اطلس- اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس شمال الضفة الغربية بألف جندي تقريباً واعتقال العشرات من ناشطي حماس هناك، لا يتعلق بـ"البحث" الإسرائيلي عن المستوطنين المخطوفين، بل يبدو جزءاً من عملية "متدحرجة" تتسع رقعة كل يوم هي الأكبر منذ عملية "السور الواقي" التي اجتاح فيها جيش الاحتلال كامل الضفة الغربية، منذ 11 عاماً، وأعادت احتلال مدنها.
فإسرائيل شخّصت نافذة ذهبية لشنّ حرب على حماس على أرضية مريحة دولياً بتبرير عملية "خطف المستوطنين". فالحكومة المصغرة لشؤون الأمن، التي باتت تنعقد كل يوم تقريباً، قررت تعميق وتوسيع الحرب على حماس بتكثيف الاعتقالات الليلية اليومية وتدمير البنى التحتية وإغلاق المؤسسات الخيرية والاجتماعية التابعة للحركة من شمال إلى جنوب الضفة الغربية، ولعلّ في حديث نتنياهو عن أن العملية العسكرية قد تتطلب وقتاً طويلاً. وتأكيد رئيس أركان الجيش الاسرائيلي بأن الجيش يستعد لمواجهة كبرى، ما يعزز اعتراف مصادر عسكرية إسرائيلية بأن العملية العسكرية ستواصل من دون علاقة لموعد وكيفية انتهاء قضية "خطف المستوطنين الثلاثة"، وأنها قد تمتد لأسابيع أو حتى لأشهر قادمة.
ومن هنا فإن إسرائيل تستغل خطف المستوطنين لإعادة سيطرتها أمنياً وعسكرياً على كل الضفة الغربية لكن بأسلوب أقل ضجيجاً، في هذه المرحلة على الأقل، وإن كان توسيع رقعة العمليات أعاد السخونة إلى الأراضي الفلسطينية، حيث تتوالى عمليات إطلاق النار على حواجز إسرائيلية جنوب الضفة. وادعى الجيش الإسرائيلي أنه أحبط محاولة تسلل إلى مستوطنة "كوخاف يعقوب"، المجاورة لرام الله وفتح النار على ثلاثة فلسطينيين قرب سياج المستوطنة وأصاب أحدهم واعتقلهم.
ولا تسقط إسرائيل من حساباتها إمكانية انفجار مواجهة مع قطاع غزة، ومن هنا هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما وزير دفاعه، بأن إسرائيل ستصعد ضرباتها الجوية وقد تستأنف سياسة الاغتيالات لقيادات حماس، ولزيادة الضغط على الحركة تهدد إسرائيل بإبعاد ناشطي حماس المعتقلين وأسراها الإداريين أيضاً إلى قطاع غزة.
نتنياهو وعباس.. "أول اتصال منذ عام"
تدعي مصادر في مكتب نتنياهو بأن ثمةَ ضغطاً كبيراً يمارس على الرئيس الفلسطيني مؤخراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عزته المصادر ذاتها إلى إصرار نتنياهو، منهجياً، على تحميله المسؤولية عن عملية الخطف والحديث يومياً على "تحالف حماس عباس" كما يسميه نتنياهو، الأمر الذي يقلق واشنطن التي تخشى أن تفلت الأمور من السيطرة ميدانياً وتجهض أي إمكانية لإحياء المفاوضات يوماً ما.
وبحسب الإسرائيليين، فقد بادر عباس إلى الاتصال بنتنياهو لأول مرة منذ عام، بعد أن أصدر بياناً دان فيه "عملية الخطف"، كما دان فيه الإجراءات الإسرائيلية في الخليل وسواها وحملة الاعتقالات"، فيما شدد نتنياهو في الاتصال الهاتفي على أن الخاطفين خرجوا من منطقة تخضع للسلطة وعادوا إلى أخرى تخضع لها أيضاً.
