لقد تماثل الضدان في منهجين لكل منهما منطقه و رجالاته و رموزه واسلحته وأثقاله و أمواله وشعاراته وإعلامه ، ولكن الكأس حين تطفح ، فإنها بالضرورة ان تفيض ، فقد عاشت القدس حقبة "السلام" حتى آخر الرمق ، قبلت به وانتظرت تنفيذ ما تم التوافق عليه ، و كظمت غيظها من التأجيل والتسويف والمماطلة ، في انتظار ان تعاد لها هيبتها وحقيقتها وصورتها وتاريخها ومعالمها المقدسة مسيحية واسلامية ، وحتى اليهودية ، ولكن كل هذا قوبل بالانكار والاستهتار والاستهوان ، بل بفتح شهية التوحش والاجرام من اعلان ضمها كلها عاصمة موحدة وابدية لـ"اسرائيل" الصهيونية التي صدقت كذبتها من انها "لم تحتلها عام 67 بل قامت بتحريرها"، وتمعن في الانتظار ، علّ ادارة جديدة في البيت الابيض تطيح بالادارة الهتلرية ، فتعيد الامور الى نصابها ، لم تعد الادارة الجديدة "الحكيمة" شيئا الى نصابه ، ليتم الاعلان عن تحديد يوم لمهاويس الهيكل المزعوم باقتحام مسجدها ، مسرى نبيها ومعراجه الى السماء ، مترافقا ذلك بالاعلان الرسمي الحكومي والقضائي والحزبي والشعبي عن تطهير حي الشيخ جراح من سكانه الاصليين الصابرين والمثابرين ، المسكونين بخوف انقضاض الوحش الكاسر عليهم فيرميهم الى الشوارع .
في مشهد محمد الضيف ، الذي خرج فيه عن المألوف الدارج ، كرجل عسكري يتجاوز السياسي ، بالرد على "إسرائيل" في حالة الاعتداء على الشيخ جراح ، بدى واضحا ان نهجا جديدا يترسخ ، ألمح اليه قائد ايران الاول علي خامنئي عندما قال ان الشعب الفلسطيني تجاوز القتال بالحجر الى الصاروخ الدقيق ، ما أكد عليه بوضوح أشد امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، حين شدد اكثر من مرة على اهمية تثبيت قواعد الاشتباك مع العدو ، بمعنى ان يتم الرد من غزة على ما يرتكبه العدو في الضفة ، وهي القواعد التي تتبعها "إسرائيل" مع حزب الله ليس فقط في جنوب لبنان ، بل في كل ارجائه وانحائه وسمائه ومياهه.
وإذا كان الضيف الذي همس بيل كلينتون في أذن ياسر عرفات عندما حضر الى غزة عام 1996: نريد ديف ديف ، كمطلوب لـ"إسرائيل" ، فهو اليوم بعد ربع قرن يعد المسؤول العسكري الاول في كتائب القسام عمدت "إسرائيل" لاستهدافه خمس مرات ، فقد عينه في إحداها ، واستشهاد زوجته وابنه في آخرها ، لكن حسن نصر الله يعد مسؤول محور المقاومة كلها بما فيها غرفة عمليات غزة ، وبالمعنى غير الدبلوماسي وغير المجازي ، فإن تثبيت قواعد الاشتباك مع "إسرائيل" هو بمثابة الأمر العسكري الذي ينتظر استحقاق التنفيذ ، فيغلق الطريق امام أصحاب المنهج القديم في رحاب القدس كعاصمة للمقاومة ، التي كانت قبل سنة ونصف قد شيعت قائد الفيلق الذي يحمل اسمها ويرسم كشهيدها.