وخلافاً للعدوانيْن السابقين عامي 2008 و2012 وآلاف الاعتداءات الإسرائيلية شبه الدائمة منذ احتلال القطاع عام 1967، فإن العدوان الأخير الذي انتهى في 26 الشهر الماضي كان الأكثر قتلاً وتدميراً وتأثيراً سلبياً على حياة «الغزيين»، وحفر جرحاً غائراً في نفوسهم.
وعلى رغم أن إسرائيل شنت حرباً غير مسبوقة في شراستها على القطاع، راح ضحيتها 2197 فلسطينياً، من بينهم 532 مقاوماً، و1666 مدنياً، من ضمنهم 530 طفلاً، و299 امرأة، فإن «الغزيين» ظلوا صامدين ولم يستسلموا أو يرفعوا الراية البيضاء. ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أي انتصار، فيما تحققت وحدة ميدانية عسكرية، عكست نفسها في تشكيل فريق موحد للمرة الأولى في التاريخ الفلسطيني الحديث للتفاوض مع إسرائيل.
لكن بعد شهر تقريباً على وضع الحرب أوزارها وانقشاع غبار المعركة، بات واضحاً أن هذه الوحدة هشة، فعاد الانقسام الداخلي في أسوأ صوره، ما ترك آثاراً نفسية على «الغزيين»، وبات كل الأبواب موصداً في وجههم، إذ لا يزال الحصار المشدد مفروضاً على القطاع، وبوابة معبر رفح الحدودي مواربة، وأزماتهم الكثيرة تتفاقم في شكل غير مسبوق، من دون أن يبدو أن هناك حلولاً تلوح في الأفق، كما يرى معظم «الغزيين»، فأزمة انقطاع التيار الكهربائي لا تزال تراوح مكانها، وبالكاد يصل التيار ست ساعات يومياً، تتخللها أحياناً ساعات من القطع. ولم تُجدِ وعود حكومة الوفاق وسلطة الطاقة والشركة المالكة لمحطة توليد الكهرباء نفعاً، بتوفير تيار كهربائي لساعتين إضافيتين يومياً، لتصبح ساعات وصل التيار ثمانية.
كما لا تزال أزمة المياه على حالها، فالمياه شحيحة ومالحة جداً، ولها مذاق يشبه مذاق مياه البحر، فيما ترتفع فيها معدلات ملح النترات الضار بمقدار يفوق بكثير المعدلات المسموح بها عالمياً، ما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان أن 90 في المئة منها غير صالحة للاستخدام الآدمي.
وكتب ناجي القيق على «فايسبوك»: «مياه البحر ملوثة ولا تصلح للاستحمام، لكن مياه البحر (المالحة) التي تصلنا عبر (أنابيب) البلدية (الى المنازل) صالحة للاستحمام في البيت؟!!».
ونشر محمد أبو نصر على «فايسبوك» رسماً للشخصية المعروفة على شبكات التواصل الاجتماعي «باسم الوجه» كتب عليه: «ألمانيا تحتفل بمرور 30 عاماً على عدم قطع الكهرباء، نفسي نحتفل بمرور ثلاثة أيام».
أما أزمة الأزمات التي تواجه «الغزيين» اليوم، فتتمثل في تحديات إعادة إعمار نحو 20 ألف وحدة سكنية مدمرة كلياً، وأكثر من ضعفها مدمرة جزئياً، وكذلك البنى التحتية، ما يتطلب أربعة بلايين دولار، حسب تقديرات حكومة الوفاق الوطني.
وتسعى الحكومة إلى إقناع الدول المانحة إلى توفير هذه البلايين الأربعة لدى انعقاد مؤتمرها في 12 الشهر المقبل في القاهرة، فيما لا يزال نحو 60 ألف مشرد يقيمون في مدارس نظراً لتدمير منازلهم وعدم إيجاد أي بدائل لهم حتى الآن.
وقال رئيس الحكومة رامي الحمد الله، إن الحكومة انتهت من مرحلة الإغاثة، وتنخرط حالياً في مرحلة الإنعاش المبكر، وتستعد للمرحلة الثالثة المتمثلة في إعادة الإعمار.
