اطلس: كتب عيسى فريد مصلح - باحث فلسطيني: في إطار سعيي المتواضع لتناول أصول الصّراع الفلسطيني "الإسرائيلي" علميّاً، لتفنيد الشعارات الدراميّة غير المحكمة- الّا لمن غابت عنهم الحقيقة قصداً أو بدون قصد- للرّواية الصّهيونيّة، وقع اختياري على شعارين أو عبارتين تضليليّتين تستشهد
بهما الرّواية الصّهيونيّة على نطاق واسع. الأوّل هو "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". حيث ارتبطت هذه العبارة بحملة "إنشاء وطن لليهود في فلسطين" خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وبالرّغم من الافتراض السّائد بصهيونيّة هذا الشّعار، الّا أنّه قد اِستُخدِم في وقت مبكّر من عام 1843 من قبل سياسي إنجليزي بارز يدعى أنتوني آشلي كوبر (اللورد شافتسبيري Shaftesbury).
في يوليو 1853، كتب (شافتسبيري) إلى رئيس الوزراء أبردين حينه - إيرل أبردين الرابع الذي عُرف بروابطه الإنجيليّة القويّة، كتب بأن سوريا الكبرى كانت "دولة بدون أُمّة" بحاجة إلى "أُمّة بلا دولة". كما وكان قد كتب في مذكّراته في ذات العام: "ستكون هذه المناطق الشّاسعة الخصبة قريبًا بلا حاكم، بدون سلطة معروفة ومعترف بها. عليه، يجب تخصيص الأرض لشخص أو لآخر. حيث يتّفق ان هناك دولة بدون أُمّة "- في إشارة إلى أرض فلسطين، و" الله الآن بحكمته ورحمته، يوجّهنا إلى أُمّة بلا دولة "في إشارة منه إلى اليهود. يُشار إلى هذا عادةً على أنه الاستخدام المبكّر لعبارة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي ألهمت ثيودور هرتزل لاستخدامها لاحقاً. سيكون هذا الشعار، من الآن فصاعدًا، عاملاً بالغ الأهميّة في تسويق الرّواية الصهيونيّة. بعبارة أخرى، إن هبة الله وهي قطعة أرض فارغة في كوكب الأرض هي الوصفة السحريّة لوضع حد لمأساة اليهود ولمعاناة المتضرّرين منهم.
في مقدمة كتاب "الدّولة اليهوديّة (1896)" كتب تيودور هرتزل "الفكرة التي طوّرتُها في هذا الكتيّب هي فكرة قديمة جدًا؛ إنها استعادة الدولة اليهوديّة". وأثناء وصفه لجمهوره ملامح الدولة المنشودة، أضاف: "إذا أعلنت القوى أنها مستعدّة للاعتراف بسيادتنا على قطعة أرض محايدة، فإن الجمعيّة ستدخل في مفاوضات لحيازة هذه الأرض. هناك منطقتان: فلسطين والأرجنتين. في كلا البلدين، أجريت تجارب مهمّة في الاستعمار".
يشرح السياق الآنف كيف بدأت تتبلور فكرة السطو الإرتزاقي على فلسطين كوطن قومي لليهود عندما كانت فلسطين أحد خيارين مع الأرجنتين. لذا فإن السؤال البديهي الذي يطرأ هنا: هل كان للصّهيونيّة أن تسوّق "إسرائيل" على أنها أرض الميعاد لليهود كما هي الآن لو وقع اختيار المجتمع الصّهيوني والعالم المتواطئ آنذاك على الأرجنتين؟ وإذا كان هذا الرابط التاريخي لليهود بأرض الميعاد التي سكنها أسلافهم منذ الاف السنين موجوداً وحقيقيّاً، لماذا اعتبروا غير فلسطين وهي أرض الميعاد خياراً للاستعمار؟
وهذا ما ينقلنا الى تناول الشّعار الثاني الا وهو "أرض الميعاد". حيث لا فرصة هنا للشك بأنّ شعار "أرض الميعاد" بما يمثّله من "حلم مشروع" لبقايا الشّعوب السّاميّة كان عاملاً حاسماً لاستجلاب التواطؤ السّياسي ولشحذ التّعاضد الأيديولوجي في سبيل تحقيق هذا الحلم، بأي ثمن. فاستعمار فلسطين وإقامة دولة لليهود فيها دوناً عن بقاع الأرض الأخرى فكرة لامعة تستثير غرائز الهيمنة والطّمع لدى القوى الاستعمارية. وهي قبل كل ذلك حق تاريخي لشعب تقطّعت أوصاله وقد آن أوان لمّ شمله في فلسطين. فهي ارض اجداده. لكن دعونا الآن نقف هنا لنشكّك من جديد، هل ليهود اليوم علاقة بيهود الأمس؟ هل هم (يهود اليوم) حقّاً أحفاد اليهود الذين سكنوا هذه الأرض في الزّمن السّحيق؟ وهل هم حقّاً آخر الشّعوب السّاميّة كما يدّعون؟
عام 2001، نشرت الدكتورة (Ariella Oppenheim) -عالمة الأحياء في الجامعة العبرية، أوّل دراسة مركّزة عن الحمض النووي وأصل اليهود والفلسطينيين. بحيث وجَد بحثها أنّ كلّ يهود اليوم تقريبًا جاءوا مِن دم الخزر. وأنّ المهاجرين اليهود على متْن السّفن إلى فلسطين كانوا ينحدرون بنسبة 40% من أُصول منغوليّة وتركيّة. بينما أكّدت أدلّة موسّعة للحمض النووي بأنّ فلسطينيّي اليوم ساميّون بنسبة 80%.
كما وتؤكّد دراسة للدكتور عيران الحايك وزملائه في معهد (McKusick-Namans) للطّب الوراثي بكليّة الطّب بجامعة (John Hopkins) ونشرته مجلّة أكسفورد، تؤكّد ما جاء في بحث (أوبنهايم) والعديد من الكتب العلميّة الأخرى. يخلص الدكتور الحايك في تقريره إلى أن الفرضيّة الخزريّة تشير إلى أنّ يهود أوروبا "الأشكنازية" ينحدرون من الخزر، وهم – أي الخزر- مزيج من العشائر التركيّة التي استقرّت في القوقاز في القرون الأولى بعد الميلاد، وتحوّلوا إلى اليهوديّة في القرن الثّامن بعد انهيار إمبراطوريّتهم، ثم فرّوا إلى أوروبا فاستوطنوها. أي لا علاقة لهم باليهود الذين سكنوا أرض فلسطين قبل 4000 عام، أو بالشّعوب السّاميّة التي سكنتها تباعاً منذ فجر التاريخ.
الحقيقة العمليّة الدامغة باختصار، أن اليهود أحفاد البِيض الذين تواثبوا على استعمار فلسطين من ألمانيا وروسيا وبولندا وجورجيا، وما الى ذلك، و تكالبوا على شعبها سعاراً سعياً لإبادتهم، ما هم الّا عصابة من اللّصوص والمرتزقة اِعْتَزوْا نصوص التّوراة في "عطيّة الرّب لشعبه المختار" مدّعين بدَجَلٍ أنّهم من نسل يهود الشّعوب السّاميّة بغية سرقة أرض فلسطين. بينما هم من نسْل الخزر القوقازي القديم. والمفارقة هنا أنّ الفلسطينيّين الحاليّين هم الأقرب جينيّاً الى ان يكونوا أحفاد اليهود السّاميّين، ويرجَّح بأنّهم – أي الفلسطينيّين - آخِرُ مَن تبقّى من الشّعوب السّاميّة.