اطلس:واضح بأن خطاب سماحة السيد جاء ليضع النقاط على الحروف بشكل واضح لا يقبل التأويل ولا حتى الاجتهاد، لأنه لا اجتهاد في النص، برسمه لاتجاه البوصلة والمعادلة بأن أولوية منع المحتل من استخراج الغاز والنفط من حقل "كاريش"
تتقدم على أية أولويات أخرى، المرسوم والترسيم والمفاوضات، هذه المعادلة التي رسمها سماحة السيد، يفترض ان تكون المعبر عن الموقف الرسمي اللبناني بالكامل الرئاسة والحكومة ومجلس النواب، فكل الحلول والمقترحات والأولويات الأخرى تسقط امام قيام الاحتلال بعمليات التنقيب والاستخراج والسرقة للنفط والغاز اللبنانيين، ولذلك المطلوب من كل المؤسسات الرسمية اللبنانية والأحزاب والشعب اللبناني التوافق على موقف واحد، بالضرورة ان يتبلغه الوسيط الأمريكي القادم الى لبنان، آموس هوكشتاين، ونحن دائماً نتوجس من هؤلاء الوسطاء المنحازين لدولة الاحتلال شراً، فالموقف الأمريكي هو صدى للموقف الإسرائيلي، وهو كشتاين قبل قدومه الى بيروت غداً أو بعد غد، هو لم يأت الى بيروت منقذا او مُخلِصاً للشعب اللبناني، فهو حاول قبل خطاب سماحة السيد برسم المعادلة واتجاه البوصلة، تحميل لبنان المسؤولية، بقوله " الكرة الآن في الملعب اللبناني"، ولكن اللهجة والموقف تغيرا الى الدعوة الى التهدئة وعدم التصعيد بعد دخول ال م ق ا و م ة اللبنانية على خط المواجهة، والقول بأنها جاهزة وستكون حاضرة في الميدان، ولا أحد يستطيع منعها من القيام بواجبها ودورها في الدفاع عن الحقوق السيادية اللبنانية، وهي لن تنتظر اذناً من أحد في هذا الجانب، فهناك سرقة لحقوق لبنانية كما يقول المأثور الشعبي " شاهرة ناهرة"، واعتقادي الجازم بأن هذا الموقف الحازم من قبل سماحة السيد، سيشكل عامل ضاغط قوي على الفريق الأمريكي الإسرائيلي في الدولة اللبنانية، لكي تقترب جداً من موقف التوافق اللبناني، وهي التي لا تريد المواجهة او التصدي لعمليات التنقيب والاستخراج التي سيقوم بها المحتل في حقل "كاريش"، وهي تريد ان تعطي الأولوية للمفاوضات، دون تحديد مهل وسقوف زمنية لتلك المفاوضات...وأعتقد جازماً بان إدخال الحفار "انيرجي باور" والمملوك لمجموعة رجال اعمال اسرائيليين، مسجلة في اليونان، وبعد تنصل الحكومة اليونانية من ملكيتها لهذه السفينة، بعد الاحتجاج الذي قدمته للقائمة بالأعمال اللبنانية في اثينا على تصرحات سماحة السيد، بأن اليونان ليست بالمالكة لتلك السفينة، لم يأت كرغبة فقط من قبل حكومة الاحتلال لتصعيد الأمور، بل هناك تنسيق اسرائيلي- امريكي كامل في هذا الجانب، لقياس ردة فعل لبنان، وبالذات ممن يشكلون درع الحماية للبنان، والمقصود هنا من اوجدوا معادلات الردع في البر والبحر والجو، ومن قاموا بتحرير جنوب لبنان من الاحتلال " الإسرائيلي في 25أيار/2000،فأطماع امريكا و"إسرائيل" في الغاز اللبناني والمتوسطي تزايدت بشكل كبير بعد الحرب التي تخوضها امريكا واوروبا الغربية ضد روسيا في أوكرانيا، والتي واحدة من تداعياتها القرار الأمريكي بمنع اوروبا من استيراد الغاز والنفط الروسيين، والقرار الروسي المضاد بمنع تزويد الدول الأوروبية الملتزمة بالعقوبات الأمريكية بالغاز الروسي دون دفع ثمن هذا الغاز بالروبل الروسي، من أجل كسر تلك العقوبات.
أمريكا تبحث عن البديل للغاز الروسي، ولذلك حاولت وجربت ان يكون البديل عبر بوابة المشيخات الخليجية العربية، بالضغط عليها لزيادة كميات النفط التي تضخ للسوق العالمي، من أجل منع ارتفاع اسعاره بشكل جنوني، وللتخفيف من حدة تفاقم الأزمات الاقتصادية في دول اوروبا، وما ينتج عنها من ارتفاع للأسعار وتضخم وبطالة وافلاس للشركات وغيرها، ولكن تلك المشيخات وبالذات السعودية والامارات، لم ترضخ للتهديدات والمطالب الأمريكية، والسعودية قالت بأنها ملتزمة باتفاقية "اوبك بلس"، وعدم زيادة الإنتاج وضخ النفط للأسواق العالمية كبديل للغاز الروسي، بعد اللقاء مع وزير الخارجية الروسي لافروف أثناء زيارته لها، ومن هنا جاء البحث عن البديل، استخراج الغاز الشرق متوسطي، بالتعاون مع دولة الاحتلال وقبرص واليونان ومصر.
