وبعيداً عن هذه الجيب وأبعادها "البروتوكولية" التي لا يليق إخفاء الأيدي بداخلها في هكذا موقف، كما لا يليق الخروج من قلب المؤتمر الذي يتحدث في أمور ذات أهمية وحساسية لسحب يد من جيب صاحبها، وبعيداً عن دلالات وضع اليد في الجيب والتي نراها في كثير من المسؤولين ومنهم السيد رئيس الوزراء في أحيان، ويمارسها الكثير منا عن عادة او لسلوك جسدي يشير الى أن هذا الشخص إما ذو طبيعة قوية يهوى التحكم والسيطرة ولديه شخصية وروح قيادية، أو تشير في اتجاه آخر بأنها تمثل حالة من الضجر والسأم تعتري الشخص، أو رغبة في عدم الإجابة عن أسئلة الشخص الذي يحاورنا، وهذا يفسّر عدم ارتياحنا لأسئلته وبالتالي عدم رغبتنا في مصارحته والإفصاح عن مشاعرنا وغير ذلك.. وفقا لعلماء السلوك.
وبكل تأكيد أن هناك ما لم يعجب رئيس الوزراء، فأخرجه عن "بروتوكوله" إلى جيب ملحم التي تأخذني للحديث عن "جيوب" الوطن وارتباطها الوثيق بجائحة "كورونا" التي نواجه اليوم بجيوب فارغة أو شبه فارغة.
أما الجيب الأول، فهو جيب الحفظ والوقاية من "وباء" لا معالم له ولا علاج، ويحتاج لإمكانات صحية وقائية كبيرة فقط من أجل التعامل مع المصابين لا علاجهم، ولا نملك فلسطينياً هذه الجيب الصحية الحافظة إلا بقدر يسير بات الحصول عليه من أصعب المهمات.
وجيبنا الأخر، جيب الحكومة "المالي" ومخزونها "الأستراتيجي" الذي يكفل توفير مقومات العيش والصمود في وجه الجائحة، وهو بالكاد إستطاع حتى اللحظة، ولا نعلم إن كان بمقدور هذه الجيب الفارغه، أو شبه الفارغة أن تصمد أكثر.
وجيب ثالثة، هي جيب المواطن، تلك التي فيها ما يسد الحاجات الأساسية إن كان موظفا وما زال راتبه قيد الصرف، إلى أن ينقطع هذا الراتب وهو مالا نتمناه فتتحول هذه الجيب إلى جيب مثقوب أسوة بشريحة كبيرة من المواطنين الذين أنقطع عنهم الدخل وأصابهم العوز، ولا سبيل من دعمهم إن لم يكن اليوم ففي المستقبل، ما يقود إلى تفاقم الجائحة.
وجيب أخرى، هي جيب السوق التي أثر في ملئها أو إفراغها برنامج الإغلاق الطويل، فتفاوتت ما بين التجّار من متضرر إلى مستفيد وكذلك مستغل.
وهناك جيب القطاع الخاص الذي تملك جيبه ما لا تملكه كل جيوب الوطن، بل ومنهم من استفاد من "الجائحة" في تفصيل جيوب إضافية؛ منهم من قدم مساعدة، ومنهم من كانت مساعداته خجولة، ومنهم من لا يقدم أصلا، وأبشعهم من سرّح موظفيه أو قلص أجورهم أو ربما لم يصرفها.
فلا تقللوا من شأن الجيب ولا مدلولاتها ولا ما يرافقها أو ينتج عنها من إجراءات أخذت اضطراراً طابع التخفيف والتسهيل بينما هي غاية في الخطورة، إذ تعول على المسؤولية الجماعية التي لا يمكن الرهان على عدم تهاونها في التعامل مع حالة التخفيف الحاصل والإنفلات خارج طوق الوقاية إلى مربع الخطر.
حول "جيب" السيد ملحم، وإجراءات السيد رئيس الوزراء، جيوب خطر متناثرة وحقل الغام "فايروسية" يبدوا أننا قررنا خوضها تفاديا لجائحة إجتماعية، وأمنية، وإقتصادية.
فهل ننجح بالتعامل مع كل هذه الجيوب بما يكفل الخروج من أزماتنا المركبة بنجاح؟!