولكنها وضعت قيودا وشروطا لممارسة ذلك الحق أهمها أن يكون هناك خطر يتهدد هذا الشخص ، وأن يكون الخطر في مستوى رد الفعل بأن يستخدم الشخص الذي يتعرض للخطر سلاحا أو دفاعا يتساوى معه في القدر وفي الخطر فلا يجوز مثلا إطلاق النار على من يهاجمك بعصا ، فالندية والمساواة بالقدر هي شرط لممارسة هذا الحق.
ولكن ما نشهده على الجانب الإسرائيلي هذه الأيام لا يندرج في إطار الدفاع عن النفس وإنما هو إعطاء الأفراد حق إيقاع العقوبة وإصدار أحكام الإعدام ضد العرب وهذا أمر لا يجوز للأفراد ممارسته في أي نظام ديمقراطي غير عنصري لأنه من اختصاص سلطات القضاء.
وعلى أية حال فإن الصورة العامة من حولنا تدعو للقلق ذلك لأن الجانب الإسرائيلي ، وعلى مستوى القيادة ، لا يبدي تفهما للوضع الذي نعيشه ، ولا يبذل جهدا لتهدئة الخواطر ونزع الفتيل وإنما يمضي قدما في تصعيد إجراءاته ضد الفلسطينيين واستخدام القوة المفرطة ضدهم ، واتهام قيادتهم بالتحريض ولا يحاول أن يفهم بأن استخدام القوة والعنف من جانبه وترك الحبل للمستوطنين والمتطرفين ليتمادوا في اعتداءاتهم ضد العرب هو التحريض الحقيقي الذي يزيد من اشتعال الموقف وتنامي العنف من قبل الفلسطينيين. ناهيك عن حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي برمته يتجه نحو اليمين والتطرف الديني والقومي وأن الذين كانوا يبدون من المتطرفين في الماضي باتوا اليوم في عداد المعتدلين ليس لأنهم غيروا أفكارهم وإنما لأنه ظهر إلى جانبهم من هم أكثر منهم تطرفا وعنصرية. وهذه الظاهرة في حد ذاتها تجعل من الضرورة القصوى التعامل بكل جدية مع ظاهرة إعطاء هؤلاء المتطرفين فرصة تقرير مصير الطرفين ويجب أن يشعل نورا أحمر أمام العالم من الخطر المترتب على استمرار هذه الظاهرة.
وعلى القيادة الفلسطينية أن لا تدخر جهدا في وضع العالم أمام خطورة التوجهات الإسرائيلية التي تعطي السلاح للمدنيين الإسرائيليين وتعطيهم رخصة لقتل الفلسطينيين ، والتي تمضي قدما في مخططاتها الإستيطانية التوسعية التي تقتل أية فرصة لإيجاد حل سياسي للصراع ، والتي تتورط في محاولات تغيير الوضع القائم في مدينة القدس وخاصة في المسجد الأقصى وتؤجج نيران الكراهية والعداء الديني وتحوّل هذا الصراع إلى صراع ديني بين اليهود والمسلمين في بقعة هي الأكثر حساسية وهشاشة والتي أثبتت أحداث الأسابيع الماضية بأن الفلسطينيين العزل من السلاح غير المنتمين لأي تنظيم أو جماعة ، لن يتوانوا في التضحية بأرواحهم من أجل الأقصى.
وعلى القيادة الإسرائيلية أن تفهم بأن عليها أن تتحرر من أوهام الإمبراطورية اليهودية من النيل إلى الفرات وأن الضمان الوحيد لأمنها هو تحقيق الأمن والسلام والحرية للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس وأنه لن يكون هناك أمن أو سلام للإسرائيليين إلا إذا تحقق ذلك للشعب الفلسطيني.