من أوصلوا لبنان الى الإفلاس بالعقوبات المالية والاقتصادية التي فرضوها عليه، ودعموا "حيتان" الفساد فيه بنهبهم لخيارات وثروات لبنان، واعتقدوا بانهم قادرين على انتاج برلمان لبناني من خلال الانتخابات، يغير من المعادلات لصالح القوى والمعسكرات التي تتبنى المواقف الأمروصهيونية، والتي تقبل بالشروط الأمريكية، وتنزع عن لبنان هويته، وتجرد مقاومته من بيئتها وحاضنتها الشعبية، وجدوا بأن هذا لم يتحقق من خلال تلك الانتخابات، ولذلك وجدنا هذا التصعيد بدفع دولة الاحتلال للتسخين على جبهة العدوان البحري على الحقوق الاقتصادية والثروات النفطية اللبنانية، على أمل حدوث تصدعات وتشققات في الموقف اللبناني، تحد وتلجم المقاومة اللبنانية من الدخول على الخط، وتحملها مسؤولية اي تصعيد ...وعاموس هكوشتاين القادم الى لبنان، ليس من اجل انقاذ لبنان، لبنان الذي أوصلوه الى حد فقدان الخدمات الأساسية من الكهرباء والماء والغاز ودفع أبنائه نحو الفقر والجوع وفقدان السلع والأدوية، والتضخم وتهاوي أسعار عملته، والسطو على مدخرات أبنائه، بل هو قادم من أجل حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وسيقوم بالعديد من المناورات وممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية، واللعب على تناقض الموقف من أجل تعميقها، بالسماح للبنان باستجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، بعد أن قاموا بتعطيل ذلك عمداً.
تداعيات ومعادلة خطاب سماحة السيد وتأكيده على انه "لن يسمح للمحتل باستخراج الغاز من حقل كاريش دون ان يمارس لبنان حقه باستخراج غازه من حقل قانا"، هذا الخطاب كان له تداعياته في دولة الاحتلال وحدوث انقسام بين قياداتها ومكوناتها ومركباتها، فهناك من يدعو الى التصعيد وهناك من يدعو الى التهدئة، وفي كل الحالات هم متفقين على ضرورة القيام بالاستعدادات العسكرية ونصب القبب الحديدة وتعزيز الحراسة على الحفار خوفاً من ردة فعل المقاومة، والتي كلفت جنرال عسكري لمتابعة كل ما يتصل بهذا الحفار، ناهيك عن المتابعة الدقيقة لكل ما يتصل بعمل هذا الحفار، والجهوزية العالية للتدخل وضرب هذا الحفار، اذا ما بدأن بالتنقيب والاستخراج.
بدأ الحفار بالتنقيب والاستخراج ينذر باندلاع حرب إقليمية شاملة، اعتقد ان "اسرائيل" غير جاهزة لها، بعد فشل مناورات ما عرف ب"مركبات النار" التي استمرت شهراً كاملاً بمشاركة مختلف قطاعاتها العسكرية جوية وبرية وبحرية وسلاحي "السيبر" والمسيرات، وكذلك المناورات الجوية الواسعة على الأراضي اليونانية والقبرصية "ما وراء الأفق"، ولكن كل الاحتمالات واردة والجبهة قد تكون مفتوحة على تداعيات وتطورات دراماتيكية، فحادث أو خطأ وتهور غير محسوب من قبل المحتل، قد يدفع بالمنطقة نحو الاشتعال الكامل، وخاصة ونحن نرى بأن هذا المحتل، يستبيح الأرض السورية بالغارات المتكررة، لتصل حد العدوان على مطار دمشق الدولي، وكذلك الاغتيالات بحق قادة ايرانيين، ومنهم قائد في الحرس الثوري الإيراني، صياد حسن حدائي، وقيام ايران بالرد على ذلك باغتيال المسؤول عن وحد الاغتيالات لل" الموساد" الإسرائيلي في اربيل العراقية.
نحن ندرك تماماً بأن أمريكا واوروبا الغربية في سبيل مصالحهما يدوسون على كل قرارات الشرعية الدولية وقوانينها ويبدلون مواقفهم استناداً لمصالحهم، ولذلك أمريكا ورئيسها بايدن، الذي ظلل يكرر بأنه سيجعل من السعودية دولة منبوذة، ولن يلتقي ولي عهدها محمد بن سليمان على خلفية حقوق الإنسان وجريمة قتل الصحفي السعودي الخاشقجي، في سبيل مصالح دولته سيلتقي بن سلمان، وسيمهد له الطريق لتولي السلطة هناك، مقابل زيادة ضخ النفط السعودي للأسواق العالمية، وكذلك سيعمل على علاقته بدولة الاحتلال من خلال التطبيع العلني الكامل ورسم تحالفات استراتيجية أمنية وعسكرية.