اطلس: دعونا أيها الأحبة نعيد الامور الى سياقها التاريخي، ولنقل للتاريخ القريب الذي عايشناه وليس ذلك التاريخ الذي ولدنا بعده.
عندما فكر الاحتلال اواخر السبعينات باستبدال الحكم العسكري بادارة مدنية، كان يريد أن ينشيء بالفعل ادارة مدنية من المجتمع الفلسطيني تتولى الشؤون المدنية في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية من رعاية اجتماعية وصحية وتعليمية وغيرها من امور الحياة المدنية على أن تبقي سيطرتها العسكرية الاحتلالية على كل ما يتعلق بأمن دولة الاحتلال.
كان الاحتلال يريد التخلص من عبء هذه الخدمات، فلماذا ينفق على الرعاية الصحية والتعليم والمعونات الاجتماعية وما شابه؟
فماذا كان الرد الفلسطيني آنذاك؟
تجسد الرد الفلسطيني بالتصدي لانشاء الادارة المدنية ورفض أي فلسطيني أن يتقلد منصب رئيس الادارة المدنية، فوجد الاحتلال نفسه مضطرا الى تعيين رؤساء للادارة المدنية من ضباطه العسكريين بحيث إستبدلوا زيهم العسكري بالزي المدني وشكلوا لهم مراكزا للادارة المدنية في المدن الفلسطينية مجاورة للثكنات العسكرية، وسعى الاحتلال الى تشكيل روابط القرى التي تشكلت بالفعل وتصدى لها الشعب الفلسطيني وقدّم الشهداء الى أن جاءت الانتفاضة لتكنس رموز روابط القرى.
لم تغب الفكرة عن الاحتلال، لا يريد لنا دولة مستقلة كاملة السيادة، يعامل سلطة الكيان الوطني الفلسطيني على أنها سلطة خدماتية ليس أكثر ولا يريد لها أن تبسط سيادتها على أرضها، ويسعى بطريقة غير مباشرة الى تشكيل ليس فقط روابط القرى، بل أيضا روابط المدن.
ولكن كيف؟
أولا،عزّز الاحتلال لدى المجتمع الدولي مصطلح " سكان المنطقة"، فأصبحنا نحن أصحاب الأرض سكانا للمنطقة وكذلك ... أصبح المستوطن أيضا ساكنا في المنطقة، في تناقض واضح وصريح مع القانون الدولي الذي يحظر نقل سكان دولة الاحتلال الى الاراضي المحتلة.
ثانيا، أصبح للمستوطن حقوقا في الأرض المحتلة، حقه في أن يتلقى خدمات البنية التحتية والمياه والكهرباء ولو على حساب أصحاب الأرض، وحقه حتى في أن لا يتم رفع قضية ضده في المحاكم الفلسطينية حتى لو دهس وقتل طفلا فلسطينيا متعمدا، بل في المحاكم الاسرائيلية التي غالبا ما تحكم ببراءته.
وثالثا، أصبح لزاما على أصحاب الأرض من خلال قيادتهم السياسية والمحلية أن يحظى المستوطن وقد أصبح " ساكنا في المنطقة" بأولوية المرور على الطرقات قبل أصحاب الأرض الذين تمنعهم "بوابة" أو ساتر حديدي أو غير ذلك من حتى استخدام الطريق في أية لحظة يريدها جيش الاحتلال أو حتى يريدها هذا المستوطن.
ورابعا، وهو ما نشهده هذه الايام، حيث أن عملية اعادة تأهيل هذه الطرق وتحديدا عند التقاطعات يعهد اليها الاحتلال حاليا الى السلطة الفلسطينية وفقا لمخططات هندسية معدة من قبل جهابذة الاحتلال وحتى باللغة العبرية وباشراف علوي منهم، ليس هدفها التسهيل على الفلسطينيين بل حماية جيش الاحتلال والمستوطنين.
ويعتبر البعض منا أن ذلك يشكل إنتزاعا للحق وللسيادة الفلسطينية وتسهيلا على المواطن الفلسطيني، بينما يعتبر الاحتلال أن هذا هو مشروع " الطريق المشترك" (Common path project) وأنه يخدم كلا من المواطنين الفلسطينيين والاسرائيليين (serves both Palestinian & Israeli Citizens) مع ملاحظة أن المستوطن أصبح " مواطنا" وكل ذلك يتم من خلال الدور الأوروبي (Euro bridge).
إذا نحن هنا أيها الأحبة أمام تناقض في الرؤيا، فالاحتلال يريد أن يكون هدف هذه المشاريع هو تثبيت المستوطن في الأرض المحتلة وخلق ما يسعى اليه من "تعايش" بين المستوطن واصحاب الأرض، وربما مستقبلا تثبيت حق المستوطن في الترشح والاتتخاب للهيئات المحلية بينما يسعى الجانب الفلسطيني الى توفير سبل حرية الحركة والتنقل على المواطن الفلسطيني دون الانتباه الى أن هذه " التسهيلات": تنتقص من السيادة الفلسطينية وتكرس الاستيطان ومصادرة الأراضي.
وعندما تختلف الرؤيتان، فالأفضل أن لا يتم التعاطي مع أي مشروع من شأنه أن يحولنا من أصحاب الحق الى "سكان المنطقة"، ويجعل من المستوطن " مواطنا".
وقد يتسأل البعض وماذا إذا اتفقت الرؤيتان؟
الجواب واضح لا لبس فيه، لا يمكن أن تتفق الرؤيتان، فالاحتلال هو احتلال، والشعب العربي الفلسطيني يريد الانعتاق منه وبسط كامل سيادته فوق ترابه الوطني، ولا يفيد الاحتلال أية عملية "مكياج" لتجميل وجهه البغيض.
نقطة وع السطر.