اطلس:استقالة د حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على الأغلب لن تغير في سياسة القيادة الفلسطينية المستفردة ولن تثنيها عما عزمت عليه.
كما أن هذه الاستقالة لا تعلن عن حالة عامة في أوساط النخبة القيادية الفلسطينية فما زال صوتها خافتاً وخجلاً بعد إعلان العودة بالعلاقات مع المحتل إلى ما قبل أيار2020رغم استياء البعض منهم لجهة انكشاف الحال حينما يتعلق الأمر بكيفية اتخاذ القرارات المصيرية بمعزل عن القيادة الرسمية وهياكلها وعلى رؤوس الأشهاد.
القرار المتخذ بإعادة العلاقات مع الاحتلال إلى سابق عهدها من أخطر القرارات وأكثرها ضررًا على مستقبل القضية من حيث المضمون ومن حيث التوقيت ومن حيث الشكل أيضاً ، وبغض النظر عن المبررات التي سيقت في هذا المجال فإن أياً منها لم يراعي إحترام العقل اطلاقا ، سواء التعلل بتوقيت إنتهاء مدة الشهور الستة لتحصيل المستحقات حسب اتفاقية باريس كون إسرائيل خرقت هذه الاتفاقيات جميعاً وهي إتفاقيات منتهية الصلاحية منذ العام 1999 ، وهذة حجج تقنية لا ترقى لمستوى التنازل السياسي ،ولا حجة وساطة وزير الخارجية البريطاني لحفظ ماء الوجه، ولا حجة الواقع المعاشي لموظفي السلطة الفلسطينية الذين ورغم الحاجة الماسة والفقر المدقع لا يقبلون بأن تأتي رواتبهم على حساب الحقوق الفلسطينية المغتصبة . نعم صحيح أن هناك حصار شديد وضغوط متعددة على القيادة الفلسطينية لكن التجربة علمتنا بإستمرار أن الرضوخ للضغوط يعني أن هناك مزيداً منها في الطريق .
الزعيم الراحل ياسر عرفات وبعد أن فتحت معه الادارة الاميركية حواراً مباشراً مع (م ت ف) كان بأمس الحاجة له سياسياً أواسط ثمانينيات القرن المنصرم رفض طلب الادارة بطرد أبو العباس من اللجنة التنفيذية بعد عملية السفينة الايطالية أكيلي لاورو لإعادة فتح القنوات معها ، كما رفض الطلب الأميركي بكشف أسماء لجنة التحقيق الفلسطينية بهذا الخصوص أيضاً، لا بأس من التفاوض حينما تستوفى شروطه ، أما التسليم بالأمر الواقع فيما الطرف الآخر يمارس كل أنواع الخروقات فهذا لن يفهم إلا على أنه إستسلام كامل ما يعني فرض المزيد من الشروط المذلة والمهينة .
أما تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني بأن ذلك كان بادرة حسن نية تجاه الادارة الاميركية الجديدة وإعلانه بأن الفلسطينيين جاهزون لمفاوضات بدون شروط مسبقة لا تنم عن أي ذكاء سياسي وذلك لأنه وببساطة متناهية يقدم لهذه الادارة إيحاءً واضحاً لا لبس فيه عن مدى الضعف والوهن الذي تعيشه القيادة الفلسطينية وما هو السقف الذي وضعته لنفسها بعد كل الخروقات الاسرائيلية والتغييرات التي تجريها على الأرض من خلال عمليات الاستيطان والتهويد المستمر أما إسرائيل فلم تقدم ولا حتى إشارة واحدة تجاه الموقف الفلسطيني سوى المزيد من الانتهاكات .
لذلك فإن بادرة حسن النية تجاه الادارة القادمة لن تعني لها سوى شئ واحد فقط وهو إستثمار الحال المتردي فلسطينياً لممارسة مزيد من التنازلات ، هكذا ترسم الدول الكبرى سياساتها بالتعامل مع الوقائع على الارض ، ولنأخذ إيران مثالاً فبعد أن أعلن الرئيس المنتخب بايدن مراراً وتكراراً نيته العودة إلى الاتفاق النووي قبل الانتخابات فقد عاد وصرح بأنه ينوي التفاوض مع الايرانيين وأنه ينوي ضم أطراف أخرى للإتفاق ، وهذا مؤشر لنية الإدارة الجديدة الاستفادة من الوقائع الجديدة على الأرض بعد العقوبات التي فرضها سلفه على الإيرانيين . لا أدري حقيقةً من يقدم هذه النصائح للقيادة الفلسطينية ولكن يمكننا التوقع بأنها جاءت من أطراف عربية على الأغلب تريد أن تخلص من العبئ الفلسطيني بأي طريقة وبأي ثمن وبلغت مرحلة من اليأس بأن أصبحت تعتقد أن لا خيار ولا طريق سوى هذا .
لكن وفقط من باب التذكير تمر علينا هذه الايام ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي غيرت معادلات وحسابات كثيرة ، فبعد أن ظن كثيرون أن القضية الفلسطينية إنتهت وجهزوا انفسهم لإهالة التراب عليها نهض الشعب من تحت الرماد وأيقظ ليس فقط الشعوب العربية وإنما الكثير من الضمائر الحية في العالم أجمع وعاد الفلسطينيون ليتصدروا المشهد العالمي ، فما خاب من اعتمد على شعبه وسيتفاجأ الكثيرون من الطاقات الكامنة لدى الشعوب .
في أواسط الثمانينيات نجحت منظمة التحرير في إعادة الوحدة إلى صفوفها بعد المؤتمر التوحيدي للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وجاءت الانتفاضة مستندة إلى موقف وطني فلسطيني موحد ، فهل تستطيع منظمة التحرير تجاوز حالة التفرد والانتقال إلى عملية إصلاح شاملة وتجدد نفسها بإنضمام بقية القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية أم أن الاوان قد فات ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر، هذا ما ستكشفه لنا قادم الايام .