سفين كوهن بورغسدروف Sven Kühn von Burgsdorff في الفترة الأخيرة لهجمة دبلوماسية واعلامية وسياسية اسرائيلية شرسة، شهّرت به، وأظهرته مؤيدا للهجمات الفلسطينية ضد قوات الاحتلال، رغم أنه طالب في حديث له، وعبر تغريدة على تويتر، بالعدالة للفلسطينيين، محذرا أن غيابها قد يأتي بالنتائج السلبية، وردود الفعل الفلسطينية.
تعديات إسرائيلية متكررة على حرية حركة الأوروبيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لدى وصولهم للمطار، ومنع العديد منهم من دخول الأراضي المحتلة، وإجبارهم على العودة لأوروبا على نفس الطائرة، بمن فيهم طلاب أوروبيون أرادوا الدراسة، وإكمال رسائلهم العلمية وأبحاثهم في فلسطين.
حملت هذه الهجمة الإسرائيلية على بورغسدروف عدة رسائل، أولها ان أي شكل للمقاومة الفلسطينية يجب ان يصبح إرهابا بالنسبة للأوروبيين، وأي احتجاج او رفض لسياسة القمع الاحتلالي ستسميه إسرائيل بالإرهاب والعنف.
رسالة ثانية أن الاحتجاج والاعتراض الأوروبي، والمطالبة بوقف ما يقوم به الاحتلال ضد الفلسطينيين، وتحقيق العدالة الدولية تجاههم، أمر مرفوض.
أما الرسالة الثالثة، فموجهة للاتحاد الاوروبي ودبلوماسييه، ومفادها بان الباب مغلق أمام أي نقد وتدخل بعلاقات اسرائيل مع الفلسطينيين، وهي علاقة المحتل بمن هم تحت الاحتلال، وكل من سيطرق الباب سيسمع الجواب، من خلال اطلاق جملة اتهامات أهمها: "لا سامية، عنصرية, دعم الارهاب, انتهاك حق اسرائيل بالوجود، الحفاظ المشترك على اتفاقيات التعاون الأمني"، والتي وقع عليها الاتحاد الأوروبي.
تمتد العلاقات الأوروبية مع الاحتلال الإسرائيلي الى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع وعد بلفور، والدعم اللوجستي لهجرة اليهود الى فلسطين، والتغاضي عن سرقة المقدسات، على سبيل المثال حائط البراق والذي يسميه اليهود حائط المبكى ورغم كل القرارات الدولية التي أكدت ملكية المكان للمسلمين، ولا علاقة لليهود به، لكن سطر عليه اليهود ويزوره الدبلوماسيون الاوروبيون لاعطاء الولاء لدولة الاحتلال.
الاستعمار البريطاني تخلى عن حكمه العسكري لفلسطين، وقام بإخلائها تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل، واحتلالها لفلسطين، بعد ان أمدّ العصابات اليهودية بالسلاح، وجردوا الفلسطينيين منه.
تجسدت علاقات معظم الدول الأوروبية، بعد الاعتراف بإسرائيل، بإمدادها بكل ما تطلبه من دعم عسكري وسياسي واقتصادي على حساب الفلسطينيين، وزراعة نقطة استعمارية استيطانية احلالية جديدة في المنطقة.
استمرت هذه العلاقة بالتطور، واخذت بعدا أوروبيا رسميا، ووقع الاتحاد الاوروبي اتفاقيات كثيرة في كل مجالات التعاون مع إسرائيل المحتلة، ورغم إضافة بعض القوالب الشكلية كاحترام حقوق الانسان والديموقراطية، وحرية الرأي، واحترام حق الفلسطينيين بالوجود، وحقهم بإقامة الدولة الفلسطينية، والعودة للمفاوضات كأساس لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، ومحاربة اللاسامية والإرهاب، لكن هذه الاتفاقيات تم تنفيذها بكل بنودها وشروطها، إلا ما تعلق منها بحقوق الانسان وحرية العيش بأمن وسلام للفلسطيني.
لقد اعتادت الجارة المدللة (اسرائيل) على حصولها على كل شيء، دون دفع الثمن، او رد الجميل او الشكر حتى للأوروبيين، من اتفاقيات البندقية وأوسلو وبرشلونة وايسسين وباريس وبروكسل، في كل التخصصات كالتعاون الامني والسياسة والاقتصاد وصولا للمناهج التعليمية الأوروبية، واقحام اسرائيل في الحياة الثقافية والمجتمعية الأوروبية.
