اطلس- أول من يصل المصابين والشهداء والجرحى ويهبوا لنجدتهم وسط الدمار والقصف والحرب هم رجال الإسعاف ، كلمة حق تقال فيهم بعدما قدموا حياتهم رخيصة لإسعاف ونجدة المصابين وخاصة في الحروب والأحداث المتتالية في قطاع غزة ، والتي كان أخرها الحرب التي ما زالت على القطاع .
يمارس المسعفون أخطر الوظائف الطبية أثناء الحروب والأحداث الواقعة في فلسطين ، إذ يقدمون رعايةً فوريةً لإنقاذ الأرواح إلى المصابين ويجْلونهم من الخطوط الأمامية إلى أماكن آمنة.
ففي الحروب هناك من يحتمي من الضرب وآخر يهاجم، كما يوجد شهداء يجب إخلاء الميدان منهم، ومصابون يجب إسعافهم، منهم من قد يفصل بينه وبين الموت لحظات، وهؤلاء فور سقوطهم نحتاج دومًا إلى "مسعف".
الشهداء يصبحون رقمًا داخل سيارات الإسعاف، أما المصابون فسباق مع الزمن يبدأ عند تلقى نداء الاستغاثة، "نضطر للعمل دون توقف هدفنا إنقاذ الأرواح والعمل على الوصول للمصابين بأقل وقت ممكن ونجدة اكبر قدر ممكن "كلمات قالها عوني خطاب مدير إسعاف المنطقة الوسطى ، ، مضيفًا: "لم نشعر بالتعب ولا الإرهاق رغم ساعات العمل الطويلة إلا أن مشاهد المصابين والشهداء كانوا وقودنا في العمل وأداء الواجب الانسانى ".
يروى خطاب أصعب الذكريات في حياته التي شاهدها خلال عمله قائلا لدنيا الوطن " من أكثر المواقف الخطيرة التي أثرت في حياتي حينما شاهدت زملائي في العمل مصابين أمام عيني في منطقة المغازى ، وفى ليلة عيد الأضحى استهدفت دبابة إسرائيلية تتمركز على حدود المغازى منزلا للأبرياء ، حينما كنت متواجدا لوحدى في الإسعاف بدون مساعد ، حيث شاهدت منظرا مرعبا في الحقيقة لم أتمالك نفسي حينها من كثرة الإصابات ، فاضطررت أن أضع خمس إصابات داخل الإسعاف دفعة واحدة لنقلهم للمستشفى ، ولم يكن متسع داخله لسادس بعدما اجبرنى المواطنين الذين تواجدوا في المكان ".
" مناشدات وسائل الإعلام بضرورة توجه سيارات الإسعاف لاماكن الأحداث ، كلمات تزعجني صراحة لأننا نكون أصلا وصلنا قبل أن يعرف احد بالحادثة " قالها خطاب مضيفا " نتحرك في نقطة الإسعاف بناء على الاتصال لتحديد المكان ومعرفة عدد الإصابات لتصل سيارات الإسعاف بعد تحديد المكان وعدد السيارات التي ستخرج لنقل الجرحى ، ونتحرك بشكل ميداني حينما نسمع صوت القصف في منطقة قريبة من تواجدنا ، حيث يعمل حاليا في وقت الحرب 25 ضابط إسعاف في المنطقة الوسطى بالإضافة للمتطوعين الذين يتم استدعائهم لتغطية اى عجز ، على مدار الساعة خاصة في هذه الأيام "
ولا يمكن لخطاب أن ينسى أسرة عائلة العواودة الذين استهدفهم الاحتلال بصواريخه ليشاهد أمامه مناظر تقشعر له الأبدان ، حيث أطفال ممزقة أجسادهم ، ومكسرة جماجم رأسهم ومفرغة من محتواها ، مشيرا إلى أن القصف يصيب اى شخص متواجد في المكان حتى لو كان على بعد 50 مترا من مكان الاستهداف .
مضيفا إلى انه في بعض الأوقات كان ينطق الشهادتين قبل دخوله المكان المستهدف نظرا للخطر المحدق بحياتهم هو والطاقم المرافق له ثم يقوموا بواجبهم ، كشهداء أحياء في ارض المعركة .
