اطلس: كثيرة هي الحالات التي نجد فيها المسؤول يتصرف ويمارس صلاحيات تخرج عن إطار المسؤوليات المناطة به، معتقدا أن ذلك من حقوقه دون ان ينتبه عن قصد
أو عن غير قصد بأن ذلك ينتهك الإطار القانوني الناظم لعمله. وقد يتصرف المسؤول دون غطاء من الهيئة التي يرأسها و/او بدعم منها و/او بسكوت، وجميبعنا نتغى بالمقولة التي تقول " الساكت عن الحق ... شيطان أخرس" ولا ندرك في دواخلنا أنها – بسكوتنا- تنطبق علينا.
وهنا، يجد الموظف نفسه أمام إحتمالين، أحلاهما مر، كما يقولون. فإما أن يلتزم بتعليمات هذا المسؤول المخالفة للقانون ويصبح الموظف بذلك عرضة للمساءلة القانونية، ولن يشفع له تبريره أنه إلتزم بتعليمات وتوجيهات المسؤول، أو أن يخالف هذا الموظف تعليمات المسؤول، فيناصبه هذا الأخير العداء بل ويمعن الى ما هو أبعد من ذلك بإستهداف قوته وقوت عائلته و/ أو التقليل من مكانة هذا الموظف وإحالته الى اللجان القانونية ولجان التحقيق متعسفا في إستخدام الصلاحيات المخولة له قانونا، وفي "أفضل الحالات" حجب الترقيات و/او العلاوات عن هذا الموظف.
في القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالحرب مثلا، يقولون للجندي عليك بأن تلتزم بالأوامر العليا إلا في حالة أن تكون هذه الأوامر مخالفة لحقوق الإنسان، فإذا مثلا تم توجيه الأمر لك بإطلاق الرصاص على شخص بريء، عليك أن لا تلتزم بالأمر وإلا كنت شريكا في الجريمة، اللهم إلا في حالة واحدة، عندما يصوب القائد العسكري سلاحه الى رأسك مباشرة ويأمرك بقتل هذا البرىء وإلا كان الثمن رأسك أنت. ومع ذلك، يقتلون الأبرياء ... بدم بارد، فشتان بين النظرية والتطبيق.... ويا روح ما بعدك .... روح.
كم عدد المسؤولين الذين ينتهكون القانون ويتعدون على الصلاحيات المناطة بهم، بل ويتعسف البعض من بينهم في إستخدام السلطة.
ثم يأتي دور الهيئات الرقابية التي تكون أمام إحتمالين، الأول إما أن تجري تحقيقا جديا وتتخذ خطوات حازمة لتصويب الوضع حتى لو إمتعض المسؤول وطاله الإجراء القانوني، أو أن تهادن وتلتزم الصمت.
ولعل أساس ذلك كله، هو إنعدام وجود قناعة لدى السواد الأعظم ممن يتقلدون موقعا أنهم تحت القانون وليس فوقه، وأن ما يحكم عملهم هو مهام وصلاحيات ومسؤوليات تحدد حصرا بالقوانين والأنظمة.
وكم يكون جميلا، وقبل أن يأخذ أي مسؤول أي قرار، أن يلجأ الى المستشار القانوني للجهة أو الهيئة التي يتبع لها، فيكون لكل تصرفاته السند القانوني الذي يشكل درعا واقيا له. ويجنبه المساءلة.
أما عندما يصل الأمر الى القضاء والتقاضي، فكيف سيكون موقف هذا المسؤول عندما يصدر حكما قضائيا ضده أو ضد المؤسسة التي يتبعها، ألم يكن من الأجدر تجنب ذلك كله، وإسناد القرارات التي سبق وأن أصدرها هذا المسؤول بالسند القانوني،. وتكون الطامة الكبرى عندما يمعن المسؤول في غيّه وطغيانه برفض الإمتثال لحكم القضاء .... عندها تنطبق الأية الكريمة التي تقول " إذهبا الى فرعون إنه طغى".
لماذا يعتبر بعض المسؤولين أن مخالفة أي موظف لرأي المسؤول هو مسألة شخصية تستهدفه وتستوجب ملاحقته بل ومعاقبته؟ لماذا لا يثنون على هذا الموظف ويعتبرونه سندا حقيقيا لهم في تصويب الإعوجاج ومأسسة المؤسسة؟ بدلا من الإعتماد على قطيع من " السحيجة" و " المطبلين" عملا ببيت الشعر الذي يقول " إذا كان رب البيت بالدف ضاربا .... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص".
إن كنا نريد كيانا متينا يستند الى دولة القانون والمؤسسات، فيجب أن يتنامى في دواخلنا ذلك الشعور وتلك القناعة بتقبل النقد والإستعداد لتصويب الخطأ المرتكب بدلا من التعنت والمكابرة ... فالعناد ... كفر كما يقولون، ونحن لا نكفر أحدا لا سمح الله ولكننا ندعو الى تقويم الإعوجاج.
وإلا فلنكف على إقتباس المقولات التاريخية التي نتغنى بها ولا ننفذها كمقولة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما خطب في الناس قائلا " من رأى مني إعوجاجا فليقومه".