الكاتب: بسام أبو شريف
تمر هذه الأيام ذكرى الشهيد جورج حبش ، القائد العربي الذي أسس حركة قومية عربية لمواجهة الغزوة الصهيونية في فلسطين . وأسس بعد الغزوة الصهيونية الثانية في العام 1967 ، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للكفاح بالسلاح ضد الغزاة مستندا لايمان عميق بالبعد القومي الاستراتيجي لعملية تحرير فلسطين ولترابط هذه المعركة مع معارك الشعوب للتحرر الوطني ضد الاستعمار والامبريالية الجديدة.
لقد أعطى هذا القائد العربي الفذ ، الحركة الوطنية الفلسطينية صفات هي من صفاته ، من خلال الأخلاق التي حكمت نضاله وأنشأ جيلا ليناضل مكتسبا بعض هذه الصفات المميزة .
جورج حبش ، الطبيب الذي تخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت ، اكتسب من العلم ما اكتسبه آخرون درسوا في تلك الجامعة . لكنه استند لما اكتسبه من علم لخدمة قضايا نبيلة تمس حياة شعب وحياة أمة . ولم يخطو على طريق الذين استندوا للعلم كي يبنوا آمالهم وأحلامهم الخاصة .
وبرزت هنا روح التضحية بالذات من أجل انقاذ
العمل من أجل التخلص من الاستعمار الاستيطاني كان خدمة للشعب وللأمة العربية كي تنهض وتبني وتنمو وتتقدم .
نشأ جورج حبش في عائلة من الطبقة الوسطى ، محافظة على التقاليد والأعراف والأخلاق الاجتماعية العامة التي تفرضها التعاليم في الرسائل السماوية .
تربية الصدق فيها هو السائد ولا كذب فيها ولا سرقة ولا خداع ، بل تسامح وتآخي وصدق وعدالة في التعامل.
وتعلم كيف يبتعد الانسان عن التعجرف والتمييز والتفرقة . فكان متواضعا لا يتعجرف ولا يتكبر .
تفانى في العمل حين كان تلميذا وحين تخرج طبيبا وكان من المؤمنين جدا بــ" أن الله يحب أحدكم إن قام بعمل أن يتقنه ".
الاتقان كان هدفا دائما لكل عمل يشرع به أو يطلب من الآخرين القيام به .
والتزم في حياته بادارة الأمور ادارة منظمة لا تضيع الوقت سدى ولا تهدر الجهود خارج اطار .
ولذلك كان الوقت لدى جورج حبش ذا قيمة كبيرة .
الوقت كان بالنسبة له المدى المحسوب للانتاج والانجاز . وان الانجاز مرتبط بالوقت وبالتوعية .
وأعطى من خلال هذا الايمان والالتزام ، الوقت للأولويات من أجل انجاز مهام على طريق التحرير .
" بناء الكوادر بناء سياسة وأيدولوجيا ومسلكيا " ، كان لدى جورج حبش أولوية خاصة بعد أولوية تحديد الخط الاستراتيجي للعمل الثوري لانجاز التحرير.
وارتبط التركيز على بناء كوادر يمتلكون نوعية عالية من الثقافة وحسن القيام بعملهم الثوري بمسألة الوقت.
اذ أدرك الدكتور جورج حبش أن سرعة الدفع بالكفاءات تخوض المعركة مع العدو لها علاقة وثيقة بطرفين من المعادلة.
السرعة التي لا تشكل انتقاصا من تدريب الكوادر هي التي تجعل الطريق أقصر بينما السرعة التي تستنزف النوعية التي يتمتع بها الكوادر هي التي تطيل المدة .
فالوقت نسبي ومسألته مرتبطة بالنوعية والانجاز .
كان ايمان جورج حبش عميقا بمسألة هامة تتصل بكيفية مواجهة الغزوة الصهيونية. وهي أن هذه الغزوة التي تستهدف الأراضي العربية من النيل للفرات لا يمكن مواجهتها والانتصار عليها الا بالعمل القومي الموحد الذي يجند طاقات وقدرات الامة العربية تحت راية موحدة لدحر الغزاة وانهاض الأمة للالتحاق بركب التقدم والنمو والتطور .
لذلك انصب عمل المناضل جورج حبش منذ أن أعلنت دولة اسرائيل في العام 1948 وهجر الفلسطينيون من ديارهم ، انصب عمله على بناء نواة لتنظيم قومي عربي أطلق عليه فيما بعد حركة القوميين العرب .
واستمر في العمل دون هوادة لبناء هذا التنظيم حتى أصبح تنظيما قويا تمتد فرعه من الجزائر الى عدن.
