وفي الحقيقة فقد لفت نظري الأستاذ عبد أبو شمسية الى مسألة غاية في الأهمية، تتعلق بالكتابة باللغات غير العربية وذلك كي يقرأ غير العرب من البشر على هذه البسيطة ماذا نكتب، وكيف نكتب، وبماذا نفكر. وكي نستنهض من داخلنا تقليدا تاريخيا قديما يمثل في سعينا لأن تصل رسالتنا الوطنية التحررية الى أكبر قدر من التواقين الى الحرية والإستقلال والإنفكاك من التبعية للإمبريالية والإستعمار بشقيه القديم والجديد.
كم هو عدد الصحف والدوريات والمنصات المكتوبة والمقروءة والمسموعة التي توظف بها ماكنة الإعلام الصهيونية جلّ إهتمامها وقدراتها لأجل نشر الفكر الصهيوني والتاريخ المزيف المتمثل في صناعة الشعب اليهودي. كم هو عدد ماكنات الإعلام العصري التي توظفها الإمبريالية للترويج لأفكارها ولمحاربة الفكر التنويري التقدمي التحرري؟
وفي المقابل، لاحظنا كيف إنحسرت وسائل الإعلام التي تنشر الحقائق وتروج للفكر التنويري وتصطف الى جانب الطبقة العاملة والفلاحين والطبقة الوسطى والمسحوقين والفئات المهمشة في أرجاء المعمورة. لقد حاصروها بإمتياز وتماشت هي أيضا مع محاصرتهم لها.
بتنا نكتب عن أنفسنا ولأنفسنا، عدنا نردد شعارات وعبارات وتصريحات عامة ليس أكثر، لا تغني ولا تسمن من جوع. تحوصل كتاب العالم العربي حول أنفسهم وفي دائرة صغيرة تتعلق بالتطرق الى حالة هذا البلد او ذاك من بلدانهم، فنجم عن ذلك قلّة عدد القراء الذين يتناقصون بالأساس لأسباب عديدة أخرى، وإنقضاض الإعلام المناهض لتطلعات الشعوب للتأثر على الرأي العام المحلي والعالمي.
كنا ننتظر المقالة اليومية أو الأسبوعية لمحمد حسنين هيكل ومحي الدين خالد وهادي العلوي ومحمد ذيب بوخبيرة وصالح قلاب وفهد الفانك وبشير البرغوثي وغيرهم وذلك كي تتفتح أذهاننا وننفتح بدورنا على النقاش الفكري حتى وإن إختلفنا مع بعض هؤلاء الكتاب.
ما العمل إذا؟
علينا أولا أن نقتنع بأهمية الماكنة الإعلامية في التأثير على الرأي العام العالمي، ومن ثم علينا أن نستنهض أنفسنا بالكتابة والنشر وتوظيف المرئي والمسموع والمقروء والإعلام العصري بكل السبل المتاحة بالكتابة والصورة والفن التشكيلي والموسيقى والأغنية والتراث وغير ذلك وبكل اللغات لأجل التفكر في هذا الكون والحديث ليس فقط عن قضايانا المحلية وإنما القضايا التي تهم العالم برمتة، ورواية الرواية الحقيقية للتاريخ التي لا تتعلق فقط بالقضية الفلسطينية أو القضايا العربية وإنما بالتاريخ البشري برمته القديم منه والحديث، إذ يجب أن يعرف العالم تفاصيل التاريخ إضافة الى المفاصل التاريخية الرئيسية من أحداث عالمية كأن نعرف التاريخ الحديث من خلال الحربين العالمية الأولى والثانية والتركيز على الحقبة الهتلرية وف ألمانيا وويلاتها، يجب أن تعرف البشرية أيضا الحقائق التي تتعلق بالإنقلاب الدموي في تشيلي مثلا الذي أدى الى إجهاض بؤرة متقدمة من النضال التحرري الثوري في أمريكا اللاتينية، وعلينا أن نعرف الحقيقة المتعلقة بأفغانستنان إبان حقبة الرئيس نور الدين محمد تركي، وتفاصيل فترة حكم شاه إبران وربط كل ذلك بالمؤامرات التي أحيكت وتحاك من قبل دوائرة الإمبريالية العالمية وتوظيفها لأنظمة ورموز حاكمة في هذا البلد أو ذاك لتحقيق غاية واحدة وهي السيطرة على مقدرات البلاد والشعوب.
علينا أن لا نشجع حضور السائح الى بلادنا لأجل التجول في الأماكن الدينية والتاريخية وأكل مأكولاتنا الشعبية والتبضع من أسواقنا فقط وعلى أهمية ذلك كله، بل أن يزورونا متضامنا مؤازرا لعدالة قضيتنا موظفا كل طاقاته للتأثير على الرأي العام في بلده، ولنا في كثيرين ممن لقوا حتفهم من المناضلين الأجانب لأجل قضايا التحرر العالمي ونصرة قضاينا من الأمثلة ما يكفي وجميعها تحتاج الى عملية إحياء وتذكير بإسهامات هؤلاء الجنود المجهولين.
لمن نكتب، وماذا نكتب، وبأي لغة نكتب وأين ننشر وغيرها من الأسئلة جميعها تحتاح الى أن ننفض الغبار عن أسمالنا وننهض مجددا شاحذين قدراتنا الفردية والجماعية لأجل إعلام مضاد يواجة الماكنة الإعلامية الصهيونية وإلا .... فنحن نقوم بالتطبيع دون أن ندري، فالتطبيع كما يقول شاعرنا الراحل محمود درويش " هو القبول برواية الطرف الآخر عن التاريخ".
شكرا أستاذ عبد أبو شمسية فقد أومضت بفكرة يجب أن لا تستوطن الكوخ بل تتعدى حدوده.