و تجندت كل قوى الحرية والديمقراطية في العالم للمطالبة بحريته وحرية رفاقه في السجون، وكسر النضال الشعبي الجماهيري في جنوب إفريقيا النظام الحاكم، الذي إنهار في النهاية بفعل حركة المقاطعة وفرض العقوبات (BDS).
وغدا نيلسون مانديلا رمزا و أيقونة للحرية، والإرادة الإنسانية في وجه الجلادين، وتسابق زعماء العالم، بما في ذلك رؤساء الولايات المتحدة، التي لم تتورع أجهزتها سابقا عن وسمه بصفة الإرهابي، على إلتقاط الصور معه.
نيلسون مانديلا قضى سبعة وعشرين عاما في السجون، ونائل البرغوثي أكمل هذا الأسبوع أربعين عاما بالتمام والكمال، في سجون الإحتلال و الأبارتهايد الإسرائيلي، فأصبح أقدم أسير سياسي في العالم، وفي التاريخ الحديث.
الأسيران كريم يونس وماهر يونس من بلدة عارة الفلسطينية أكملا ثمانية وثلاثين عاما دون انقطاع في سجون الإحتلال، وهناك قادة مناضلون مثل الأسير مروان البرغوثي وأحمد سعدات، أمضوا في سجون القمع الإسرائيلي عشرات السنوات، ويتعرضون بإنتظام للعزل الإنفرادي في محاولة لإخماد صوتهم الوطني المؤثر.
لم يلتفت حكام العالم الذي يسمي نفسه حرا و ديمقراطيا، بعد لقضية الأسرى والأسيرات الفلسطينيين البواسل، ولم ينظموا حملات الضغط على إسرائيل للإفراج عن نائل البرغوثي الأسير الأقدم في العالم.
بل وصلت وقاحة النظام المالي العالمي إلى حد الضغط على البنوك الفلسطينية لإغلاق حسابات الأسرى وعائلاتهم، ولا يمر يوم دون أن تتعرض الحكومة الفلسطينية لضغوط هدفها المس بمخصصات عائلات الشهداء الأسرى ضحايا الإحتلال.
ولكن شعوب العالم، ومع إشراقة الشمس في كل يوم تزداد إدراكا لحقيقة ما يعانيه الشعب الفلسطيني من إضطهاد، وقمع نظام أبرتهايد عنصري أسوأ من الذي كان في جنوب أفريقيا.
أكثر من مليون عملية اعتقال تعرض لها الفلسطينيون منذ بدء إحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وقبل ذلك تعرض أهلنا في الداخل، وشبابهم لحملات اعتقال متتالية كان ضمن ضحاياها، لمن لا يعرف، شعراء فلسطين محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد.
وخلال الانتفاضة الأولى زُج بمائة وعشرين ألف شاب ومناضل في السجون، وصار معسكر أنصار ( سجن النقب) أسطورة تروي بسالة المناضلين وبعضهم قضى فيه شهيدا مثل إبن غزة والشجاعية، أسعد الشوا في آب عام 1988، و إبن مخيم جنين بسام السمودي.
أسماء نائل، ورفاقه، وأسيراتنا الباسلات، صارت شموس تضيء سماء فلسطين التي لن تنساهم.
أذكر عندما كنت طفلا الروايات المبهرة التي كنا نسمعها عن مناضلين من أقاربنا قضوا ثمانية سنوات في سجن الجفر الصحرواي، ولم أتخيل يومها أننا سنعيش ونرى مناضلين يختمون أربعين عاما من حياتهم في سجون الإحتلال.
ونعرف أن كل دقيقة قضاها أسير أو أسيرة في السجون، هي جزء من الثمن الذي ندفعه، كشعب واقع بكامله في أسر الإحتلال، من أجل حريتنا.
وأنا واثق أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يرى فيه نائل ورفاقه الحرية، وواثق أكثر بأن حرية شعبنا ستتحقق، عندما ينهار نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، بفضل بسالة المقاومة الشعبية، وحركة المقاطعة المتصاعدة، شاء حكام إسرائيل أم أبوا، هم وحلفاؤهم من مدعي أنهم "قادة العالم الحر"!!، ومن لا يصدق ذلك، عليه أن يقرأ مذكرات نيلسون مانديلا، ليفهم كيف يشق التاريخ مساره رغم كل ما يبدو مستحيلا.
*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية