الكاتب: د. حازم الشنار
بعد مرور أكثر من عام عليها، ماذا تحقق من استراتيجيات وبرامج تمكين المرأة اقتصاديا ؟
يعتبر إدماج النساء في حياة المجتمعات عموما وفي نشاطها الاقتصادي خصوصا مقياسا لتطور تلك المجتمعات واستثمارها الامثل لمواردها البشرية.
فكلما حققت المجتمعات مستوى اكثر تقدما في ادماج المرأة وتمكينها اقتصاديا كلما كانت معدلات نموها الاقتصادي والاجتماعي اكبر واكثر ديمومة.
وقد اولت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية منذ نشوئها موضوع دمج النساء الذين يشكلون قرابة نصف المجتمع في الحياة العامة وفي الاقتصاد خاصة اهتماما كبيرا، وصدر عن الحكومة الحالية العديد من القرارات والتوصيات، التزاما باعلان الرئيس محمود عباس المبكرعن تبني السلطة الوطنية الفلسطينية لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) بدون تحفظات.
وعليه فقد كان بودي ان ازف الى المرأة بمناسبة عيدها العالمي اخبارا سارة عن انجازات تحققت بالنسبة لتمكينها الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني، لكني للاسف لا املك منها الا النزر اليسير حول بعض الاضاءات والتجارب الريادية الفردية التي قامت بها بعض الرياديات العصاميات خصوصا في المناطق الريفية. ففي السنوات الاخيرة عقدت عشرات الندوات والمؤتمرات، واعدت عشرات الابحاث والدراسات، وصدرت العديد من التصريحات والقرارات والتوصيات، وتم تبني العديد من الخطط والبرامج والمشاريع، وصرفت عشرات ملايين الدولارات على هذا الموضوع، لكن الحقائق الراسخة على الارض كان تغيرها محدود جدا.
وكدليل على ذلك نورد فيما يلي الارقام الصاردة لتوها عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني والتي تشير الى محدودية مشاركة المرأة في القوى العاملة فتلك البيانات تؤكد انه على الرغم من ارتفاع نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن هذه النسبة ما زالت متدنية، حيث بلغت 17.4% من مجمل الإناث في سن العمل في العام 2012 مقابل 10.3% في العام 2001. وما زالت مشاركة الرجال تزيد بحوالي 4 أضعاف مشاركة النساء والفجوة مازالت ثابتة تقريبا خلال هذه الفترة، مع وجود فجوة أيضاً في معدلات الأجرة اليومية بين النساء والرجال حيث يشكل معدل الأجرة اليومية للنساء ما نسبته 86.8% من معدل الأجرة اليومية للرجال عام 2012.
كما انه على الرغم من أن مشاركة المرأة في العمل يعتبر متطلباً تنموياً هاماً في عملية التنمية الشاملة والمستدامة، إلا أن معدلات البطالة لا زالت مرتفعة بين النساء، حيث وصلت 32.9% عام 2012 في حين كانت 13.8% عام 2001. الجدير بالذكر أن معدلات البطالة بين النساء كانت الأعلى بين النساء الحاصلات على 13 سنة دراسية فأعلى 44.6% في عام 2012.
وتشير تلك البيانات الى تدني الملكية الزراعية لدى النساء حيث ان 7.9% من الحيازات الزراعية النباتية تحوزها نساء مقابل 92.1% يحوزها ذكور، و7.6% من الحيازات الزراعية الحيوانية تحوزها نساء مقابل 92.4% يحوزها ذكور خلال العام الزراعي 2009/2010.
ويلاحظ ارتفاع نسبة الفقر لدى الاسر التي ترأسها نساء خصوصا في قطاع غزة وتزيد نسبة الأسر الفقيرة التي ترأسها أنثى في قطاع غزة عن نسبة الأسر الفقيرة التي ترأسها أنثى في الضفة الغربية؛ 29.7% و22.5% على التوالي.
وفي محاولة لاستقراء اسباب الجمود او بطء التقدم الحاصل في عملية تمكين المرأة اقتصاديا نحاول التعرف على السياسات والبرامج المعتمدة من الجهات الحكومية وغير الحكومية للمساهمة في تحقيق تلك العملية.
