اطلس: لم تنته المباراة التي جمعت فريقي "نماء" و"بيت لاهيا" شمالي قطاع غزة الجمعة الماضي على خير. على الأقل بالنسبة للشاب إبراهيم عبد ربه (30عامًا)، الذي تعمّد أحدهم بشطب وجهه بآلةٍ حادة ما تسبب بنقله إلى المشفى!
إبراهيم، الذي حضر كعادته لتشجيع فريقه "نماء"، وللترويح عن نفسه بعد يوم عمل شاقٍ، يروي ما حدث فيقول: "من قبل أن تبدأ المباراة، والجماهير تردد شعارات ندية. حضر مشجعو نادي الشاطئ لمساندة "بيت لاهيا" أملًا في فوزٍ يصعد بهم إلى الدوري الممتاز، وكانوا يرددون: الشاطئ وبيت لاهيا إيد وحدة، فيما رد جمهور نماء بصوتٍ عالٍ: واحد، اثنين، ثلاثة، ابتهاجًا بفوزٍ سابق على بيت لاهيا بخمسة أهداف".
كانت الأجواء متوترةً داخل الملعب، لكن سُرعان ما انتقلَت خارجه حين اعتدى أفراد من جماهير الفريقين على بعضهم البعض. يضيف الشاب: "انتبهتُ لشابٍ يضرب آخر، فتدخّلت صارخًا: بتضربه عشان جلدة، مش مستاهلة".
يكمل إبراهيم: "استدار حينها ليضربني فحاولت الدفاع عن نفسي، فهجم علي نحو 50 شخصًا وضربوني، أحدهم أخرج آلةً حادة وضربني في وجهي. لا أعرفه من قبل وهو الآن محتجز، ولن أتنازل عن حقي".
العنف الذي واجهه إبراهيم لم يكن الأول من نوعه، فقط سبقته أحداث عنف مماثلة عندما التقى فريقا الشاطئ وأهلي غزة، وفريقا الشجاعية وشباب رفح، لكن اللافت هو المنحى التصاعدي للعنف داخل الملاعب، دون وضع حد.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، تعرّض المشجع أبو صالح صالح لإصابةٍ في رأسه إثر انفجار مفرقعات خلال مباراة جمعت فريقي أهلي غزة واتحاد خانيونس، فالرجل، كما يروي هو والد "صالح" لاعب الأهلي.
يقول: "فوجئتُ بالمفرقعات تنفجر قربي، وأصبتُ بجراحٍ في رأسي وقرب عينه، نقلتُ بسببها للمستشفى".
وفي عام 2017م، تعرّض الكابتن أدهم خطاب لإصابة خطيرة في رأسه إثر إلقاء حجر نحوه من قبل مشجعين، أثناء مباراة جمعت فريقه شباب جباليا بفريق آخر، ما تسبب في كسر بالجمجمة.
يقول خطاب: "ما زلتُ أعاني حتى الآن من تبعات الإصابة، وأشعر بآلامٍ منها، عدتُ للملاعب مرتديًا خوذة، لأن مضاعفات الإصابة ما زالت تلاحقني".
ويجزم خطاب أن هذا الواقع يؤثر على وضعهم النفسي، وعلى أدائهم خلال المباريات، كما يثير القلق لدى عائلاتهم التي تتابع المباراة، وتتحسب لوقوع أعمال عنف، مضيفًا: "الأصل أن المباريات ترويح عن النفس، لماذا يحدث كل هذا؟".
الإعلامية الرياضية نيللي المصري بدورها، تقول: "ما يحدث مخالفٌ لأصول الرياضة، ومجتمعنا الذي له خصوصية كونه تحت احتلال. صحيح أن عنف الملاعب موجود في كل العالم، لكن في فلسطين يمنع الانجرار وراء التعصب، كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يخفف عنا وطأة الظروف القاسية".
وتابعت: "إن من يتسبب في مثل هذه الظواهر، يسيء للرياضية وللنسيج الاجتماعي، كون ما يحدث تتدخل فيه عائلات"، مردفةً بالقول: "شخصيًا تعرضت لحادثة قبل سنوات، حين تم إلقاء مفرقعات وأنا في الملعب، فاحترق جزء من ملابسي، وخلال المباريات الجماهيرية الكبيرة، وأثناء إلقاء الحجارة تصل إلينا المفرقعات، وكثيرًا ما نجوت منها. ما يجري هو تعصب أعمى يؤذي الجميع".
