اطلس:بعد انقطاع وحرمان من الزيارة لمدة خمسة شهور بسبب انتشار فيروس "كورونا"، عادت الفرحة والسعادة لعائلة الأسير الجريح عزمي سهل نفاع وخاصة والدته هدية النفاع
التي بدأت تحصي الدقائق والثواني بعدما تسلمت التصريح من مكتب الصليب الأحمر، بانتظار الموعد المقرر في 14-7-2020، فلم تنم ليلتها، ومع بزوغ الشمس، سارعت الخطى لحافلات الصليب، قلبها يخفق لشدة مشاعر الشوق والحنين، لكن لازمتها مشاعر الخوف لاختلاف وضع ابنها عن باقي الأسرى الذي ترك رصاص الاحتلال أثاراً على معالم جسده وما زالت جراحه تنزف.
وتقول، "لم تفارقنا مشاعر الخوف والقلق منذ اعتقاله وإصابته بسبب إهمال الاحتلال لعلاجه رغم حاجته الماسة لعمليات جراحية طارئة، والشيء الوحيد الذي كان يخفف أحزاننا، زيارته ومعنوياته العالية وصموده وصبره"، وتضيف "محطات الوجع التي تلازمه، زادته قوة وجلد، ورغم المحنة والوجع، فإنه يتميز بروحه وطاقاته الايجابية التي تجعلني اعتز به وابتسم في كل زيارة، فكلماته وأحاديثه تمنحني شعورًا بأنه حر وليس مقيدًا".
كورونا والزيارة ..
كباقي الأسرى، فقدت عائلة الأسير عزمي الاتصال والتواصل معه بعدما ألغيت الزيارات، فأصبحت في كل لحظة تشعر بقلق أكثر بسبب وضعه الصحي. وتقول والدته، "تغيرت كل حياتنا في ظل انقطاع أخبار عزمي وعشنا فترة صعبة ومخيفة على كل الأسرى ومنهم ولدي بسبب حالته الصحية الصعبة وخصوصاً معاناته من ضيق تنفس، في وقت نعلم فيه جميعا بسوء أوضاع السجون، وعدم توفير الإدارة متطلبات الحماية والوقاية للأسرى".
وتضيف، "حاولنا بكل الطرق معرفة أخباره وإخوانه في السجن، لكن الإدارة أحكمت عزلتهم وقطعت أخبارهم عن العالم، وأصبحت ووالده نتمنى زيارته والاطمئنان عليه".
وتكمل "بعد محطات التفتيش والاحتجاز والدخول للسجن، بدأ قلبي يخفق بشدة وكأنه يحدثني عن شوق ولهفة عزمي لرؤيتي، وما أن شاهدته مع ابتسامته الجميلة حتى نسيت كل الوجع والأمل، فتحت ذراعي لاحتضانه وضمه لصدري، لكن الجدار الزجاج الفاصل حرمني أمنيتي الأجمل ونغص سعادتي إلا أن فرحتي لا توصف عندما رأيته بصحة جيدة وباقي الأسرى".
لحظات لا تنسى ..
تقول أمي عزمي، "عندما اجتمعت القلوب نسيت السجانين والجدران وفاضت المشاعر بأحاديث الشوق والحنين"، وتضيف، "عندما تطرقنا للحديث عن كورونا كان كل اهتمام ابني بالسؤال عن والده وأسرته وكل الأحبة وأبناء مدينته وشعبه وهو يتمنى السلامة للجميع، وعندما حاولت تقديم النصائح له، أصبح هو الناصح والمرشد وحثني على أن نبقى حريصين من فيروس كورونا والالتزام بالوقاية".
وتكمل، "شعرت باعتزاز بعزمي الذي نسي هموم السجن وأوجاعه وهمه الوحيد الحفاظ على حياتنا، وأمنيته الحرية والخروج من السجن والجميع بخير وصحة وسلامة وعدم فقدان أي أحد بسبب الفيروس.
وتذكر، "بسرعة انتهت الزيارة، كنت أتمنى أن تتوقف عقارب الساعة أو تأتي معجزة تعيده معي، وعندما فرض السجان علينا الخروج، ودعته بالدعوات والرضا والصلاة لرب العالمين أن يحميه وكل الأسرى، وأوصيته، بأن يبقى قريباً من رب العالمين".
حياة عزمي.. من طالب علم لجريح وأسير
قبل 26 عاماً أبصر عزمي النور في مدينة جنين، ليكون الثاني في عائلته المكونة من 5 أشخاص، نشأ وتربى على القيم والأخلاق الحميدة، وتقول والدته، "منذ صغره تميز بالتفوق والذكاء والطموح، تعلم بمدارس جنين حتى الثانوية العامة بنجاح وتفوق، وتحقيق حلمه الكبير بأن يصبح محامياً"، وتكمل "فرحنا بانتسابه لجامعة النجاح الوطنية في نابلس تخصص قانون، أكمل مشواره الجامعي بالتزام وتفوق حتى قطع الاحتلال عليه الطريق قبل فصل التخرج الأخير وحوله من طالب علم لجريح وأسير".
