اطلس- لدكتور معتز قفيشة 27 نيسان/ أبريل 2014
لا يستطيع أحد أن ينكر أن لدى الأحزاب الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمون وبعض السلفيين، عدد لا بأس به من المتعلمين وبعض المثقفين. لكن سيطرة المفتين ورجال الدين الأميين ذوي اللحى الطويلة وأنصاف وأرباع دارسي الشريعة عندهم جعلهم يستخدمون الدين كأداة رئيسة وأحيانا وحيدة في خطابهم السياسي.
فحولوا السياسة إلى دين. فكل من خالفهم الرأي السياسي فهو يخالف الدين، أي يتحدى ويتطاول على الله. وبسبب الميل العاطفي لحب الدين لدى عامة الناس، تبعت جموع هائلة من المراهقين رجال الدين وانضموا إلى تياراتهم واستعدوا ليفدوا قادتهم (الذين يقولون لهم أنهم يجاهدون في سبيل الله) بأرواحهم.
لم يعرفوا من الإسلام إلا القليل. لم يدرسوا تاريخ ابن رشد أو فقه ابن عابدين أو أصول ابن القيم أو لغة ابن عقيل. لم يسمعوا عن بدائع الكاساني أو مصالح الشاطبي أو إنصاف المرداوي أو قواعد العز. بل أخذوا يكفرون كل من حولهم، إلى درجة تكفير المجتمع ككل.
مهد هذا لهم طريق قطع رؤوس الأبرياء وتفجير الأبراج التجارية والأسواق والمداس، بل والمساجد. يكبرون عند قتل الناس وكأنهم يذبحون غنما أو يبيدون بعوضا.
أصبح كل سفاح منهم شهيدا يلهو مع سبعين امرأة حسناء في الفردوس الأعلى! لو أن الإسلاميين لم يستغلوا الدين في السياسة واستخدموا أخلاق ومبادئ الإسلام (كالعدل والعلم والجد والشفافية والصدق والتشاور) من خلال أحزاب سياسية علمانية لحققوا أهدافهم ولساهموا في نهضة المجتمع، كما تفعل بعض الأحزاب ذات المرجعيات الأخلاقية الدينية في أوروبا وتركيا.
لكن استغلال عاطفة الناس بدل المنطق والبرامج دفعهم للطمع بل والهلع الأعمى. جعلهم هذا فارغين غير قادرين على التجديد. فهم يكررون، عقدا بعد آخر، ذات الأفكار البالية غير المقنعة لأي إنسان ذي مستوى متوسط من المعرفة.
وبدل أن يتبع المجتمع أفكار الإسلام، تبع الإسلاميون تخلف المجتمعات. وعندما يصلوا إلى طريق مسدود يلجئوا لذكر آيات وأحاديث يفسرونها حسب رغباتهم ويقولون هي من عند الله، ولكنها في الحقيقة من عندهم.
لذلك فإني أكاد أؤيد حظر كافة الأحزاب والحركات السياسية الدينية في العالم العربي. هذا لا يعني حربا على الإسلام أو تكميما للأفواه أو تقييدا لحرية الرأي والتعبير التي طالما دافعت وسأبقى أدافع عنها.
فكل سياسي لديه دين فليأتي للعمل السياسي من خلال برنامج يحقق روح الدين. ليعمل من أجل عدل القضاء. ليحارب الفساد والرشاوى والواسطات في الوزارات. ليرفع من مستوى التعليم في المدارس والجامعات. ليحث على القراءة في الباصات. ليعالج الناس في المستشفيات. ليزرع المحصولات.
ليرصف الطرقات وينير البنايات. ليطور في الاختراعات من خلال التفكر في الفلك والكواكب والمجرات. ليضع تشريعات تؤمن تحقيق التوزيع المتوازن للموارد والثروات. ليدعو الناس إلى التسامح والمحبة وتجنب الرياء والغش والنفاق والمهاترات. ليحرم القتل والتكفير والتعصب دون بينات. ليعلم الناس، من خلال وسائل الإعلام، قبول الآخر وتجنب الاتهامات. ليحرر النساء في العمل والأسرة والسفر والفكر والمؤسسات.
إذا تحققت هذه الأمور، فالدين سيطبق فعلا لا قولا. فماذا سيفيدنا الدين إذا زاد عدد أصحاب اللحى وصاحبات النقاب وهم يخفون تحت لحاهم وتحت نقابهن الجهل والنفاق والرياء؟ أريد تحقيق روح الدين عملا، ليس بالكلام. في تقديري، ومن خلال خبرتي وعلاقاتي وسفراتي، أن لدى اليابانيين والكوريين البوذيين والأمريكان المسيحيين والهندوسيين والأوروبيين العلمانيين من أخلاق وممارسات الإسلام أكثر من غالبية المسلمين.
ولا أعتقد أن اليابانيين والأمريكان والهنود والأوروبيين سيدخلون النار بسبب أعمالهم الحسنة بينما يدخل المسلمون الجنة بسيئاتهم. اللحية ليست فيزا لدخول الجنة والقنبلة ليست مهرا للحور العين.