كخلية نحل يعملون في مقرهم وسط دير البلح ، مجموعة ينتظرون اى اتصال هاتفي لإعطاء الأوامر لضباط الإسعاف والممرضين للانطلاق نحو الهدف ، ومن ثم التواصل معهم على شبكات اللاسلكي الخاصة بطاقم الهلال الأحمر ، وإبلاغ مقر القيادة بتفاصيل الحادثة وتسجيل الواقعة على الفور وإيصال المصابين إلى المستشفيات ، ثم تعود سيارة الإسعاف إلى المكتب الرئيسي ، لينتظرها طاقم أخر من المتطوعين يقوموا بغسل سيارة الإسعاف من الداخل وإزالة الدماء وأثار الجرحى منه ، لتكون جاهزة مرة أخرى لاستقبال جريح أخر ومصاب .
وأضاف خطاب الذي يعمل في صفوف الهلال الأحمر ضابطا للإسعاف منذ 24 عاما " عملنا انسانى ومن إخلاصنا في العمل يمدنا الله بالصبر ، حيث تمر مواقف كثيرة إثناء عملي لكن نعمة النسيان تزيل المواقف الصعبة لأعيش حياتي طبيعية مع أفراد اسرتى ، ومن الخبرة التي اكتسبتها اعطتنى قوة تحمل غير مسبوقة بحمد الله ، وحينما أشاهد خدمتي في عيون المصابين ومأساة الناس اشعر بالفرحة في عملي الانسانى ، فحينما أشاهد بسمة اطفالى انسي كل هموم وتعب العمل ".
حيث عرف أبنائه طبيعة عمل والدهم يستقبلوه ويودعوه بابتسامة ومزاح ، فحينما يسمعوا أطفاله صوت انفجار وصاروخ يقولوا هذا بالون ، لأنهم يعرفون أن والدهم في قلب الحدث وفى مكان انفجار الصاروخ ، فأمدهم عمل والدهم بالثقة وتعلموا الشجاعة .
ورغم تعرض المسعف نادر البحيصى " 30 عاما " لإصابة في يده وإصابة سيارة الإسعاف التي كان يستقلها بصاروخ طائرة أف 16 ، إلا انه تماثل للشفاء على الفور برفقة صديقه المصاب ليواصل عمله رغم إصابته ، وقال " وصلت إلى منزل تم ضربه بصاروخ تحذيري من طائرة استطلاع ، ومن المعروف أن الاستهداف الحقيقي يكون بعد دقائق من الصاروخ التحذيري ، فوصلت قبل سقوط الصاروخ المدمر ، وأصبت في يدي برفقة زميلي ، وتضررت سيارة الإسعاف ، وواصل عملي رغم الإصابة "
وتدرك الطواقم الطبية ورجال الإسعاف عندما تتحرك لإنقاذ الجرحى بعد الغارات الصهيونية، أنها تخوض عملية فدائية تواجه فيها مخاطر الاستهداف، بعد أن استباحت قوات الاحتلال كافة القوانين الدولية، وحولت ضباط الإسعاف وسياراتهم إلى أهداف لقذائفها الصاروخية والمدفعية.
وأشار البحيصى لمراسل دنيا الوطن أن مخاطر مهنته لم تقتصر على سرعة الاستجابة لنداء الاستغاثة بل امتد للقصف الذي قد يواجهونه لحظة وصولهم للمكان الذي يتواجد فيه المصابين ، وأضاف " كرر الاحتلال الاسرائيلى استهدافنا أكثر من مرة خلال عملنا ، حيث أصيب زميلي عام 2012 حينما وصلنا لمسجد تم استهدافه وبعد دخولنا لنجدة المصابين تم استهداف المسجد بصاروخين من طائرة أف 16 ، ومع ذلك احترم مهنتي جدا "
وقد أصيب ضابط الإسعاف حسن حسني الحيلة (44 عامًا) بشظايا قذيفة مسمارية في ذراعه الأيمن في الحرب عام 2012 ، عندما كان يحاول إنقاذ مصابين شرق رفح جنوب قطاع غزة، بينما أصيبت سيارة الإسعاف بأربعين شظية دفعة واحدة.
كما بترت قدم المسعف أنور أبو هولي " من سكان المخيم المغازى ، بعد الغارة التي شنتها طائرات الاحتلال على المسعفين شرق المغازى في الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2008 .
جنود الثورة المجهولون بالتحرير.. حكايات "أبطال الظل" في هذه الأيام ، المسعفون ورجال "المطافئ" وأطباء المستشفيات ، سيبقوا هم شهود عيان على ميلاد الحرية لفلسطين