توافقها الصحافية الرياضية شيماء أبو الجبين الرأي، وتكمل: "الظاهرة تتزايد، فكلما احتج الجمهور على قرار حَكَم، أو نتيجة غير مرضية، يبدأون الرد بالسباب أو العنف، وهذا ما حدث في مباراة الأهلي والشاطئ حين تم إلقاء قنبلة يدوية. سابقًا كانوا يلقون قنابل الصوت، لكن الآن الأمور تطورت".
وتابعت: "قلة الوعي الرياضي تتسبب في حدوث أعمال العنف"، مشيرةً إلى أن إدارات الأندية وروابط مشجعيها يجب أن تؤدي دورًا إيجابيًا في ذلك. "فكرة القدم هي لعبة للترويح عن النفس، وتعكس أخلاق الروح الرياضية وليس العكس".
وأيّدت أبو الجبين قرار الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بلعب المباريات دون جماهير في الدوري الممتاز، حتى يتم حل مشكلة الشغب، معقبةً: "ورغم أن الأمن يقوم بدور كبير في تأمين اللاعبين أثناء دخول الملاعب، لكن الأصل أن يدخل اللاعبون بحالةٍ نفسية أفضل من هذه".
المدير التنفيذي لنادي "نماء" الرياضي، موسى البرش، يقول أن يوم أمس شهد اجتماعًا بحضور القوى الفلسطينية، ومخاتير بيت لاهيا؛ لرأب الصدع مع نادي بيت لاهيا على خلفية الأحداث الأخيرة. وقال: "ستُنفَّذ زيارات تطييب خاطر للمصابين، وسيتم إصدار بيان مشترك ينهي الأزمة"، نافيًا أن يكون التدخل العشائري تجاوز للقانون، الذي ما زال يأخذ مجراه بالنسبة لمن اعتدى.
وبخصوص تواصل ظاهرة شغب الملاعب، أكد البرش أن طبيعة كرة القدم شعبية، وجمهورها من الفئة العمرية ما بين 14 و35 عامًا، "وبالتالي، ورغم إجراءات الرقابة العالية، إلا أن هناك حالات فردية تسبب الأزمات".
ويتابع: "العالم كله غير قادر على موضوع الضبط في الملاعب، ولكن في قطاع غزة، وكوننا مجتمع مترابط الأمر يبدو أكبر، وهناك مباريات يتم المطالبة بإجرائها دون جمهور حفظًا للأرواح، وهذا أمر حدث في الدوري الممتاز ويمكن تطبيقه"، نافيًا أن يكون العنف على خلفية مناطقية، "بل رياضية بحتة".
ويرى البرش، أن من إحدى أهم مسؤوليات إدارات الأندية، توعية الجماهير بخصوص منع مظاهر العنف، "لكن الجماهير تأتي مشحونة لأسباب متعلقة بأهمية بعض المباريات" يستدرك، مؤكدًا أن "نماء" لن تكون غطاءً لأي شخص يتجاوز القانون والأخلاق والعُرف.
من جانبه يقول إبراهيم أبو سليم، نائب رئيس اتحاد كرة القدم: "الأندية وبسبب تواصلها مع الجماهير من خلال فيسبوك، تؤدي دورًا في تضخيم الأحداث، وتشجيع أطراف أخرى ليس لها علاقة بالدخول وممارسة الشغب، بالإضافة إلى الإعلاميين الذين يضخمون الأحداث عند النشر، أدت إلى انضمام مجموعة أخرى من المشجعين إلى هذه الظاهرة التي تسيء للرياضة الفلسطينية".
ويؤكد أن العنف هذا العام تزايد عن الأعوام السابقة، "بمعنى أن هناك جماهير تنتظر جماهير أخرى للخروج، فيبدأ السباب والتلاسن قبل بدء المباريات، ما أدى لحرمان الجماهير من الحضور، مؤكدًا أن ما يجري حاليًا هو التواصل بين إدارات الأندية والاتحاد والشرطة الفلسطينية؛ لوضع إجراءات متفق عليها تضع حدًا لهذه الظاهرة.
وتابع: "إن إدارات الأندية، وبدلًا من وضع حدٍ لشحن الجماهير يلومون بعضهم حاليًا، والاتحاد سيعمل لاحقًا على التواصل مع هذه الإدارات، ومع الإعلاميين، من أجل تصحيح المسار".
وبرغم تأكيده على أن الجميع غير راضٍ عما يجري، إلا أنه يشير إلى أن الشجب وحده لا يكفي، "فالظاهرة باتت تتخذ بعدًا مناطقيًا وهذا خطير"، داعيًا إلى البحث في وضوع العقوبات ضد من يتجاوز شرطيًا وقانونًا "تمامًا مثلما يحدث مع الشاب الذي اعتدى مؤخرًا على مشجع لنادي نماء".
شيرين خليفة- شبكة نوى