اطلس: كتب رامي مهداوي : إنتهيت من قراءة كتاب أهداه لي أخي المناضل معين الطاهر في آخر زيارة لي له بمكتبه بعمّان، وكان الكتاب طازج لم يُنشر بعد، وهو عبارة عن صفحات من ذكريات المُفكر الفلسطيني منير شفيق بعنوان: من جمر إلى جمر. تدوين وتحرير نافذ ابو حسنة.
سأحاول في هذا المقال أن أقدم قراءة في الجمر مستنداً فقط على ما قرأته أو ما فُقد من ذكريات المفكر شفيق، وخصوصاً بأن هذا الكتاب أرهقني من حيث كمية المعلومات التي يزودها بنا الكاتب على نار هادئة أخطر من الجمر ذاته، فنجد بأن هوامش الكتاب هي كتاب بحد ذاته، مع الأخذ بعين الإعتبار أن مقالاً صغيراً بحجم "خرم الإبرة" لا يتسع للكتابة عنه.
الجمر في لسان العرب: الجَمْر النار المتقدة ومفردها جَمْرَةٌ فإِذا بَرَدَ فهو فَحْمٌ والمِجْمَرُ والمِجْمَرَةُ التي يوضع فيها الجَمْرُ مع الدُّخْنَةِ وقد اجْتَمَرَ بها، المفرد جمرة، والجمع جَمَرات وجَمْرات وجِمار وجَمْر، عن أي جمر يتحدث شفيق؟ الأنا؟ القضية الفلسطينية؟ العائلة؟ القدس؟ الشيوعية؟ الإسلامية؟ الفتحاوية؟ القيادة الفلسطينية أم العربية أم العالمية؟ هل يتحدث شفيق عن أنا القارئ حتى ولو كانت مذكراته هو وعائلته ورفاقه؟
وهل الجمر مازال جمر؟ وخصوصاً بأني استشعرت حرارته تقل تدريجياً كلما اقتربت لنهاية المذكرات على الرغم من وجود حطب الأمل الذي كان يزوده شفيق لنا، هل نوع الجمر إختلف مع مرور الزمن، علمياً نعم يختلف من حيث المكونات والعامل الزمني وتأثيرات المحيط والأهم مراكمة الجمر وعلاقته بالرماد الزمني وخصوصاً بأنه تحدث عن العامل الزمني والتجارب الدولية وموازين القوى لهذا الرماد بالمفهوم الثوري النضالي هو جزء من حماية الجمر وكما قال الشاعر نصر بن سيار:
أرى تـحـت الرمـاد ومـيض جمر ويــوشــك أن يــكـون له ضـرام
أعترف بأن من جمر إلى جمر أخذني الى عالم وعوالم كثيرة كنت أجهلها، ما جعلني أذهب الى مراجع وكتب أخرى للإستفاضة المعرفية ثم أعود الى الكتاب أو مقالات وحتى الإستفسار عن بعض المواقف مع عدد من الشخصيات الوطنية والثقافية وحتى من تعاملوا مع منير في أوقات محددة وخصوصاً في بيروت وتونس، لهذا أخذ مني قراءة صفحات من الذكريات وقت طويل جداً متعب لكن هذا ما كنت بحاجة له في حصر الرواية الفلسطينية، العربية، الإسلامية، العالمية في سبعين عام.
ليس الموضوع إتفاق أو إختلاف في وجهات النظر، أو في جدلية المُفكر ذاته التي يطرحها بقوة عن المتغيرات الفكرية والآيدولوجية، بقدر أن وطنيته يضرب لها تعظيم سلام في كافة تجاربه، مع الأخذ بعين الإعتبار قسوته على أبناء حركة فتح القابضين على الجمر بعدم الحديث عنهم بالوقت الحالي_ كما تحدث عن غيرهم _ سواء من هم أحياء عند ربهم يرزقون، أو منهم في الأسر بسجون الإحتلال، أو من هم يواجهون بصدورهم العارية بشكل يومي قوات الإحتلال، أو من يحاول إستنهاض الحركة كما أرادها حمدي سلطان، وأبو حسن القاسم، ومروان كيالي... وكل أبناء قادة الكتيبة الطلابية "كتيبة الجرمق".
أود أن أقول بالنهاية للمفكر منير شفيق "حيثما كان هناك نار، هناك دائمًا جمر" لهذا وعلى الرغم من كل المتغيرات التي تعصف بقضيتنا والمشاهد الهزلية على الصعيد الداخلي ومن بعض الدول تجاه قضيتنا الفلسطينية الاّ ان الجمر سيبقى مشتعل في قلوب وعقول الأجيال الشبابية الفلسطينية .. شكراً لك على إشراكك لنا ذكريات وتجارب نفتقدها...