وهناك العديد من الجهات الحكومية ذات الاختصاص في هذه العملية اهمها وزارات الاقتصاد الوطني والمرأة والعمل والشؤون الاجتماعية والزراعة والتخطيط وغيرها حيث قام بعضها بتنفيذ برامج وخطط بالتعاون مع الجهات الدولية ذات العلاقة كمنظمة العمل الدولية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والبنك الدولي، و باقي المانحين لهذا الغرض من بينها على سبيل المثال مشروع DEEP لتمكين الاسر الفقيرة والمهمشة والذي يولي المرأة في تلك الاسر اهتماما خاصا حيث تشير البيانات المنشورة عنه الى تحقيق نجاحات ملموسة في الوصول الى اعتماد عدد كبير من الاسر على الذات بدلا من الاستمرار في الاعتماد على المساعدات.
غير ان تركيزنا في الجانب الحكومي سيكون على وزارة الاقتصاد الوطني التي تعتبر نفسها بحكم الاختصاص رائدة في هذا المجال.
وها قد مضى عام على إطلاق إستراتيجية تمكين المرأة اقتصاديا في وزارة الاقتصاد الوطني و أكثر من عام على عملية التدقيق على النوع الاجتماعي فيها فماذا تحقق منهما؟
ما أنجز هو إجراءات إدارية ولوجستية لم تتجاوز رفد وحدة النوع الاجتماعي بموظفة وتخصيص مكان للوحدة وتزويده بحواسيب وأثاث، وإجراءات تنظيمية داخلية تتلخص بتشكيل لجنة فنية من إدارات الوزارة لدعم نشاط الوحدة حيث كان من المفترض أن تبدأ بدراسة و مراجعة القوانين و الإجراءات من منظور النوع الاجتماعي، وعقد دورة تدريبية لموظفي تلك الإدارات حول إعداد ميزانية حساسة للنوع الاجتماعي ومشاركة الوحدة في بعض الدورات المعقودة لتلك الإدارات في المجالات الإدارية لبناء قدرات موظفيها.
وكان الوزير الجديد د. جواد ناجي قد أكد فور توليه لمنصبه على ضرورة تفعيل دور المرأة العاملة في القطاع الخاص وزيادة مشاركتها في العملية الاقتصادية الإنتاجية وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير البيئة القانونية والتشريعية الضرورية لتمكينها اقتصادياً، وشدد الوزير خلال لقائه وفدا من منتدى سيدات الأعمال على ضرورة دعم وتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا، وبحث السبل الكفيلة في تعزيز دور المرأة وكيفية مساهمتها في الاقتصاد الفلسطيني ودمجها في سوق العمل عبر المشاركة الأوسع للمرأة الفلسطينية في كافة المشاريع والبرامج التي تنفذها الوزارة. (الصفحة الالكترونية لوزارة الاقتصاد 30/5/2012) .
وفي نهاية السنة الفائتة (بعد سبع شهور بالضبط) أكد وزير الاقتصاد الوطني د جواد ناجي ووزيرة الشؤون الاجتماعية ربيحة ذياب، حرص الوزارتين على دمج المرأة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمختلف مكوناتها، وضمان انخراطها في تنفيذ برامج ومشاريع الوزارات، ورسم السياسات وصنع القرار.
وقال د جواد ناجي " نعمل جاهدين في وزارة الاقتصاد الوطني لتمكين المرأة في مختلف المجالات الاقتصادية بحيث تكون عنصرا أساسيا في بناء التنمية الاقتصادية، ومن اجل ذلك رحبت الوزارة بإجراء هذا التدقيق الذي شمل معظم الإدارات العامة و قمنا بالتعاون مع الفريق الوطني للتدقيق وعملنا على إزالة العقبات من أمامه، وتوفير كل ما يلزمه لإنجاح هذا الحدث الذي هدفه تحقيق العدل والمساواة بين الجنسين"، مؤكداً في الوقت ذاته "على تبني الوزارة للتوصيات التي وردت في التقرير من اجل العمل بها للنهوض والاستمرار في سياسة المساواة بين الجنسين".
