اطلس: كتب: الأسير خليل أبوعرام
كلماتٌ اعتدنا سماعها وترديدها والتصفيق لها والاصطفاف خلف مطلقيها دون التدقيق في معانيها أو في الخلفيات والأبعاد والغايات والنتائج منها، ومن هذا النهج الذي يحاول البعض إغراقنا فيه وجعله نهجاً جديداً لديمقراطيةٍ من طراز خاص، دون النظر إلى أن شعبنا، في غالبيتهِ
العظمى مسيساً هذا من جهة، ومن جهةِ ثانية إنه شعباً متعلماً ومثقفاً وليس ساذجاً إلى تلك الدرجة التي يعتقد بها البعض أن بإمكانه سلب إرادته وعقلهِ وإدراكه من خلال ثمةٍ من الشعارات والجمل الرنانة، التي يطلقوها لتواكب كل استحقاق انتخابي أو في حالات فرز قيادات شعبية أو حزبية أو حتى قيادات مؤسسات المجتمع المحلي المدنية والتنظيمية القاعديةِ منها والعليا، وصرف النظر عن مستوى هذه القيادات وحجم هذه المؤسسة أو التنظيم ودورهمها، وكأن هؤلاء باتوا الأوصياء والأحرس والأدرى بمصلحة الشعب، فيما على الشعب الأصطفاف والهرولة خلفهم ناسيين أن الشعب لم يعد تنطلي عليه تلك الأساليب، وبات قادراً على التمييز بين الغثِ والثمين.
ما دفعنا لهذا التقديم هو ما بتنا نسمعه ونشهدهُ من نهجٍ يحاول البعض تكريسهُ في أذهان وعقول شبابنا من خلال جملة المفردات والشعارات التي يتبرعُ طوعاً بإلقاءها على وسائل الإعلام المختلفة، مستبقين بذلك المؤسسات الرسمية ودون الأخذ بأرآء المعنيين بالأمر في كثير من الأحيان، ومتجاهلينَ حقوق الآخرين من أصحاب الطموح الراغبين في المنافسة، وأصبح هذا الإسلوب نهجاً لكثير من المؤسسات والدوائر التنظيمية القاعدية والعليا، وبات الأمر يلقى آذانٌ صاغية لدى قطاعات واسعة، خصوصاً إذا ما كان يطلق هذا الشعار شخصية اعتبارية وازنة في هذه المؤسسة أو تلك، ويحضى بإلتفافٍ قد يكون في كثير من الأحيان بسبب موقعهِ ومكانتهِ التنفيذية.
فعبارة رجل المرحلة، والمرشح الأوحد، والمنافس الأقوى، أو الذي لا بديل عنه، أو الذي نختلف معه ولا نختلف عليه، وغيرها الكثير من العبارات التي يتردد تداولها على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، من هذا المسؤول أو ذاك، باتت تضعنا أمام تساؤلات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر، من خول هذا المسؤول بإطلاق هذا التقييم، وما هي غايتهُ من هذا الوصف، وهل أخذ رأي المؤسسات التنظيمية العليا المخولة بتحديد هذه الأوصاف، ألا يجدر به أن ينتظر المؤسسة التنظيمية لتقول رأيها أولاً ثم يتبنى ذلك ويحمله للجمهور، أم أنه أراد توجيه الآخرين، وهل قارن بين خياره وبقية الخيارات التي ربما قد لا يكون عرفها جميعاً، وربما أن فرصها أقوى، هل أخذ رأي من يروج له وما إن كان يرغب بترشيح نفسه أم لا، أم أراد أن يحرجه ويدفع به ليرشح نفسه إن لم يكن يريد ذلك، أو ربما أراد التملق والنفاق والظهور بمظهر الحريص، أو قد يكون ذلك فقط نكاوةً بغيره وحسداً له ولعجزه عن طرح نفسهِ فعبر عن مرضهِ النفسي بطرح الآخرين، والأهم من كلِ ذلك، ألا يثق بشعبهِ وقدرتهِ على التمييز وحسن الاختيار؟
لقد وضعنا هذا الأسلوب أمام تساؤلٍ آخر ومحق، وهو عن أي ديمقراطيةٍ نتحدث ونحن نجد هذا المسؤول أو غيرهِ يقودنا إلى اتباعه مستبعداً تفكيرنا وقدرتنا على التمييز، هل هذه هي الديمقراطية الحرة والنزيهة التي يترك للفرد فيها التمييز بين الخيارات الموجودة والمقارنه بينها واختيار الأفضل، أم يطوع عقولنا إلى استبداديته ومنطقهِ التلقيني ويجردنا من إرادتنا وحريتنا، لنبقى اتباعاً له، أليس الأحرى بهؤلاء تعليم الناس أن يكونوا أحراراً لا عبيداً لهذا المسؤول أو لذاك العرّاب أو غيره من متعهدي الأصوات أو عرّابي الانتخابات، أليس الأجدر بأن يعلمواً الناس اختيار مسؤوليهم وفقاً لمعايير الكفاءة والتضحية والصدقِ والأمانة وإجراء التقييم والمقارنة والمفاضلة بين جموع المرشحين لاختيار الأفضل من بينهم، وفقاً لتلك السمات تاركاً الأمر بعد ذلك لضمائر الناس وعقولهم؟ علموا الناس التمييز بين الغثِ والثمين، الصالح والطالح، بدلاً من تلقينهم كي يختاروا هذا أو ذاك.