وبعد أن بلور الشهيد جمال عبد الناصر "فلسفة الثورة" وثبّت هويتها الثورية كجزء من حركة التحرر العالمية ورفع شعار الصهيونية ، أيقن الدكتور جورج حبش أن تكوّن الحلم القومي قد بدأ
وتحوّلت قوة حركة القوميين العرب في البلدان العربية الى أهم الروافد الشعبية للثائر جمال عبد الناصر قائد هذه المسيرة التي باتت حلم الملايين من المحيط الى الخليج.
لعبت حركة القوميين العرب دورا بارزا في النضال القومي الذي حقق في مراحل متعددة انتصارات تاريخية على الاستعمار وبقاياه في المنطقة .
فقد ساهمت بقيادة مؤسسها في ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي وقادت النضال ضد الاستعمار البريطاني في اليمن الجنوبية وحققت انتصارا كبيرا باخراجهم من عدن للأبد . وأسست جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وترأسها كاول رئيس جمهورية في اليمن الجنوبي, مسؤول فرع حركة القوميين العرب في اليمن قحطان الشعبي . وكان قحطان عضو في اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب.
ولعبت دورا كبيرا في تحقيق الوحدة بين سوريا ومصر وشارك وزراء من الحركة في وزارة الوحدة وكان على رأسهم المناضل هاني الهندي.
حلم تحرير فلسطين كان دائما في ذهن هؤلاء الشباب الذين كونوا حركة القوميين العرب . وكانت طريقهم الى ذلك الوحدة العربية .
وتحرك شباب حركة القوميين العرب في الجزيرة والخليج بعد أن نجحت حركة القوميين العرب بتحالفاتهاالوطنية في العراق في اسقاط النظام الملكي وتأسيس الجمهورية العراقية.
فرفعت رايات امتلاك العرب لثرواتهم النفطية والغازية وسارت المظاهرات الشعبية تدعو لتأميم آبار النفط والغاز .
ونشط فرع الحركة في الكويت بقيادة الزعيم الوطني الكويتي الدكتور أحمد الخطيب وكان عضوا في اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب.
وتمكنت كتلتهم من الفوز بعدد من المقاعد البرلمانية وما زالت تحتفظ برصيدها الشعبي الكبير كقوة سياسية قومية ووطنية .
بعد هزيمة حزيران أقرت اللجنة التنفيذية خطا سياسيا جديدا استدعى تركيز عمل القائد جورج حبش وزملائه الفلسطينيين على المعركة في فلسطين .
فأسس الدكتور جورج حبش مع زملائه ، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي احتفظت في المراحل الأولى بروابط قوية مع فروع وأقاليم حركة القوميين العرب التي بدأت تعمل في البلدان العربية تحت أسماء مختلفة .
كان البعد القومي شريان حياة النضال الوطني لأي سعب من الشعوب العربية كجزء من الأمة العربية الكبيرة .
وما زال رغم أن الكثيرين من القيادات هذه الأيام لا يستوعبون قيمته الكبيرة على صعيد مواجهة العدو الأساسي للأمة العربية وعلى صعيد انجاز مهام محددة لحركة التحرر الوطني العربية _ خاصة الفلسطينية.
وبقي قلب وعقل جورج حبش لآخر لحظة في حياته منشدّان للبعد القومي كشرط من شروط الانتصار وشرط من شروط الصمود.
والآن ، وفي العام 2013 ، نرى العدو يتسلل الى صفوف معسكرنا العربي من خلال ما هو مناقض للحمة القومية وللترابط القومي العربي.
نراه يتسلل عبر الطائفية البغيضة لتمزيق هذه الأمة العظيمة الى طوائف ولخلق دول الطوائف .
فهذا سني وهذا شيعي وهذا علوي وهذا وهابي وهذا زيدي وهذا وهذا ... وهذا مسيحي وهذا مسلم الخ ...
نظرو واحدة على ما يدور في عالمنا العربي يجعلنا يستوعب من يقف وراء ذلك ويموّله ويسلحه.
فقد رفعت اسرائيل شعار اسرائيل يهودية( ودولة اليهود) وهذا يعيد عقارب التقدم الانساني للوراء.
فبعد مئات السنين من الصراعات الطائفية في أوروبا ، تمكنت أوروبا من الفصل بين الدولة والكنيسة.
والآن تسعى اسرائيل ليحل الدين مكان الدولة واحكامها ، أي تديين الدولة.
وهذا المطلب الصهيوني يجد في الشعارات التي ترفعها الطوائف في العالم العربي هذه الأيام ، خير سند.
ان شعوبنا تعي تماما ماذا يحك لها . ولذا فان واجبها يقتضي بأن تحارب كل المناهج التي تطالب بتحويل الدين الى دولة والدولة الى دين
.
لقد تمتع جورج حبش بالوعي والرؤية الواضحة ، وأسس حركة القوميين العرب كأداة لتنظيم الأمة لمواجهة مخاطر وأطماع الاستعمار ، والاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
لنتعلم منه .