الاعتقال والإصابة
بتاريخ 23-11-2015 وخلال توجهه لجامعته، أطلق جنود الاحتلال عليه وهو يقود مركبته الخاصة على حاجز زعترة. وتقول والدته، "من وسائل الإعلام، سمعنا باعتقال عزمي بعد إصابته بعدة عيارات نارية في الفك العلوي والوجه والفم، وقد نقله الاحتلال لمستشفى "بلنسون" الإسرائيلي الذي احتجز فيه وسط حراسة مشددة، وعشنا كوابيسا لانقطاع أخباره وتكتم الاحتلال عن مصيره".
وتضيف، "أتمنى أن لا يعيش أحد في العالم الحالة والمشاعر التي مررنا بها في تلك الأيام السوداء والمؤلمة، وبعد فترة، علمنا من محامينا الخاص، أنه محتجز في المستشفى وسط حالة صحية صعبة بسبب إصابته البليغة والتي ما زالت تلازمه أثارها حتى اليوم".
الحكم والمعاناة
رغم آثار الإصابة وحالته الصعبة، رفض الاحتلال الإفراج عن عزمي، وبعد رحلة معاناة بين المحاكم، قضت محكمة سالم بسجنه 20 سنة.
وفي وقت لاحق، رفضت استئناف المحامي رغم تقديمه التقارير الطبية التي تؤكد خطورة وضعه ومخاطر احتجازه في السجون وحاجته الماسة لرحلة علاج طويلة. وتقول أم عزمي "فشلت كل الجهود والتحركات في إنقاذه من دوامة الاعتقال والسجن، ومما زاد ألمنا أنه في بداية إصابته عانى من فقدان النطق لكنه اليوم يتحدث بطلاقة".
وتوضح، "حالياً يعاني من مشاكل وصعوبة بالغة في الشفة والفك العلوي الذي فقد فيه جميع أسنانه مما يسبب له معاناة كبيرة في تناول الطعام كما يعاني من ضيق في التنفس".
وتكمل، "ألمه كبير ومستمر في اليد اليمنى، فقد انقطع الوتر في الأصبع الشاهد ولا يستطيع تحريكه، وهو بحاجة لعملية جراحية ليعود مكانه، كما يحتاج إلى عملية زراعة فك وترميم الشفة"، وتتابع "منذ خمس سنوات، ومؤسسة الضمير تتابع وضعه الصحي وقدمت لإدارة السجون كتب مدعمة بإثباتات وتقارير طبيىة لإجراء تلك العمليات، ولكن لغاية اليوم لا يوجد أي رد بخصوص وضع عزمي الصحي فنحن في مجهول" .
التحدي والأمل ..
لا يختلف حال الوالد سهل النفاع الذي تربطه علاقة وطيدة مع نجله. وتقول والدته، "لم يتوقف لحظة منذ حلول الكارثة عن إثارة ومتابعة ملف وقضية علاج ابننا، وفي كل محفل واعتصام وفعالية تضامنية، يتقدم الصفوف ليوصل رسالة ابننا وكل الجرحى والمرضى المهمشين والمحرومين من حقهم المشروع في العلاج"، وتضيف "بعد انقطاع الزيارات في شهر آذار الماضي، ازداد قلقه وخوفه على عزمي بسبب حالته الصحية، وقد اطمأن قلبه عندما تمكن من زيارته في 7/9/2020 وبفضل الله، فإنه ما زال صامدًا ويقاوم مع كل الأسرى فيروس كورونا لحماية أنفسهم".
وتقول، "كل هذا الواقع، ورغم السجن والمرض، مارس عزمي حياته بشكل طبيعي، استثمر الفترة في الدراسة وأكمل تعليمه وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون، وهو يكمل الآن دراسته العليا وأملنا أن تتوج جهوده بالحرية والتخرج معا".
وتناشد عائلة الأسير عزمي النفاع كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية والمعنية بالأسرى، تبني قضية علاج ابنها والتحرك العملي والفاعل لالزام الاحتلال بإجراء العمليات المطلوبة له قبل فوات الأوان، فوالده، يؤكد أن كل لحظة تأخير في العلاج والعمليات تشكل خطرًا على حياة عزمي ومستقبله وتهدد بمضاعفات أكثر على وضعه الصحي، قائلًا "مهما مارس الاحتلال، أملنا كبير برب العالمين، فدومًا أرى عزمي عائدا إلينا بكامل صحته ووجهه الجميل وطلته البهية، فهذه الجراح لن تدوم وستلتئم لأن الله معنا، قد يعيقنا ويؤخرنا الاحتلال لكننا دوما ننتظر إشراقة الفجر الجديد من ثغره الباسم وعيونه التي يسكن فيها الوطن الذي سيحمي أبنائه المخلصين".