لاشك أن مرحلة الانتخابات هذه المرة مختلفة عن سابقاتها من المعاوك الإنتخابية، وذلك بسبب جملة من الأسباب، منها:
1. إجراء الإنتخابات سيكون على المستويين الرئاسي والتشريعي خلال مرحلة زمنية متقاربة ووجيزه.
2. إجرائها يأتي في مرحلة مصيرية فاصلة وحاسمة قد طال انتظارها، وجعل منها غايةً كما هي أيضاً استحقاق شعبي لعلها تعيد وحدة الشعب سياسياً وجغرافياً، وتغلق ملف الانقسام الأسود.
3. إن عملية المنافسة هذه المرة ستكون على برنامجين سياسيين باتت معالمهما واضحة للجميع ومتساوية في كثير من الجوانب، برنامج حماس الذي كان غامضاً وغير واضح في الانتخابات السابقة وكان شعاره المقاومة، فبانت مسالبهُ وكشفَ المستور منه وبات مساوٍ لبرنامج فتح المقاومة، بل أقلَ منه درجه، وشابه الفساد بدرجة أكبر من برنامج فتح.
4. غياب الهالة الرمزية عن منصب الرئاسة بعد استشهاد الرئيس أبو عمار، واستسهال المنافسة على الرئاسة وتعدد المرشحين وتفاوت الفرص لصالح آخرين غير الرئيس وفقاً لاستطلاعات الرأي.
5. المنافسة هذه المرة ليس بين فتح وفصائل منظمة التحرير التي لن تستطيع مجاراتها حجماً وإنما بين فتح وحماس وبقية الفصائل التي ستصطف خلف فتح أو حماس وفقاً للمصالح والأيدولوجيا.
6. سيترتب على فوز الفصائل انعكاسات طردية لنصيبها في المؤسسات الأخرى، كمنظمة التحرير والمجلس الوطني والمجلس المركزي.
7. حلول هذه الانتخابات في ظل حالة جماهيرية حانقة ويائسة من سياسة حماس في القطاع، وحالة تذمر وعدم رضا من سياسة فتح شبه المترهلة والمتناهية مع سياسة السلطة في الضفة وتراجع المقاومة في غزة وعدم تحقيق إنجازات سياسة ملموسة في الضفة، وتوسع استيطاني كبير.
وبناءاً على ذلك فإن الحكمة تقتضي من رئيس هذه الحركة العملاقة ولجنتها المركزية البحث عن حلول إبداعية تجنبنا الخلافات، ودراسة كل الحيثيات الممكنة للخروج بقائمةٍ قوية ومقنعة ومختلفة عن كل المرات سواءً بما يتعلق بموضوع الرئاسة أو بموضوع قائمة التشريعي تحظى بالقبول والإجماع في أوساط الحركة والجماهير، لا سيما وأن أوساط الحركة وجسدها مدخلاً بالجراح الداخلية وفيها مزيجٌ من التناقضات، وهو ما يحتاج حكمةً وإبداع وسعة صدرٍ وحلمْ، كي لا نزيد الشرخَ عمقاً وندخل في دوامة خلافاتٍ لن يكون فيها رابح إلا المنافسين في الحركة، لا سيما في ظل وجود راغبين في المنافسة على منصب الرئاسة وقائمةٌ فتحاوية واحدة.
ثقتنا في الرئيس عالية أن يكون كما عهدناه على مدار تلك المرحلة التي جنبنا فيها ويلات حرب أهليه واقتتال داخلي، وما زال يحافظ على هذه الأمانة، فرجائنا أن يحافظ على هذا الإرث نقياً وأن يبقى محافظ على مسيرتهِ ساطعةً دون تشويه، وأن يوصل سفينة فتح بر الآمان، مع إدراكنا أن الأمانة ثقيلة والمسيرة محاطةً بألغامٍ عديدة، لكننا مؤمنون بالله أولاً وبجهودهِ ومعه كل المخلصين ثانياً أن يجنبوا الحركة أي هزاتٍ إضافية.