لكن «الغزيين» لديهم شكوك كبيرة إزاء توفير المبالغ المطلوبة، وشكوك أكبر إزاء بدء عملية إعادة الإعمار في ظل المناكفات السياسية وتصريحات رئيس الحكومة وقادة حركة «فتح» بعدم دفع أي أموال ما لم تنته سيطرة «حكومة الظل» التي أبقت عليها «حماس» منذ أن استقالت حكومتها، وسلمت مقاليد الحكم «صورياً» للحكومة الجديدة، فيما يرى «غزيون» آخرون أن حكومة الحمد الله تمثل «حكومة الظل» العاجزة عن تقديم سبل العيش الكريم لهم أو تقديم أي خدمات في القطاع.
وكتب ذوالفقار سويرجو على «فايسبوك»: «حد (أي شخص) يستأجر جزيرة ويأخذ كل قيادتنا رحلة عليها ويحرق المراكب، فما زال هناك أمل».
ومع انسداد الأفق السياسي وعدم قدرة الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية على إحداث أي اختراق في جدار الرفض والتعنت الإسرائيلي، فإن «الغزيين» يعتقدون أنهم يعيشون أوضاعاً أسوأ من تلك التي عايشها آباؤهم وأجدادهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، أو تشبهها إلى حد بعيد على الأقل.
لذا أصيب «الغزيون» بالإحباط واليأس والاكتئاب وفقدان الأمل، وما يصفه أطباء وخبراء نفسيون بـ «كرب ما بعد الصدمة»، تجاه فرص إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الداخلية المطلوبة لمواجهة تحديات رفع الحصار، وإعادة الإعمار، ودحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ويوماً بعد يوم تزداد الهوة اتساعاً بين «الغزيين» والنخب السياسية الرسمية وغير الرسمية. وكتبت عبير أيوب على «فايسبوك»: «هل أوصلتنا السياسة في قطاع غزة إلى درجة أن نصلي (صلاة) الغائب على ضحايا حريق أحد المصانع في تركيا... وننسى صلاة الغائب على أرواح شباب غزة الذين ابتلعهم البحر؟؟».
وطفت على السطح أخيراً أزمة جديدة خطيرة، تمثلت في رغبة شبان متعلمين وعائلات بكاملها في الهجرة من القطاع، والبحث عن شعاع أمل في بلاد الله الغنية الواسعة بحثاً عن حرية وأمن وفرص عمل وكرامة مفقودة، وبعيداً من صراع حزبي بين «فتح» و «حماس» يعتقدون أنه ألحق ضرراً بالقضية الفلسطينية أكثر من إسرائيل.
وكتب المحامي عصام عابدين على حسابه على «فايسبوك: «استيقظت من كابوس غير مزعج رأيت فيه أن كل القيادات الفلسطينية غرقت في سفينة في عرض البحر، ولم يلحظ أحد غيابهم عن المشهد على الإطلاق!».
وعلى رغم أن شعبية «حماس» وفصائل المقاومة عموماً شهدت أثناء العدوان ارتفاعاً غير مسبوق، إلا أن هذه الشعبية أخذت في التراجع، فيما تقف الفصائل الأخرى موقف المتفرج العاجز عن فعل أي شيء.
وقوبلت تصريحات القيادي البارز في «حماس» محمود الزهار الخميس الماضي بأن شعبية الحركة تصل الآن إلى نحو 94 في المئة، باستغراب واستهجان كبيرين وسخرية حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبت سمر النباهين على «فايسبوك»: «بكرا (غداً) غزة نصها (نصفها) بيهاجر، ونصها التاني بيموت بالحروب، وبيطلع هو من نفقه الآمن، وبيُحكم عيلته وللي بيقربو له، وبيضل (يبقى) يُحكم فيهم للأبد... موّتونا... دمرونا. وأنا عن نفسي بدي (أريد أن) أهاجر وأسيبله (وأترك له) إياها يحكمها. يا رب بس بطنه وبطون غيره من أبواق إيران تتعبّى وتشبع».
وعلى رغم أن شعبية الحركة وفصائل المقاومة لا تزال مرتفعة، إلا أن كثيراً من الغزيين يرى أن شعبية «حماس» ستواصل التراجع والانحدار كلما تفاقمت الأزمات وطال أمد الإعمار والحصار.
وكما أوقع العدوان عام 2008 خلافات بين قادة الحركة، فإن العدوان الأخير أظهر خلافات أيضاً بين قيادات وأقطاب في الحركة يمثلون الداخل والخارج. ويتزعم الزهار ومعه قيادات «حمساوية غزية» التيار المناوئ لرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل وعدد من القيادات المقربة منه في الدوحة، علماً بأن العلاقة بينهما وصلت إلى القطيعة، ما ظهر جلياً في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة.
