من يومها أدركت أن التشبيه يتعلق بأهم صفة ترتبط بسريان السوائل ألا وهي الإستفادة من الجاذبية الأرضية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى، بحيث يكون سريان السوائل من الأعلى الى أسفل، وإن حصل العكس فلا يتأتى ذلك إلا من عملية ضخ.
وليس صدفة أن الخالق عزّ وجل قد جعل طعامنا وشرابنا دون مضخات بل وظّف الجاذبية الأرضية بحيث تكون عملية المأكل والمشرب من أعلى وخروج الفضلات من أسفل، بينما لضمان دور دموية سليمة خلق لنا القلب الذي هو عبارة عن مضخة.
وقد يتساءل البعض .... إلي أين يريد هذا البطراوي أو يأخذنا في هلوسته هذه؟
بتاريخ 7/10/2019 أرسلت ذات الكتاب الى كل من بلدية رام الله الموّقرة وبلدية البيرة الموّقرة ( الكتاب محفوظ لدي وموقع بما يفيد الإستلام) وذلك بخصوص الصرف الصحي لحوض السلامية في مدينة البيرة وحوض الكرينعة في رام الله والجوار، وتمنيت على المجلسين البلديين في مدينة رام الله ومدينة البيرة " القيام بعملية دراسة مشتركة لشبك حوض السلامية وحوض الكرينعة وغيرها من الأحواض المتاخمة مع أي محطة تنشأ بجانب محطة تكرير الطيرة التابعة لبلدية رام الله ( أو أي موقع أخرى مناسب)، دون الأخذ بعين الاعتبار أين يقع هذا الحوض أو ذاك وضمن حدود أي بلدية، حيث أننا بذلك نتجاوب مع ونحاكي الطبيعة والجاذبية الأرضية في إنشاء شبكة الصرف الصحي بغض النظر عن حدود هذه المدينة أو تلك".
عبّرت عن وجهة نظري المتواضعة بالقول " أنه إن توفرت الارادة لتنفيذ هذا المشروع المشترك ( وربما مع هيئات محلية أخرى مجاورة) فإننا أولا نساهم في حل مشكلة بيئية تتفاقم في تلك الأحواض، وثانيا نساهم في تقليل خصومات الاحتلال من أموالنا المستحقة لديهم حيث يخصمون سنويا مبلغ مائة وإحدى عشر مليون شيكل بإدعاء معالجتهم للمياه العادمة من مناطقنا، وثالثا يدّعم المشروع أواصر العمل والتعاون المشترك بين هيئات الحكم المحلي ويتخطى الحدود التنظيمية للمدن فيما يتعلق بالبيئة".
وأردفت في كتابي " إن توفرت الارادة السياسية لاتخاذ هكذا قرار من قبل مجلس البلديتين، يصار الى بحث التفاصيل والمعيقات والعمل على تذليلها، حتى لو تطلب الأمر إنشاء محطة تنقية ثالثة قرب محطة الطيرة/ محطة عين قينيا".
وحذرت بالقول " بخلاف ذلك، فإن مياه الصرف الصحي في أحواض السلامية ( ضمن حدود مدينة البيرة) والكرينعة ( ضمن حدود بلدية رام الله) ستتدفق مستقبلا نحو أراضي مدينة رام الله بفعل الجاذبية الأرضية وتشكل كارثة بيئية مع تزايد عدد المباني في تلك الاحواض، ما يدعونا الى التفكير الاستراتيجي لمستقبل البيئة الفلسطينية والمدينتين. وأحيطكم علما بأنه لا يوجد لدي أي مصلحة شخصية مطلقا في تلك الأحواض وإنما أهدف الى مستقبل المدينتين والبيئة الفلسطينية والأجيال القادمة".
كان ذلك أيها الأحبة قبل نحو عامين وما زلت أنتظر ردا من كلا البلديتين ... وبصراحة لم أكن أتوقع أن يردني أي رد .... فقلة الرد .. رد .. كما يقولون.
لم يلتفت المجلس البلدي لبلدية رام الله الموّقر لكتابي هذا فقلت أن مرد ذلك ربما هو أن بلدية رام الله غير معنية مطلقا بأن يشكل حوض السلامية بصرفه الصحي عبئا على أراضيها، لكن أن لا يلتفت المجلس البلدي لبلدية البيرة الموّقر لكتابي ولا يقوم بدراسته وهو المتضرر الأكبر ومواطني المدينة من أي بديل آخر ... فتلك صراحة .... مصيبة.
