والقوة العسكرية مقابل إهمال الصحة والتعليم والخدمات. فقد أثبت الفايروس أنه أكثر فتكاً من السلاح الذي صُرف عليه تلك الأموال وأرهق موازنات الدول. فما حاجة المجتمعات للقوة العسكرية التي عجزت عن علاج الوباء ومنع انتشاره إذن! لذلك، تكمن المهمة الأولى أمام تلك الدول، وأمام فلسطين والسلطة الفلسطينية تحديداً، بإعادة دراسة الموازنة السنوية وتعديل بنود الصرف.
وبما أننا في فلسطين ندفع الضرائب، ويتم اقتطاعها من رواتبنا، وندفع مقابل الخدمات وبما أننا الأكثر تضرراً على جميع المستويات من أي وباء أو كارثة، وبما أن المواطنة هي حقوق ووجبات، فإنه من الضروري أن نطالب بتعديلات جوهرية على طرق صرف الموازنات، على النحو التالي:
1- تقليص موازنة الحكومة والإنفاق على قطاع الأمن التي هي بمعدل 21% من موازنة السلطة الفلسطينية، مقابل تخصيص موازنات مناسبة للنهوض بقطاع الصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والخدمات والبنية التحتية.
2- البدء بتقليص عدد الوظائف الحكومية، وإيقاف التعيينات العشوائية والعقود، وضرورة بناء نظام تقييم وزاري لتقييم أداء الموظف الحكومي، وتقليص عمل السفارات والممثليات إلى أبعد حد، وإعلان خطة التقشف وإدارة الموارد والمصادر المتنوعة بأفضل الأساليب.
3- التمويل والدعم الدولي سوف يتقلص لأبعد حد، فالدول المانحة سوف توجه الآن موازناتها لحماية نفسها من الوباء وآثاره الاقتصادية والاجتماعية على دولهم. وهذا يعني أن نبدأ بتفعيل خطط بديلة داخلية، واعتماد سياسات حمائية، وخطط الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، ودعم مبادرة العناقيد الاقتصادية، وتقديم قوانين تنفيذية داعمة لقطاع الزارعة والصناعة، وتشجيع الاستثمار الفلسطيني داخل فلسطين، ووضع خطط لتدخل القطاع الخاص جدّية بهدف توفير فرص عمل، والاستثمار بقطاع ريادة الأعمال والقطاع التكنولوجي كونه مصدر سوف يدّر الملايين، وتقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع الصغيرة الناشئة والمتوسطة لتتمكن من العمل والاستمرار والتشغيل، بالمقابل فرض ضرائب على المشاريع والشركات العملاقة، وغيرها من الإجراءات الوقائية استعداداً لمرحلة صعبة.
4- توفير صندوق الطوارئ الفلسطيني وضخ ملايين الدولارات فيه من القطاع الخاص، والمستثمرين الفلسطينيين في العالم مقابل إجراءات وتسهيلات معينة يضعها خبراء الاقتصاد. على أن يدار من قبل جهة ذات مصداقيه عالية، منعاً لتكرار تجارب سلبية سابقة حول إدارة الصناديق. بالمقابل يتم نشر خطة عمل وآلية الاستثمار بتلك المبالغ، وتدعيم الاقتصاد والصحة والرعاية الاجتماعية.
5- بدء التحضير الجدّي للانتخابات التشريعية والرئاسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، مما قد يساهم بارتفاع قيمة المساعدات المقدمة من الدول المانحة لتمويل موازنة فلسطين، وهذا يعني زيادة النفقات التطويرية والتسهيلات الموجهة للمشاريع الريادية لفئة الشباب والتي تنسجم مع خطة الحكومة الفلسطينية، وتساهم ببناء اقتصاد وحياة كريمة، وبالتالي انعكاس ذلك على قطاعات حيوية أخرى، أهمها الصحة والريادة والتعليم الآن.
حان الوقت كي نتحد؛ حكومة، ومؤسسات، وقطاع خاص، وأحزاب، وحركات مجتمعية وسياسية واقتصادية، وأفراد وجماعات أمام هذه التغيّرات الجوهرية في حياتنا، وحاضرنا ومستقبلنا، لنتمكن من النمو والبقاء والازدهار.