وعلى رغم أن إسرائيل شنت حرباً غير مسبوقة في شراستها على القطاع، راح ضحيتها 2197 فلسطينياً، من بينهم 532 مقاوماً، و1666 مدنياً، من ضمنهم 530 طفلاً، و299 امرأة، فإن «الغزيين» ظلوا صامدين ولم يستسلموا أو يرفعوا الراية البيضاء. ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أي انتصار، فيما تحققت وحدة ميدانية عسكرية، عكست نفسها في تشكيل فريق موحد للمرة الأولى في التاريخ الفلسطيني الحديث للتفاوض مع إسرائيل.
لكن بعد شهر تقريباً على وضع الحرب أوزارها وانقشاع غبار المعركة، بات واضحاً أن هذه الوحدة هشة، فعاد الانقسام الداخلي في أسوأ صوره، ما ترك آثاراً نفسية على «الغزيين»، وبات كل الأبواب موصداً في وجههم، إذ لا يزال الحصار المشدد مفروضاً على القطاع، وبوابة معبر رفح الحدودي مواربة، وأزماتهم الكثيرة تتفاقم في شكل غير مسبوق، من دون أن يبدو أن هناك حلولاً تلوح في الأفق، كما يرى معظم «الغزيين»، فأزمة انقطاع التيار الكهربائي لا تزال تراوح مكانها، وبالكاد يصل التيار ست ساعات يومياً، تتخللها أحياناً ساعات من القطع. ولم تُجدِ وعود حكومة الوفاق وسلطة الطاقة والشركة المالكة لمحطة توليد الكهرباء نفعاً، بتوفير تيار كهربائي لساعتين إضافيتين يومياً، لتصبح ساعات وصل التيار ثمانية.
كما لا تزال أزمة المياه على حالها، فالمياه شحيحة ومالحة جداً، ولها مذاق يشبه مذاق مياه البحر، فيما ترتفع فيها معدلات ملح النترات الضار بمقدار يفوق بكثير المعدلات المسموح بها عالمياً، ما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان أن 90 في المئة منها غير صالحة للاستخدام الآدمي.
وكتب ناجي القيق على «فايسبوك»: «مياه البحر ملوثة ولا تصلح للاستحمام، لكن مياه البحر (المالحة) التي تصلنا عبر (أنابيب) البلدية (الى المنازل) صالحة للاستحمام في البيت؟!!».
ونشر محمد أبو نصر على «فايسبوك» رسماً للشخصية المعروفة على شبكات التواصل الاجتماعي «باسم الوجه» كتب عليه: «ألمانيا تحتفل بمرور 30 عاماً على عدم قطع الكهرباء، نفسي نحتفل بمرور ثلاثة أيام».
أما أزمة الأزمات التي تواجه «الغزيين» اليوم، فتتمثل في تحديات إعادة إعمار نحو 20 ألف وحدة سكنية مدمرة كلياً، وأكثر من ضعفها مدمرة جزئياً، وكذلك البنى التحتية، ما يتطلب أربعة بلايين دولار، حسب تقديرات حكومة الوفاق الوطني.
وتسعى الحكومة إلى إقناع الدول المانحة إلى توفير هذه البلايين الأربعة لدى انعقاد مؤتمرها في 12 الشهر المقبل في القاهرة، فيما لا يزال نحو 60 ألف مشرد يقيمون في مدارس نظراً لتدمير منازلهم وعدم إيجاد أي بدائل لهم حتى الآن.
وقال رئيس الحكومة رامي الحمد الله، إن الحكومة انتهت من مرحلة الإغاثة، وتنخرط حالياً في مرحلة الإنعاش المبكر، وتستعد للمرحلة الثالثة المتمثلة في إعادة الإعمار.
لكن «الغزيين» لديهم شكوك كبيرة إزاء توفير المبالغ المطلوبة، وشكوك أكبر إزاء بدء عملية إعادة الإعمار في ظل المناكفات السياسية وتصريحات رئيس الحكومة وقادة حركة «فتح» بعدم دفع أي أموال ما لم تنته سيطرة «حكومة الظل» التي أبقت عليها «حماس» منذ أن استقالت حكومتها، وسلمت مقاليد الحكم «صورياً» للحكومة الجديدة، فيما يرى «غزيون» آخرون أن حكومة الحمد الله تمثل «حكومة الظل» العاجزة عن تقديم سبل العيش الكريم لهم أو تقديم أي خدمات في القطاع.