لكن، دعوني للقارىء العزيز سواء أكان من مواطني مدينة البيرة أو غيرها أن أضعه في صورة الوضع المأساوي الناجم عن عدم شبك العقارات في أي منطقة كانت ( ليس بالضرورة رام الله او البيرة فقط ) بخطوط للصرف الصحي، حيث يلجأ المواطن عادة إما الى إنشاء حفرة لتجميع مخلفات الصرف الصحي التي من المفترض أن تكون مصمتة أي صماء غير نافذة، لكن الغالبية ينفذونها بحيث تكون حفرة إمتصاصية تتسرب من خلالها مياه الصرف الصحي الى باطن الأرض لتختلط مع المياه الجوفية وفي ذلك ضررا بيئيا كبيرا حيث يقومون بإحداث خوابير أو ثقوب في قاعدتها. وتكون الطامة الكبرى في الشتاء عندما يتكاسل بعض المواطنين وعن عمد عن نضح الحفرة التي تفيض فتختلط مياه الصرف الصحي مع مياه الأمطار السطحية وتنحدر الى الأودية مسببة ضررا للأراضي التي تمر عبرها.
ولتشخيص واقع الحال، فإنه يوجد في مدينة البيرة خمس محطات لتجميع مياه الصرف الصحي الأولى محطة بالقرب من "عرابي" على شارع البيرة - القدس والثانية محطة خلة القرعان والثالثة محطة الاذاعة والرابعة محطة قرب المسلخ البلدي والخامسة محطة قرب كراج البلدية (المنطقة الصناعية ) وجميعها تقوم بعملية التجميع ثم الضخ الى محطة التنقية الواحدة والوحيدة القائمة في واد العين الغربي. أما بخصوص بقايا التنقية ( sludge ) ففي السابق كان يصار الى إرساء عطاء على مقاولين للترحيل الى منطقة اريحا وفي الوقت الراهن بتم التخلص منها في المكبات.
كلفت بلدية البيرة الموّقرة جهة فنية مختصة إعداد دراسة لتوسعة شبكة الصرف الصحي لمنطقتي السلامية وخلّة العمياء خلصت الى أن الخيارات الوحيدة المتاحة ( وعددها 3) تتجلى جميعها في جوهرها بالتنقية أولا ( من خلال محطات تنقية صغيرة) ومن ثم الضخ ثانيا بعد إنشاء شبكات الصرف الصحي في الأحواض المستهدفة وبضمنها حوض السلامية، ولكم أن تتخيلوا أيها الأحبة أن عملية الضخ ستكون من غرب المدينة الى شرقها مع كل ما يترتب على لك من تكلفة عالية جدا، وتكرار الأعطال ما يستوجب تركيب مضخات إحتياطية.
فأين المخطط الهيكلي المحدث من ذلك كله؟
ومما لا شك فيه، أن الجهة الفنية المتخصصة التي كلفتها بلدية اللبيرة الموّقرة قد حصرت نفسها في هذه الخيارات لأن بلدية البيرة الموّقرة قيدتها بحل " التنقية ثم الضخ" بخلاف الجاذبية الأرضية كي تتجنب عملية التنقية ومن ثم منح المجال للمياه العادمة التي تم تنقيتها للتدفق نحو أراضي تابعة لمدينة رام الله على ما يبدو خوفا من "إنتهاك السيادة".
إذا، أيها الأحبة، أين هي مقولات "المدينتان التوأم"، أين هو التعاون المشترك ليس فقط بين المدينتين بل أيضا بين كافة الهيئات المحلية المجاورة، لماذا يحق لبلدية رام الله أن تنشىء محطة تنقيه في أراضيها وتترك المجال لهذه المياه المنقاة أن تنحدر الى خارج أراضيها نحو قرية عين كينيا، بينما لا تريد بلدية رام الله ان تفعل بلدية البيرة أو غيرها من الهيئات المحلية المجاورة ذات الشىء. أحرام على بلابله الدوح ..... حلال للطير من كل جنس .... كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي – رحمه الله -.