كما وصل حجم التبادل بين الاتحاد الاوروبي وإسرائيل 30 مليار سنويا للتصدير، و11 مليار للاستيراد، واعتبارها منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، ودعمها في مجالات التطوير والتعليم والثقافة، باعتبارها دولة اوروبية غير عضو، اضافة للدعم السياسي والتبادل الامني والمعلوماتي، كما يتم دعم مئات المنظمات الاهلية الاوروبية لتنفيذ مشاريع في دولة الاحتلال، وتصرف مئات الملايين من اجل تطبيع وجود تلك الدولة في الإقليم. حتى أصبح الأوروبي (الابن) يصاب بداء الغيرة من الجارة التي تحصل على اكثر مما يحصل عليه الاخ حينما يتعمق بدراسة هذه العلاقة ؟
في المقابل، يتعرض المواطن الاوروبي للإهانة على معابر إسرائيل، ويطلب من القادمين اليها كشف هواتفهم الخاصة، وفتح حساباتهم الشخصية على البريد الالكتروني، وحسابات التواصل الاجتماعي لضابط الامن في المطار، ومنعه من الدخول أحيانا، واعادتهم على نفس الطائرة، كما يجلب الدبلوماسي الاوروبي الى الكرسي المنخفض امام وزير خارجية اسرائيل على كرسيه العالي للتأنيب والاتهام باللاسامية والتوبيخ والدعم للإرهاب والعنصرية وكراهية اليهود.
جرى ذلك مرات عديدة مع سفراء اوروبيين كثر من المانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد ووضعت الاعلام الخطأ بعمد كما هو التعمد بأهانة الزوار الاوروبيين الرسميين او اهمالهم في حال أبدى أي منهم تعاطفا مع ضحية فلسطينية لإجراءات إسرائيل الاحتلالية، كأن تطالب احدى الشخصيات الاوروبية بوقف هدم البيوت الفلسطينية، او مصادرتها، ومصادرة الاراضي او وقف قتل الاطفال او الصحفيين المتعمد او اعتقالهم اداريا بلا محاكم، او مطالبة اسرائيل بفتح الطرق وتخفيف الحصار، او تنفيذ قرارات مجلس الامن والامم المتحدة، ويزيد عددها عن 800 قرار لا تنفذ منها اسرائيل اي قرار.
كما تقوم اسرائيل بهدم مشاريع الاتحاد الاوروبي التنموية، وتهدر اموال الاوروبيين في الضفة وغزة والقدس لتطير بالهواء كما الغاز المسيل للدموع المتطاير باتجاه الفلسطينين والاسلحة المستخدمة في حرب الاسرائيليين على الفلسطينيين وغازات الانبعاث من الجرافات والمعدات المصنعة في اوروبا التي تستخدمها دولة الاحتلال للهدم والتدمير والقتل, وعلى الاستثمار بجدران اسمنتية تحمي المستوطنات غير الشرعية وبناء الوحدات السكنية فيها والتجارة بمنتجات المستوطنات والسماح للشركات الاستثمارية الخاصة والشريكة لدول اوروبية بالاستثمار في المستوطنات فيصبح المال الاوروبي العام والخاص محركا في آلة الاحتلال.
ان افراغ كل الاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل من أي آليات عقابية في حال عدم تنفيذها للبنود وعدم استخدام اية اداة ضاغطة او ملزمة لتنفيذ الاتفاقيات بكل شروطها فيما يخص الفلسطينيين اعطى الحرية لاسرائيل بالقيام بكل ما تراه هي مناسبا، وان كان ذلك لا يتماشى مع السياسة الأوروبية، ولا يعتبر احتراما للأوروبي فردا ومؤسسة.
ان الحفاظ على التوازن الذي ينشده الاوروبيون بخطابهم الرسمي، وتنفيذ العدالة والحفاظ على حقوق الانسان، واعطاء الحق للفلسطينيين كما للاسرائيليين بالوجود في دولة مستقلة، يحتاج الى موقف اوروبي اكثر وضوحا وصراحة وحزما, فلم تعد هذه العلاقة مناسبة للمواطن الاوروبي والذي باسم الانسانية وحقوق الانسان والحرية والديموقراطية تهدر امواله على الحرب والقتل والاستبداد ولا هي مناسبة للفلسطيني الذي مازال ينتظر فعلا يعيد له حريته لا قولا ، والمستفيد الاول من هذه العلاقة هو فقط إسرائيل، رغم ان علاقات الدول مبنية على المصالح المتبادلة.
يبدو جليا ان الدعم الاوروبي للفلسطينيين هو دعم انساني يغذي بعض العائلات الفلسطينية بمقومات البقاء، ويغذي الحاجة الاوروبية بالرضا عن النفس بدعم يعالج جزءً من النتيجة الانسانية الصعبة جراء الاحتلال، ولا يعالج القضية الأساسية، وهي المطالبة الفلسطينية بالتحرر وانهاء هذا الاحتلال..
إن أوروبا تدعم الأونروا، ولا تدعم قضية عودة اللاجئين، وتدعم المستشفيات، ولا تتعامل مع اسباب السرطانات من نفايات اسرائيلية كيماوية في اراضي الضفة الغربية، وتدعم الحالات الانسانية للاسرى، ولا تدعم حقهم بمقاومة الاحتلال، وترسل الخيام لاسرة فلسطينية هدمت قوات الاحتلال الاسرائيلي بيتها، ولا تعمل على وقف الاستيطان والاستثمار به، ولا تنفيذ القرارات الدولية ومحكمة لاهاي بتجريم الجدار.
بعد كل تلك العلاقة، وحينما نرى الرد الاوروبي على أي اهانة إسرائيلية، فإننا كأوروبيين نطرح السؤال: هل عضت إسرائيل الذراع حينما أعطيناها الإصبع؟