ليس موضوعي الايجاز اليومي الذي له أكثر بكثير مما عليه، وشكل محطة تستدعي الدرس والتقييم، ليس فقط للايجاز اليومي، بل لمجمل اداء الحكومة خلال شهري الطوارئ الأوليين، وهو اداء ايجابي في العديد من نواحيه، وخاصة الصحية، ولكنه اداء سكني اللون في الجانبين الاقتصادي والمالي، طغت خلاله التأتأة على مجمل الاجراءات الاقتصادية والمالية، وخلق ارباكاً في علاقة الحكومة بالقطاع الخاص، رغم انها، اي الحكومة، اقرب لتمثيل مصالح القطاع الخاص ورؤيته في زمن الرخاء، لكن الجائحة وتداعياتها خلخلت هذا التمثيل، بل خلخلت مكانة القطاع الخاص ودوره الذي ينظر اليه المواطنون عموماً كحلابة لما في جيوبهم، وتعزز هذا خلال الجائحة، لا سيما بعد اخفاقه في تحقيق الاهداف المالية المتواضعة اساساً التي رسمها لصندوق ( وقفة عز )، ناهيك عن مجمل ادواره واجراءاته خلال فترة الطوارئ، والتي لم تطل سقف طموح المواطنين وتوقعاتهم.
وبعيداً عن ذلك، وما يهمني أكثر هنا، هو جردة الحساب الأولية، والتي قد تكون، نهائية، التي قدمها د. اشتيه حول تأثير الجائحة وحالة الطوارئ على مختلف القطاعات، وهي جردة لخصت وتكثف خلالها مجمل هموم الحكومة خلال الفترة، حيث أشار اشتيه بزهو الى ضمان الحقوق الكاملة لموظفي السلطة ومتقاعديها، والى عدم المس برواتبهم ونسب ومواعيد صرفها، وهذا جيد، واشار الى انتظام رواتب العاملين في المؤسسات الأهلية، وهذا غير دقيق، اذ ان بعض المؤسسات الأهلية التي تأثرت بواقع حالة الطوارئ، لم تصرف لموظفيها سوى نصف راتب، وهو ما يعكس نفض يد الحكومة من مسؤوليتها عن هذا القطاع، واشار أيضاً الى استمرار عمل العمال في الداخل وتلقيهم اجورهم، مع ان في هذا ما يناقض رؤية الحكومة الاساسية بالانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، كما اشار الى تلقي العاملين في القطاع الخاص لكامل او اجزاء من رواتبهم، وهذا ايضاً بحاجة للفحص والتأكد، وبحاجة أكثر الى تفنيط وفكفة مكونات القطاع الخاص، ماذا يشمل؟ ومن يشمل؟ وهل يجوز وضع القطاع الخاص كله في سلة واحدة؟ هي تستوي شركات الاتصالات والبنوك مثلاً مع الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر من حيث راس المال والقدرة على التشغيل والصمود؟.
واضافة الى ضرورة تصحيح ما ورد حول القطاعين الأهلي والخاص، فان الأكثر أهمية في فحوى هذا الخطاب، ومرة أخرى الذي عكس مجمل الاداء، هو مسألتين: الأولى تتعلق بالانطباع الذي خلقه الخطاب حول حدود مسؤولية الحكومة وحصرها بموظفيها ومؤسساتها واذرعها، فيما مسؤوليتها عن باقي القطاعات والمكونات هي توجيهية وارشادية، وهذا يخالف المنطق، خاصة خلال ازمة كالتالي مررنا ونمر بها، ويخالف الى حد كبير مسؤوليات وأدوار الحكومة خلال فترة الطوارئ التي تمدها بصلاحيات أوسع وأشمل، ولعل ذلك قد انعكس في الزامية القرارات والاجراءات التي اتخذتها الحكومة تجاه موظفيها ووزاراتها واذرعها، فيما القرارات التي تتعلق بالقطاعات الأخرى كانت مجرد دعوات وتمنيات، مثل الدعوة لدعم صندوق وقفة عز، ودعوة المؤجرين الى الخصم من بدلات الايجار، وغير ذلك من الدعوات والتمنيات التي لم ترق لمستوى القرارات والاجراءات الالزامية التي كانت بمتناول يد الحكومة، ففرضت بعضها المتعلق بالجانب الصحي، فيما تركت تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي في مهب الاجتهاد و(الاخلاق الحميدة).
أما المسألة الثانية فاكثر سطوعاً وتتعلق بتجاهل القطاعات والفئات الأكثر تضرراً، وربما هي الأكبر عدداً، ومنها القطاع السياحي برمته وبما يشمل الفنادق والمطاعم والمقاهي والادلاء السياحيين، عموم منطقة بيت لحم بكل ما فيها من قطاعات، الورش الصغيرة، الحرفيين والمهنيين المستقلين والعاملين في ورش وكراجات صغيرة، الشركات والمؤسسات الصغيرة،المصالح التجارية الصغيرة والجديدة منها خاصة، وسائل الاعلام والصحفيين المستقلين، المدربين وميسري ورش العمل، وغيرهم الكثير من الفئات والقطاعات التي تعطلت بشكل جزئي او بالكامل طيلة الفترة، بل ان بعضها لا سقف ولا افق لاعادة السماح لها بالعمل مثل المطاعم والمقاهي. هذه القطاعات والفئات التي لم يأتي د. اشتيه على ذكرها بدت وكأنها من ( اولاد البطة السوداء ) وفق القول الشعبي السائد، فلا سند لها ولا ظهير، ولا الحكومة قدمت لها شئ، بل انها ستجد نفسها عند تجدد عملها أمام استحقاقات وأوزار لا تقوى عليها، مثل دفع اجور مقارها، ودفع ما تراكم عليها من اجور مستخدميها وعمالها، ودفع اثمان الكهرباء والمياه وفواتير الاتصالات والانترنت وغيرها، تلف معداتها وبضائعها المرهونة بصلاحية محددة للاستخدام والاستهلاك، الضرائب المستحقة وسلفيات ضريبة الدخل ورسوم رخص الحرف والصناعات ورخص الوزارات المرجعية، والكثير غير ذلك من الاعباء والاستحقاقات التي تراكمت ولا تزال على بعضها، ناهيك عن سؤال متى يمكنها التعافي والعودة الى ما كانت عليه اعمالها. تلك كلها اسئلة لم يجب عنها، بل لم يتطرق لها د. اشتيه الذي بدا مزهواً ومرتاحاً باداء واجبات الحكومة تجاه موظفيها ( أولاد البطة البيضاء )، فيما بداء وكأن لا يعنيه حال ( أولاد البطة السوداء ).
هذه لفتة نظر وملامة، وتعبير عن وجع كثيرين، وشعور بالغبن، اعتقد ان على د. اشتيه وحكومته الالتفات لها عملاً بالقاعدة التي تبنتها ( البلد بشيلها أهلها )، نعم، ولكن كل اهلها، بعدالة.