لماذا لا تنشأ محطة تنقية الى جانب محطة تنفية بلدية رام الله أسفل حي الطيرة تكون خاصة بتنقية المياه العادمة القادمة من أحواض تتبع لمدينة رام الله وأحواض تتبع لمدينة البيرة وغيرها من الأحواض التابعة لهيئات محلية مجاورة؟
ولنفترض جدلا أن لا وجود لإرادة سياسية لدى بلدية رام الله الموّقرة للقيام بهذه الخطوة الجريئة ذات البعد البيئي الهام، لماذا لا تقوم بلدية البيرة بمخاطبة الجهات الرسمية الفلسطينية للقيام بذلك، أو أن تشتري قطعة أرض مجاورة لمحطة الضخ التابعة لمدينة رام الله وتنشىء محطة ضخ تابعة لها وللهيئات المحلية المجاورة بعد الحصول على التراخيص اللازمة وتقوم بتمديد خطوط الصرف الصحي إليها أيضا بموجب الأنظمة والقوانين، فلا يوجد ما يمنع بلدية البيرة قانونا أن تشتري قطعة أرض في مدينة رام الله، ولا يوجد ما يمنع أن تنشىء بلدية البيرة محطة تنقية على هذه القطعة ولا يوجد أيضا ما يمنع قانونا بلدية البيرة أن تقوم بتمديد خطوطها وفقا لمخطط مدروس في الشوارع المؤدية الى هذه المحطة الجديدة من جهة مدينة البيرة، شأنها شأن مصلحة المياه وشركة الإتصالات وشركة الكهرباء.
لماذا لا تحشر بلدية البيرة شقيقتها وتوأمها بلدية رام الله "في الزاوية" كما يقولون وتخيرها بين خيارين إما إنشاء محطة تنقية مشتركة تخدم الأحواض المنحدرة صوب هذه المحطة بفعل الجاذبية الأرضية التي سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمة البشرية، أو أن تنشىء بلدية البيرة محطتها داخل حدودها وتترك للجاذبية الأرضية أن تفعل فعلها بالسماح للمياه المعالجة أن تنحدر الى أراضي مدينة رام الله، تماما كما فعلت بلدية رام الله في محطتها الحالية التي إنحدرت مياهها المعالجة الى أراضي قرية عين كينيا.
وللعلم، فإن هناك مجموعة من خطوط الصرف الصحي وخطوط تصريف مياه الأمطار أيضا التابعة لبلدية رام الله قد شبكت منذ سنوات وسنوات على خطوط الصرف الصحي وعبارات المياه التابعة لمدينة البيرة وبنسبة عالية ومنها – على سبيل المثال – شارع المستشفى والشوارع المتفرعة منه شارع العودة في رام الله، ومنه الى شارع خليل صلاح وشارع رفاييلي تشرييللو وشارع عبد القادر الحسيني وشارع غسان كنفاني وشارع حنا ميخائيل وأجزاء من مجمع رام الله الطبي نفسه، وفي ذات الوقت هناك ربط لبعض مناطق بلدية البيرة بنسبة أقل على شبكة الصرف الصحي لمدينة رام الله بالقرب من وزارة المالية وبعض المباني في شارع الشهيد يحيى عياش في منطقة الماسيون.
خلاصة القول .....
كثيرة هي المدن التوأم في العالم التي تقع المدينة الأولى في دولة وتقع الثانية في دولة أخرى ويوجد خط طلاء فاصل وتشترك معا في معالجة الأمور البيئة المشتركة ولا تقيم الحواجز فيما بينها أو تقيم نقاط لحرس الحدود، فالعالم برمته قد أصبح قرية صغيرة، وما لم تعكس المخططات الهيكلية المحدثة لهذه المدن هذا التعاون أو هذه التصورات البيئية سواء أكانت بصورة مشتركة مع الهيئات المحلية الفلسطينية المجاورة أو بشكل منفرد فالأجدر سحبها وإعادتها الى ذوي الإختصاص لبلورة رؤيا أستراتيجية فالحديث يدور عن مستقبل التجمعات الفلسطينية لـلـ 25 عاما القادمة... ودعونا من مظاهر التوأمة الاستعراضية كالسير معا في إحتفالات عيد الميلاد المجيد وإضاءة شجرة الميلاد وفانوس رمضان وإطلاق البلالين في الهواء... وفكروا بالتوأمة ذات البعد الاستراتيجي.