(الصفحة الالكترونية لوزارة الاقتصاد 30/12/2012)
غير انه في الفترة بين التصريحين الواردين أعلاه وبعد آخرهما حتى الآن لا يوجد ما يشير بقيام الوزارة بأي نشاط لتمكين المرأة اقتصاديا أو تنفيذ الخطة الإستراتيجية أو أي إجراءات عملية على الصعيد الخارجي من برامج عملية لتمكين المرأة والتشبيك مع الشركاء الاجتماعيين باستثناء مبادرة ذاتية واحدة من وحدة النوع الاجتماعي بإقامة سوق شعبي وتدريب سيدات أعمال في قرية بيت أولا جنوب غرب الخليل في مجالات التعليب و التغليف و التسويق و السلامة الغذائية، والتي تم بناءا عليها بلورة مشروع لتمكين المرأة في المناطق المهمشة وقامت الوزارة بعرضه على المانحين للتمويل. كما انه ومنذ تسلم التقرير النهائي للتدقيق الداخلي قبل شهرين لا يوجد ما يشير انه قد تم فتحه للتنفيذ وللأخذ بتوصياته، علما بأن مسودة التقرير كان قد مضى على تسليمها للوزارة سنة كاملة.
واما في مجال مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني فانه رغم مرور اكثر من عامين على صدورها نود ان نؤكد على توصيات الدراسة البحثية بعنوان "التمكين الاقتصادي للمرأة في فلسطين" والتي كانت الجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال” أصالة" قد أصدرتها في تشرين أول2010 وان نؤكد على ضرورة تنفيذها واهمها:
إجراء تقييم احتياجات شامل لتمكين المرأة الاقتصادي في مختلف المجالات والميادين وتأسيس منتدى للتعاون والتنسيق بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة: لتشجيع المانحين، المؤسسات الدولية، المؤسسات النسوية والسلطة الفلسطينية لتنسيق الجهود وتطوير خطة إستراتيجية حول كيفية تحسين وتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة خلال السنوات العشر القادمة وتطوير مؤشرات واضحة )بالاعتماد على هذه الدراسة( لقياس التقدم عبر الوقت واستخدام نموذج المسح الحالي كدراسة أساس ضمان إجراء لقاءات دورية وضمان الفعالية وتجنب التداخل بين المانحين والسلطة الفلسطينية و تبني المشاريع والبرامج المستقبلية حسب الخطة الإستراتيجية والأولويات التي يتم تحديدها بناءا على رصد التقدم المُحرَز: بحيث يتم رصد دوري للتقدم المحرز من جانب المانحين والسلطة الفلسطينية )وزارة شؤون المرأة أو وزارة الاقتصاد الوطني( على ان يتم الرصد وفقاً للمؤشرات وان يتم رفع التقارير إلى المنتدى الجديد المقترح.
وفي مجال بناء القدرات تقترح الدراسة تزويد المؤسسات النسوية بإمكانات بناء قدرات لضمان وجود رؤى وممارسات مشتركة بخصوص التمكين الاقتصادي للمرأة وتوفير الخبرات والدعم للوزارات المعنية لتعميم التمكين الاقتصادي للمرأة في بيئة العمل والمشاريع يمكن لهذا الدعم أن يقدم من خلال مستشارين محليين أو دوليين وبتمويل من المانحين. وتقترح الدراسة خطوات للمساعدة في التغلب على الصعوبات التي تفرضها المحددات التقليدية والثقافية عن طريق القيام بحملات إعلامية وتتعلق بموضوع النوع الاجتماعي )الذكور والإناث(، مثلاً عبر الإذاعة والتلفاز. وتقترح الدراسة ان يتم التركيز في الحملات على فوائد التمكين الاقتصادي للمرأة )الدخل الشهري، التنمية، ...الخ( وكذلك القيام بحملات تتعلق بالنوع الاجتماعي في المرافق التعليمية، الوزارات، و شركات القطاع الخاص للتعريف بمفهوم التمكين الاقتصادي للمرأة. وفي الوقت نفسه نريد التأكيد على نتائج المؤتمرات التي عقدها منتدى سيدات الاعمال وعلى توصيات ورش العمل التي عقدها طاقم شؤن المرأة حول اثر الوضع الاقتصادي للمرأة وضرورة حمايتها و تمكينها من المساهمة في نمو المجتمع. واخيرا وليس اخرا لابد من التأكيد على ضرورة تنفيذ الخطة الاستراتيجية لتمكين المرأة اقتصاديا من وزارة الاقتصاد الوطني واضطلاعها بدور ريادي في توجيه الجهد الوطني والخارجي من اجل تحقيقها.