بغض النظر عن موقفنا من سياسات الرئيس المصري ... إلا أننا نجد أنفسنا معه في التهديدات التي أطلقها مؤخرا ضد أثيوبيا " وأضيف بدوري هنا الى أنني أيضا وقفت مع طاقم هيئة قناة السويس وكوادرها مؤيدا لخطواتها العلمية المدروسة في تعويم سفينة الحاويات (الكونتينرات) العملاقة " إيفر جيفن" العالقة دون الحاجة لتخفيف و/او تفريغ حمولتها من الكونتينرات وأرسل تحية عسكرية وإنسانية لكل كادر مصري وغير مصري ساهم بصمت في تعويم السفينة العالقة وإذا كان للتكريم في العالم موقعا حقيقيا فإن هؤلاء هم من يستحقون فعلا التكريم.
إن ما يسجل تاريخيا لمصر أولا قيامها بحفر وتشيد قناة السويس التي هي عبارة عن ممر مائي يبلغ طوله 193 كيلومترا يصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر وهو ممر مائي مزدوج وينقسم بشكل طولي الى قسمين ، قسم شمالي وآخر جنوبي ( حيث البحيرات) وكل ذلك بغية السماح للبواخر والسفن من المرور والعبور في الإتجاهين ما شكّل أسرع ممر بحري عابر بين الفارتين مقللا حوالي مسير 15 يوما على البواخر فيما لو سلكت طريق رأس الرجاء الصالح. وعلى الرغم من أن التاريخ يذكر أن قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابرت هو من فكر في إنشاء القناة ( حوالي عام 1798) ألا أن فريناندو ديليسيبس هو من أقنع الباب العالي محمد سعيد باشا عام 1854 تنفيذ هذه الفكرة وحصلت شركته على إمتياز حفر القناة والإستفادة منها لمدة (99 عاما)، وقد إستغرقت عملية الحفر وتشغيل قناة السويس كما سجل التاريخ قرابة العشر سنوات، كان وقود تشييدها جيش من العمال المصريين فاق عددهم المليون وإستشهد من بينهم ما يزيد عن المائة وعشرين ألف عامل حيث عملوا في ظروف قاسية للغاية أدت الى تفشي الأمراض بينهم. تم إفتتاح القناة رسميا عام 1869 وحاولت الشركة الفرنسية فيما بعد تمديد حق الإمتياز لمدة 50 عاما ، إلا أن الزعيم الخالد الراحل جمال عبد الناصر قام في العام 1956 ( بدعم من الإتحاد السوفياتي ويجب أن نسجل له ذلك للتاريخ شاء من شاء وأبى من أبى حتى لو إتهمتمونا بأننا إن أمطرت في موسكو نرفع الشماسي هنا) بتأميم قناة السويس، حيث أعلنت إثرها كل من بريطانيا وفرنسا وكيان الإحتلال الصهيوني الحرب على مصر والتي عرفت " بالعدوان الثلاثي عام 1956" وبفضل صمود الجيش المصري الفتي والمقاومة الشعبية المشرفة للشعب المصري وبدعم من الإتحاد السوفياتي إنسحبت قوات العدوان على أعقابها منكفئة خاسرة وإنتصرت إرادة الشعب المصري.
ولا بد لنا ثانيا وللتاريخ أيضا، ورغم كل تحفظاتنا على الكيان الرسمي المصري ما بعد عبد الناصر الى الان إزاء العديد من القضايا أن نسجل لكافة الحكومات المصرية المتعاقبة ولقيادة الجيش المصري إصرارهما على السيطرة المصرية والسيادة الكاملة غير المنقوصة على قناة السويس، وتطوير القناه عبر الهيئة المصرية لقناة السويس وتوسيع مجرى القناة وتقليل وقت عبور البواخر والسفن تلك الجهود المستمرة دوما وكان آخرها الإفتتاح الكبير لمشروع قناة السويس الجديدة في آب 2015.
ووفقا للشبكة العنكبوتية "ويكبيديا" بلغت عوائد القناة في العامين (2014 – 2015) حوالي 93 مليار جنية مصري حيث يمر عبر القناة ما بين 8-12% من حجم التجارة العالمية.
ولا بد لنا ثالثا ، وبعد هذا العرض التاريخي، إلا أن نتوقف قليلا بخصوص حادثة جنوج باخرة الكونتينرات العملاقة وإغلاقها للقناة، إذ تعتبر واحدة من أكبر السفن في العالم " لدرجة وصفها بناطحة سحاب متحركة" ويبلغ طولها حوالي 400 متر وعرضها 59 مترا وتبلغ حمولتها الإجمالية 224 الف من ( أي حمولة حوالي 21 الف كونتينر) ، وبحتاج الغاطس لديها الى نحو 14-16 متر عمق كي يبدأ بالعمل.
وحيث أنه لا يحق لنا مطلقا – كما فعل البعض لشديد الأسف – في إبداء الآراء ( جزء منها أيضا لشديد الأسف غير علمي وإنما خزعبلات ليس أكثر) حول الأسباب التي أدت الى جنوح هذه الباخرة العملاقة، إلا أنه ورابعا يجب أيضا أن نثمن عاليا سرعة قيام هيئة قناة السويس بفتح تحقيق في الواقعة بغية إستخلاص العبر والنتائج للبناء عليها للمستقبل وعلينا أن ننتظر نتائج التحقيق وتوصياته.
مصر أم الدنيا، مصر كيان هام في منطقتنا وأنصحكم بالإستماع الى أغنية علي الحجار التي تقول " اللي بنى مصر ... كان بالأصل حلواني ... وعشان كده ... مصر يا أولاد ... حلوة الحلوات".