واعتبر أن التحالف مع حماس يضر إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة، ومن هنا بدا نتنياهو محتداً، بعد أن اتصل بوزير الخارجية الأميركي أيضاً، من ضعف نبرة الإدانة الدولية، لكن إسرائيل تدعي أن واشنطن ستسحب اعترافها بالحكومة الفلسطينية إن تيقنت من أن حماس نفذت عملية الخطف. وذهب الادعاء الإسرائيلي إلى حد القول إن "السلطة الفلسطينية" قد تفض أي ارتباط مع حماس إن ثبت لديها أن حماس قامت بالخطف"، وهو ما نفاه مسؤول فلسطيني لـ"العربية.نت".
وماذا عن "عملية الخطف"؟
لم تتغير القراءة الاستخباراتية الإسرائيلية، حتى الساعة والتي ترجح أن الخلية الخاطفة والمستوطنين المخطوفين لا يزالون في الضفة الغربية وفي منطقة الخليل تحديداً، ولهذا يبقى التركيز الاستخباراتي والعسكري على المدينة وقراها. وتدعي إسرائيل أنها باتت تملك معلومات تشكل تقدماً ما، وأنها تضيق الخناق يومياً على الخاطفين.
ويهدف دفع كميات هائلة من الجنود والوحدات الخاصة إلى منع تحرك الخلية وإغلاق الباب على أي محاولة لإخراج المخطوفين إلى خارج الضفة الغربية، لكن المحبط بالنسبة للإسرائيليين هو أن إسرائيل تلعب "الشطرنج" مع نفسها في هذه المرحلة. فلم يتبن أحد العملية ولم يطالب أحد بصفقة تبادل - في حال شاليط تم ذلك بعد ثلاثين ساعة من أسره - وما تخشاه إسرائيل هو أن الخاطفين قد يدخلون في غيبوبة طويلة الأمد، بمعنى أنهم لن يصدروا أي مؤشر من أي نوع لفترة طويلة، وهذا يقود إسرائيل إلى الاعتقاد بأن "الخلية الخاطفة" هي (مبادرة) وتأطر محلي لحماس في الخليل، لا علم به للقيادة السياسية في غزة أو الخارج، وأن الخاطفين أعدوا منذ زمن مخبأ تحت الأرض مجهزاً للمكوث لسنوات، يشبه ما تم الكشف عنه في قرية "عوريف"، حيث خططت خلية أخرى لخطف جنود إسرائيليين. ولا معلومات حول وضع المستوطنين ، لكن مع مرور الوقت تزداد خشية الإسرائيليين من أنهم قد يكونون قتلوا، ولا تزال إسرائيل تبحث عن ناشطين من حماس من الخليل هما مروان القواسمة وعامر أبو عيشة، اختفت آثارهما منذ الخميس الماضي موعد تنفيذ العملية.
يشار إلى أن إسرائيل التي تعتبر الضفة، خلافاً لغزة أو جنوب لبنان مثلاً، ملعباً استخباراتياً وعسكرياً، حيث يمكنها من التحرك على الأرض. ولم يسبق أن نفذت صفقة تبادل لعمليات خطف تمت في الضفة ودائماً فضلت العمل العسكري بكل ثمن. وهي تخشى من سابقة تشكل تحولاً استراتيجياً في المعادلة السائدة في الضفة الغربية، لكن الجزء الأساسي من تعقيد الأمور مرده إلى إخفاق بحجم فضيحة، بدأ باتصال أحد المخطوفين بالشرطة هامساً بأنه خطف واعتباره بلاغاً كاذباً، مروراً بانتظار ثلاث ساعات قبل أن تفهم الشرطة ما حصل وثلاث ساعات أخرى قبل أن ينزل أول جندي على الأرض بعد ست ساعات من الخطف، مكنت الخلية المنفذة من الوصول إلى مخبئها على الأغلب.