وكتب ذوالفقار سويرجو على «فايسبوك»: «حد (أي شخص) يستأجر جزيرة ويأخذ كل قيادتنا رحلة عليها ويحرق المراكب، فما زال هناك أمل».
ومع انسداد الأفق السياسي وعدم قدرة الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية على إحداث أي اختراق في جدار الرفض والتعنت الإسرائيلي، فإن «الغزيين» يعتقدون أنهم يعيشون أوضاعاً أسوأ من تلك التي عايشها آباؤهم وأجدادهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، أو تشبهها إلى حد بعيد على الأقل.
لذا أصيب «الغزيون» بالإحباط واليأس والاكتئاب وفقدان الأمل، وما يصفه أطباء وخبراء نفسيون بـ «كرب ما بعد الصدمة»، تجاه فرص إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الداخلية المطلوبة لمواجهة تحديات رفع الحصار، وإعادة الإعمار، ودحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ويوماً بعد يوم تزداد الهوة اتساعاً بين «الغزيين» والنخب السياسية الرسمية وغير الرسمية. وكتبت عبير أيوب على «فايسبوك»: «هل أوصلتنا السياسة في قطاع غزة إلى درجة أن نصلي (صلاة) الغائب على ضحايا حريق أحد المصانع في تركيا... وننسى صلاة الغائب على أرواح شباب غزة الذين ابتلعهم البحر؟؟».
وطفت على السطح أخيراً أزمة جديدة خطيرة، تمثلت في رغبة شبان متعلمين وعائلات بكاملها في الهجرة من القطاع، والبحث عن شعاع أمل في بلاد الله الغنية الواسعة بحثاً عن حرية وأمن وفرص عمل وكرامة مفقودة، وبعيداً من صراع حزبي بين «فتح» و «حماس» يعتقدون أنه ألحق ضرراً بالقضية الفلسطينية أكثر من إسرائيل.
وكتب المحامي عصام عابدين على حسابه على «فايسبوك: «استيقظت من كابوس غير مزعج رأيت فيه أن كل القيادات الفلسطينية غرقت في سفينة في عرض البحر، ولم يلحظ أحد غيابهم عن المشهد على الإطلاق!».
وعلى رغم أن شعبية «حماس» وفصائل المقاومة عموماً شهدت أثناء العدوان ارتفاعاً غير مسبوق، إلا أن هذه الشعبية أخذت في التراجع، فيما تقف الفصائل الأخرى موقف المتفرج العاجز عن فعل أي شيء.
وقوبلت تصريحات القيادي البارز في «حماس» محمود الزهار الخميس الماضي بأن شعبية الحركة تصل الآن إلى نحو 94 في المئة، باستغراب واستهجان كبيرين وسخرية حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبت سمر النباهين على «فايسبوك»: «بكرا (غداً) غزة نصها (نصفها) بيهاجر، ونصها التاني بيموت بالحروب، وبيطلع هو من نفقه الآمن، وبيُحكم عيلته وللي بيقربو له، وبيضل (يبقى) يُحكم فيهم للأبد... موّتونا... دمرونا. وأنا عن نفسي بدي (أريد أن) أهاجر وأسيبله (وأترك له) إياها يحكمها. يا رب بس بطنه وبطون غيره من أبواق إيران تتعبّى وتشبع».
وعلى رغم أن شعبية الحركة وفصائل المقاومة لا تزال مرتفعة، إلا أن كثيراً من الغزيين يرى أن شعبية «حماس» ستواصل التراجع والانحدار كلما تفاقمت الأزمات وطال أمد الإعمار والحصار.
وكما أوقع العدوان عام 2008 خلافات بين قادة الحركة، فإن العدوان الأخير أظهر خلافات أيضاً بين قيادات وأقطاب في الحركة يمثلون الداخل والخارج. ويتزعم الزهار ومعه قيادات «حمساوية غزية» التيار المناوئ لرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل وعدد من القيادات المقربة منه في الدوحة، علماً بأن العلاقة بينهما وصلت إلى القطيعة، ما ظهر جلياً في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة.