اطلس- مما لا بد من الاعتراف به، وبألم، أنّ أهالي قطاع غزة لم يحققوا شيئاً حتى الآن في إطار حياتهم اليومية منذ بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة
وأنّ الوضع بات أصعب وأكثر تعقيداً مع العملية الإرهابية الأخيرة ضد الجيش المصري في سيناء، والإعلان المصري عن إغلاق الحدود مع القطاع حتى إشعار آخر، وتأجيل المفاوضات في القاهرة. ويمكن الحديث كثيراً عن فشل العمل العربي الرسمي، بما فيه الفلسطيني، وبمختلف مستوياته، في دعم أهالي القطاع، كما في عدم استثمار صمود وإنجازات المقاومة هناك. لكن من المشكوك فيه أن يؤدي هذا كله إلى شيء. والمطلوب الذي ربما قد يساعد في "حلحلة" الموقف، هو "كتاب أبيض" تعدّه حركة "حماس".
ارتكبت "حماس"، من وجهة نظر "الدولة المصرية"، خطأين أكيدين على الأقل، وهناك إشارات إلى خطأ ثالث. وأول الأخطاء هو تجاوز "الدولة العميقة" في مصر. والدولة العميقة، كما هو معروف، مصطلح فحواه أنّ هناك أجهزة بيروقراطية وأمنية تقرر وترسم السياسات، ولا تنتظر بالضرورة قرارا من المستوى السياسي حتى تقرر ماذا تفعل. وبالتالي، يمكن لهذه الأجهزة أن تخالف الحكومات والوزراء، وحتى قيادة الدولة أحياناً، بناءً على تقييمها للمصلحة السياسية أو الوطنية. وهذا الأمر ليس حكراً على مصر، ولكنه موجود في دول عديدة؛ إذ قد يرى ضابط مخابرات رفيع نفسه أقدر على تقدير المصلحة من كل القيادة السياسية. وعندما تخيلت حركة "حماس" أنّه مع تغير الوضع في مصر -بتغير الرئيس ومجيء محمد مرسي وحكومته- يمكن تغيير قنوات الاتصال ولو جزئيّاً، ويمكن توقع سياسة جديدة، تستدعي أن ينزل إسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس"، عند فوز مرسي لتوزيع الحلوى والاحتفال بفوز الأخير، فإنها استعدت أجزاء من المؤسسات المصرية. فقد رأى قائمون على هذه الأجهزة أن سلوك "حماس" في العهد الجديد وتوقعاتها، فيهما نوع من الانحياز، بل وربما تدخل في شأن داخلي مصري، كما قد يرونه أيضاً محاولة لفرض عمليات اتصال وقرار جديدة، تعاند صلاحياتهم ومسؤولياتهم.
الخطأ الثاني، كان تلك الاستعراضات المؤللة (باستخدام آليات الأمن ودرجاتها النارية) في قطاع غزة، ورفع شعار "رابعة". وهو الأمر الذي اضطر عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، إلى الاعتذار عنه.
أما الأمر الثالث الذي يستخدم مبررا لفرض الطوق على قطاع غزة، فهو فرضية التداخل بين "حماس" والإرهابيين في سيناء. ومن المبرر لأي منصف أن يرفض كثيراً من الاتهامات التي توجه إلى "حماس"، بالتورط المباشر فيما يحدث في سيناء، خاصة مع محدودية المعلومات التي تقدم صراحةً كأدلة على ذلك. في الوقت ذاته، لا يمكن أبداً تجاهل أنّ حالة الإغلاق في غزة صنعت طبقة مهربين، وتجارا، وعائلات، ونشطاء (بمن فيهم المخلصون والمؤمنون بقضيتهم)، ومستفيدين من حالة الفلتان. وعملياً، لا تتحمل "حماس" وحدها وزر هذه الحالة الناشئة، بل تتحملها معها مصر التي لم تعمل على تطبيع الوضع، وإلغاء الأنفاق والاقتصاد غير الرسمي (وغير الشرعي) في سيناء وغزة، لصالح وضع علني واضح. والحالة الناشئة عن هذا الوضع وصفة مثالية لظهور تنظيمات "القاعدة" وتفرعاتها التي تظهر حيث الفوضى عادة، وحيث تختلط القبلية بالمال وبالأيديولوجيا.
بغض النظر عن خيبة الأمل من محدودية المساندة العربية في غزة، فإن "حماس" بحاجة إلى محاولة "تصفير العداد"، وإصلاح العلاقة مع جهات صنع القرار في مصر. وهذا قد يتطلب مصارحة ومكاشفة، وحتى اعترافا بأخطاء ما، وربما كشف ملفات وجهات قد تكون مسّت بالأمن المصري؛ بمعنى تجاوز حالة التبرؤ من أي دور في سيناء، إلى إعلان مشاركة حقيقية تتضمن، أولا، إعادة تشكيل الموقف السياسي الفلسطيني الداخلي مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وثانياً، تأكيد أسس جديدة لموقف "حماس" من أي متغير داخلي يحدث في أي دولة عربية. وثالثاً، طرح أسس مشاركة حقيقية لحفظ الأمن في سيناء، ويكون هذا بوابة لتطبيع الوضع في غزة. وهذا قد يتطلب من "حماس" إصدار وثيقة (بالتنسيق مع المصريين عبر وسطاء)، تكون ما يعرف اصطلاحاً في العمل السياسي باسم "كتاب أبيض"؛ يتضمن مراجعة للوضع الذي حصل، وتوضيح ما هو ملتبس، وتصورا للمرحلة المقبلة، بما تتطلبه من تعهدات.